ولا ننكر أيضا أن تحدث أمور مشتركة من بين الحرارة واليبوسة، ومن بين الحرارة والرطوبة، ويكون عنها اختلافات؛ إلا أنها ترجع، آخر الأمر، إلى ما تقتضيه الحرارة واليبوسة، أو الحرارة والرطوبة. وأما شىء خارج جملة عن طبيعة الحرارة، أو عن الطبيعة المشتركة التى تتألف عن الحرارة وشىء آخر، فلا يكون ذلك فعل الحرارة بالذات، وذلك مثل. جذب المغناطيس، أو مثل شىء آخر مما هو خارج عن أن يكون ملموسا بوجه. فلا هو ذات حرارة ممزوجة أو صرفه. فليس هو من قبيل المزاج، وذلك كاللون. وكيف، والمزاج يلمس ويحس به، ولا يشعر بلون أصلا، واللون يدرك ويبصر، ولا يشعر بمزاج أصلا؟ فيكون لا محالة ما أدرك غير ما لم يدرك. وليس يلزم من هنا أن لا تكون أمور تلحق هذه الكيفيات باختلاف أحوالها، مما ليست هي أفاعيل هذه الكيفيات؛ بل أمور أخرى تتبعها.
وأما ما كنا فيه من أمر الاستعداد فيجب أن نعلم أن الاستعداد بالحقيقة أمر للمادة، ويكاد تكون المادة مستعدة لكل شىء. وفيها قوة قبول كل شىء. لكن الأمور التى توجد فيها منها ما من شأنه أن لا يجتمع مع بعض ما هو فى قوة قبول المادة. فإذا وجد ذلك لم يوجد هو، فيقال حينئذ إنه لا استعداد فى المادة لذلك الأمر.
ومنها ما من شأنه أن يجتمع معه اجتماعا. وكل ذلك لا لأن الكيفية فعلت فى ذلك فعلا ما، ولكن لأن المادة فى نفسها هذا شأنها.
صفحة ٢٥٩