والمحل يستمر؛ إلا أنه يرجع إلى بعض ما نريد أن نعطيه من السبب وذلك فنقول: إن السبب فى وقوع هذه الشركة أحد شيئيين: إما التشبيهات الاستعارية المجازية كما هى فى لفظة " العين " فإنه لما كان اسما للبصر، وكان البصر من فعله المعاينة، وكانت المعاينة تدل بوجه ما على الحضور، والحضور يدل على النقد، وكان النقد الحقيقى هو للدينار، سمى الدينار لذلك فيما نظن عينا، أو لأنه عزيز عز العين، أو شىء آخر من هذه الوجوه وربما كان ذلك على سبيل التذكر والتبرك، أو على سبيل الرجاء؛ وأكثر هذه فى الجزئيات كمن يرغب فى التسمية باسم نبى، أو يسمى ابنه باسم أبيه ليتذكره به. وأما الاتفاقات البخنية الواقعة فلاختلاف المسمين التسمية الأولى؛ كأن بعضهم اتفق له أن أوقع اسم العين على شىء والآخر اتفق له أن أوقعه على غيره؛ فيجوز إذن أن يكون سبب الاتفاق هو اختلاف حال مسميين، أو لاختلاف حال مسم واحد فى زمانين صار فيهما كشخصين. وهذا القسم الواقع فيه من الأسباب م عددناه هو المخصوص باسم اشتراك الاسم؛ ويشارك التشابه بالاسم فى أن الاسم يكون واحدا ومعناه ليس بواحد؛ ولا يرفع اشتراك الاسم ولا اتفاقه؛ بل يكون هناك قول واحد متفق واسم واحد متفق كل واحد منهما فى الجميع؛ فإن هذا لا يمنع أن يكون القول المتفق فيه ليس بحسب هذا الاسم، مثل أن قائمة السرير وقائمة الحيوان يتفقان فى اسم القائمة، ويتفقان فى أن كل واحد منهما جوهر ذو طول وعرض وعمق، وهذا لا يمنع أن يكون اسم القائمة مقولا عليهما بالاشتراك أو التشابه؛ وذلك لأن هذا ليس بحسب اسم القائمة بل بحسب لفظ آخر، وهو الجسم؛ ولا يمنع أن يكون لهذا القول اسم آخر موضوع؛ وليس إذا لم يكن له اسم موضوع دل ذلك على أنه بحسب هذا الاسم الذى هو القائمة.
وقد يتفق أن يكون الاسم الواحد مقولا على شيئين بالاتفاق وبالتواطؤ معا، مثل الأسود إذا قيل على رجل اسمه أسود وهو أيضا ملون بالسواد، وقيل على القير؛ فإنه إذا أخذ هذا الاسم على أنه اسم شخص الرجل، كان قوله عليه وعلى القير بالاتفاق، وإذا أخذ على أنه اسم الملون كان قوله عليهما بالتواطؤ. وقد يكون اللفظ الواحد أيضا مقولا على الشىء الواحد مع شيئين بالاتفاق والتواطؤ، كالعين للبصر مع بصر ومع ينبوع الماء وقد يكون مقولا على أشياء بأعيانها من جهتين بالتواطؤ والاتفاق، كما كان اتفق أن دل بالأسود، وهو لفظ واحد، على رجلين يسميام أسودين. والاسم الواحد قد يقال على الشىء الواحد من جهتين قولا بالاشتراك، مثل الأسود على المسمى بأسود ولونه أسود.
وربما كانت المعانى المختلفة فى شىء واحد اختلافها بالعموم والخصوص ثم يقال عليها اسم واحد فيكون مقولا بالاشتراك، وذلك من حيث يدل على معان مختلفة. ويقع بسبب ذلك غلط كثير، كما يقال ممكن على غير الممتنع وعلى غير الضرورى.
والأسماء المستعارة والمجازية إذا استقرت ففهم منها المعنى صار حكمها حكم المشتركة، إلا أنها تكون كذلك عند من يفهم معناها، ويجب أن تكون حينئذ من جملة المتشابهات المنقولة. وكما أنها فى دلالتها قبل ذلك كانت مستعارة، كذلك كونها مشتركة قبل ذلك إنما هو بالاستعارة. والكليات كلها، إلا الجنس والنوع والفصل وحدها، فإنها تقع على جزئياتها التى تشترك فيها بالسوية وقوعا بالتواطؤ.
وليس ما يظن من أن الجنس والنوع والفصل وحدها هى التى تقع بالتواطؤ دون غيرها بشىء؛ وذلك لأن التواطؤ لم يكن تواطؤا بسبب كون المعنى ذاتيا، بل بسبب كونه واحدا فى المعنى غير مختلف. وهذه الوحدة قد توجد فيما هو ذاتى، وقد توجد فيما هو عرضى من الخواص والأعراض العامة.
وكما أن للاشياء المتكثرة اعتبارا بحسب الاتفاق فى الاسم الواحد، فكذلك لها اعتبار بحسب الاختلاف فى الاسم؛ فإن الأشياء إذا تكثرت بالأسامى لم يحل إما أن يكون تكثرها مقارنا لتكثر مفهوماتها فيها فتسمى تلك الأمور متباينة الأسماء، كقولهم: حجر وإنسان وثور، وهذه هى التى تختلف بالأسامى وتختلف فى قول الجوهر الذى بحسب تلك الأسامى؛ وإما أن يكون التكثر فى الأسامى ومفهوماتها واحدة، كما يقال: عسل وأرى، فإن مفهومات هذه كلها واحدة، فتسمى أسماء مترادفة.
صفحة ٤٧