والتباين قد يقع على وجوه، فيقع فى أشياء مختلفة الموضوعات، مثل الحجر والفرس؛ وقد يقع فى شىء واحد متفق الموضوع مختلف الاعتبارات؛ فمن ذلك أن يكون أحد الاسمين له من حيث موضوعه، والآخر من حيث هو له وصف، كقولنا: سيف وصارم؛ فإن السيف يدل على ذات الآله، والصارم يدل على حدتها. ومن ذلك أن يكون كل واحد من الاسمين يدل على وصف خاص مثل الصارم والمهند؛ فإن الصارم يدل على حدته والمهند على نسبته. ومن ذلك أن يكون أحدهما بسبب وصف، والآخر بسبب وصف للوصف، كقولك: ناطق وفصيح؛ فإن الناطق يدل على وصف، والفصيح يدل على وصف الوصف. وفى جلة المتباينات ما يسمى مشتقة ومنسوبة، وهى التى هى من جهة ما ليس اسمها بواحد ولا معناها واحدا؛ فهى متباينة ؛ لكن من حيث أن بين الاسمين والمعنيين مشاكلة م لا تبلغ أن تجعلها اسما واحدا أو معنى واحدا، فهى مشتقة. وليس هذا قسما خامسا يحوج إلى أن يشترط فى المتباينات من أنها هي التى تتباين فى جميع الوجوه، فلا يكون فيها مشاركة فى لفظ ولا معنى؛ فإن هذا تكلف ويحوج الى زيادة أقسام؛ بل المشتقة من جملة المتباينة.
والمشتق له الاسم هو الذى لما كانت له نسبة ما، أى نسبة كانت إلى معنى من المعانى، سواء كان المعنى موجودا فيه كالفصاحة، أو له كالمال، أو موضوعا لعمل من أعماله كالحديد، فأريد أن يدل على وجود هذه النسبة له بلفظ يدل على اللفظ الذى لذلك المعنى الأول، ولا يكون هو بعينه ليدل على مخالفة معنى النسبة لمعنى المنسوب إليه، وليس مباينا له من كل وجه فلا يصلح للإيماء إليه، خولف بين اللفظين بالشكل والتصريف مخالفة تدل بالاصطلاح اللغوى على النحو من التعلق الذى بينهما، فقيل: فصيح أو متمول أو حداد؛ أو زيدت فيه زيادة تدل على النسبة، فقيل: نحوى وقرشى؛ أو فعل به فعل يوجبه اصطلاح لغة دون لغة. ومن شأن هذا اللفظ الذى للثانى أن يقال له إنه مشتق من الأول، أو منسوب إليه، كما لو كان مأخوذا بعينه، لقيل منقول بالاشتباه، كما لو لم يسم من فيه العدل عادلا بل سمى عدلا أيضا، لم يكن هذا من جملة ما سموه مشتقا ومنسوبا، بل من جملة ما يقال باشتباه الاسم واتفاقه، وكان منقولا من الأول إلى الثانى لا مشتقا.
والمشتق يحتاج الى اسم موضوع لمعنى، وإلى شىء آخر له نسبة إلى ذلك المعنى، وإلى مشاركة لاسم هذا الآخر مع اسم الأول، وإلى تغيير ما يلحقه.
ولمفرق أن يفرق بين المشتق والمنسوب فيجعل المنسوب ما يدل بالحاق لفظة النسبة بلفظ الشىء، كالهندى؛ ويجعل المشتق ما يدل بتغيير يلحق اللفظ كالمهند. ولليونانية فى الأمرين اصطلاح آخر.
الفصل الثالث فصل (ج) في بيان ما يقال على موضوع أو لا يقال ويوجد في موضوع أو لا يوجد
أقول أولا إنه ربما أوجب استقصاء النظر عدولا عن المشهور؛ فإذا قرع سمعك ذلك فظن خيرا ولا تنقبض بسبب ورود ما لم تألفه عليك. واعلم أن العاقل لا يحيد عن المشهور ما وجد عنه محيصا. وبعد ذلك فاعلم أن صفات الأمور على أقسام: لأنه إما أن يكون الموصوف قد استقر ذاته معنى قائما، ثم إن الصفة التى يوصف بها تلحقه خارجة عنه لحوق عارض أو لازم؛ وإما أن يكون الموصوف أخذ بحيث قد استقر ذاته، لكن الصفة التى يوصف بها ليست تلحقه لحوق أمر خارج بل هو جزء من قوامه؛ وإما أن يكون أخذ بحيث لا يكون قد استقر ذاته بعد، والصفة تلحقه لتقرر ذاته وليست جزءا من ذاته؛ وإما أن يكون أخذ بحيث لا يكون قد استقر ذاته بعد، والصفة ليست تلحقه من خارج، بل هو جزء من وجوده؛ وإما أن لا يكون قد استقر ذاته، والصفة تلحقه لا لنفس ذاته، بل لحوق لازم لما يقرره أو عارض له أول.
مثال الأول قولك: الإنسات أبيض أو ضحاك.
ومثال الثانى قولك: الإنسان حيوان؛ فإن الإنسان طبيعة متحصلة لا تحتاج إلى ما يقومها، بعد ما هو إنسان. وإن أشكل عليك هذا فخذ مكانه زيدا؛ ومع ذلك، فإن الحيوان جزء من ماهيته.
ومثال الثالث الهيولى والصورة؛ فإن الصورة صفة للهيولى خارجة عن ذاتها تتقرر بها ذاتها قائمة بالفعل، ولولاها لاستحال وجودها، لاعلى أن الصورة لازمة بعد التقوم، بل مقومة مثبتة، وليست مع ذلك جزءا من الهيولى. وقد فهمت الفصل بين هذين.
صفحة ٤٨