ومما زادنا لوعة وحسرة أنهم ماتوا على قارعة الطريق، ولا من رحيم ولا شفيق، اللهم إلا رحمة الله التي وسعت كل شيء، وعطف الشعب الإيطالي الذي خفف كثيرا من آلامنا وأحزاننا.
ذلك العطف الداعي إلى توثيق عرى المودة والارتباط بين الشعبين، فالشعب المصري يقدم للشعب الإيطالي جزيل تحياته مصحوبة بعظيم ممنونيته ووافر شكره، ويحفظ له في أعماق قلبه جميل الذكر وطيب الأثر.
لقد مر بنا من الحوادث والكوارث ما يدك شوامخ الجبال ويفتت رواسي الأطواد، ومع هذا قد اتخذنا من الصبر قوة ومن الجلد عزيمة ومن الاتحاد والتضافر سلاحا أمتنا به اليأس، ونرجو أن نتغلب به دائما على كوارث الدهر فإنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.
فهل بعد ذلك يمكن أن يقف بنا ذلك الخطب عند حد اليأس أو يقعد بنا عن متابعة السير في طريقنا المعهودة ...؟ كلا، فإن دماءنا وأرواحنا وفلذات أكبادنا كلها فداء للوطن.
ولن يفتدى الوطن إلا إذا اغترف أبناؤه العلم من مناهله، وهي مع الأسف نائية لا تدرك إلا بالتضحية واستسهال المصاعب، وحاشا أن ما حصل يوهن عزائم أبنائنا، ويقعد بهم عن السفر في طلب العلم والمخاطرة لأجله.
فإن شباننا وزهرة مستقبلنا الذين توجوا بلادهم بالأكاليل الفخار يعتقدون ولا شك أن الأقدار وإن كانت لا محالة نافذة ... إلا أن الآجال موقوتة محدودة، ولكل أجل كتاب.
أيها السادة
قد جعل الله لكل شيء سببا، والأسباب ترجع إلى مسبباتها، وقد كان سبب استشهاد شهدائنا سفرهم، وما الذي بعثهم على ذلك السفر؟
بعثهم إليه أيها السادة أن بلادهم مع الأسف لا تزال - ونحن في القرن العشرين - خالية من المدارس الجامعة والكليات الناجعة والصناعات النافعة، ولو كان بها ذلك كغيرها أو شيء منه لما تجشم أبناؤنا مشاق السفر وركبوا متن الخطر.
فبالله عليكم هل رأيتم أو قرأتم أو سمعتم أن قطرا من أقطار المسكونة لا يزال عالة على غيره، وعلى الخصوص في التربية والتعليم اللذين هما أساس حياة الأمم؟ هذا ما لا أظن أن يكون.
صفحة غير معروفة