الخبر، تكون كأنك قلت: إن الشيء هو الشيء الذي يصح الخبر عنه، لأن معنى "ما" و"الذي" و"الشيء" معنى واحد، فتكون قد أخذت الشيء في حد الشيء. على أننا لا ننكر أن يقع بهذا أو ما يشبهه، مع فساد مأخذه، تنبيه بوجه ما على الشيء، ونقول: إن معنى الوجود ومعنى الشيء متصوران في الأنفس، وهما معنيان. فالموجود والمثبت والمحصل أسماء مترادفة على معنى واحد، ولا نشك في أن معناها قد حصل في نفس من يقرأ هذا الكتاب. والشيء وما يقوم مقامه قد يدل به على معنى آخر في اللغات كلها، فإن لكل أمر حقيقة هو بها ما هو، فالمثلث حقيقة أنه مثلث، وللبياض حقيقة أنه بياض، وذلك هو الذي ربما سميناه الوجود الخاص، ولم نرد به معنى الوجود الإثباتي. فإن لفظ الوجود يدل به أيضا على معاني كثيرة، منها الحقيقة التي عليها الشيء، فكأنه ما عليه يكون الوجود الخاص للشيء. ونرجع فنقول: أنه من البين أن لكل شيء حقيقة خاصة هي ماهيته، ومعلوم أن حقيقة كل شيء الخاصة به غير الوجود الذي يرادف الإثبات، وذلك لأنك إذا قلت: حقيقة كذا موجودة إما في الأعيان، أو في الأنفس، أو مطلقا يعمها جميعا، كان لهذا معنى محصل مفهوم. ولوقلت: إن حقيقة كذا، حقيقة كذا، أو أن حقيقة كذا حقيقة، لكان حشوا من الكلام غير مفيد. ولو قلت: إن حقيقة كذا شيء، لكان أيضا قولا غير مفيد ما يجهل؛ واقل إفادة منه أن تقول: إن الحقيقة شيء، إلا أن يعنى بالشيء، الموجود، كأنك قلت: إن حقيقة كذا حقيقة موجودة. وأما إذا قلت: حقيقة أ شيء ما، و حقيقة ب شيء آخر، فإنما صح هذا وأفاد. لأنك تضمر في نفسك أنه شيء آخر مخصوص مخالف لذلك الشيء الآخر، كما لو قلنا: إن حقيقة أ وحقيقة ب حقيقة أخرى. ولولا هذا الإضمار وهذا الإقتران جميعا لم يفد، فالشيءئ يراد به هذا المعنى. ولا يفارق لزوم معنى الوجود إياه البتة، بل معنى الوجود يلزمه دائما، لأنه إما موجودا في الأعيان، أو موجودا في الوهم والعقل، فإن لم يكن كذا لم يكن شيئا. وأن ما يقال: إن الشيء هو الذي يخبر عنه، حق؛ ثم الذي قال، مع هذا، إن الشيء قد يكون معدوما على الإطلاق، أمر يجب أن ينظر فيه. فإن عنى بالمعدوم المعدوم في الأعيان، جاز أن يكون كذلك، فيجوز أن يكون الشيء ثابتا في الذهن معدوما في الأشياء الخارجة. وإن عنى غير ذلك كان باطلا، ولم يكن عنه خبر البتة، ولا كان معلوما إلا على أنه متصور في النفس فقط. فأما أن يكون متصورا في النفس صورة تشير إلى شيء خارج فكلا.
صفحة ١٦