أما الخبر، فلأن الخبر يكون دائما عن شيء متحقق في الذهن. والمعدوم المطلق لا يخبر عنه بالإيجاب، وإذا أخبر عنه بالسلب أيضا فقد جعل له وجود بوجه ما في الذهن. لأن قولنا: "هو"، يتضمن إشارة، والإشارة إلى المعدوم - الذي لا صورة له بوجه من الوجوه في الذهن - محال. فكيف يوجب على المعدوم شيء؟ ومعنى قولنا: إن المعدوم "كذا"، معناه أن وصف "كذا" حاصل للمعدوم، ولافرق بين الحاصل والموجود. فنكون كأنا قلنا: إن هذا الوصف موجود للمعدوم. بل نقول: إنه لا يخلو أن ما يوصف به المعدوم ويحمل عليه إما أن يكون موجودا وحاصلا للمعدوم أو لا يكون موجودا حاصلا له؛ فإن كان موجودا وحاصلا للمعدوم، فلا يخلو إما أن يكون في نفسه موجودا أو معدوما، فإن كان موجودا فيكون للمعدوم صفة موجودة، وإذا كانت الصفة موجودة، فالموصوف بها موجود لا محالة، فالمعدوم موجود، وهذا محال؛ وإن كانت الصفة معدومة، فكيف يكون المعدوم في نفسه موجودا لشيء؟ فإم ما لا يكون موجودا في نفسه، يستحيل ان يكون موجودا للشيء. نعم قد يكون الشيء موجودا في نفسه ولا يكون موجودا لشيء آخر، فأما إن لم تكن الصفة موجودة للمعدوم فهي نفي الصفة عن المعدوم، فإنه إن لم يكن هذا هو النفي للصفة عن المعدوم، فإذا نفينا الصفة عن المعدوم، كان مقابل هذا، فكان وجود الصفة له؛ وهذا كله باطل. وإنما نقول: إن لنا علما بالمعدوم، فلأن المعنى إذا تحصل في النفس فقط ولم يشر فيه إلى خارج، كان المعلوم نفس ما في النفس فقط، والتصديق الواقع بين المتصور من جزئيه هو أنه جائز في طباع هذا المعلوم وقوع نسبة له معقولة إلى خارج، وأما في هذا الوقت فلا نسبة له، فلا معلوم غيره. وعند القوم الذين يرون هذا الرأي، أن في جملة ما يخبر عنه ويعلم أمورا لا شيئية لها في العدم، ومن شاء أن يقف على ذلك فليرجع غلى ما هذوا به من أقاويلهم التي لا تستحق فضل الإشتغال بها. وإنما وقع اولئك فيما وقعوا فيه بسبب جهلهم بأن الإخبار إنما يكون عن معان لها وجود في النفس، وإن كانت معدومة في الأعيان، ويكون معنى الإخبار عنها ان لها نسبة ما إلى الأعيان. مثلا إن قلت: إن القيامة "تكون" فهمت القيامة وفهمت تكون، وحملت تكون التي في النفس، على القيامة التي في النفس، بأن هذا المعنى إنما يصح في معنى آخر معقول أيضا، وهو معقول في وقت مستقبل، أن يوصف بمعنى ثالث معقول، وهو معقول الوجود. وعلى هذا القياس الأمر في الماضي. فبين أن المخبر عنه لا بد من أن يكون موجودا وجودا ما في النفس. والإخبار في الحقيقة هو عن الموجود في النفس، وبالعرض عن
صفحة ١٧