أما المزاج وما هو، وكيف هو فقد قلنا فيه. فيجب أن يتذكر جميع ما قيل من ذلك. والذى يجب علينا أن نستقصي الكلام فيه حال الأمور التى توجد فى هذه المركبات عند المزاج، فنقول: إن هذه العناصر الأربعة لا يوجد فيها من الكيفيات إلا الأربع، وإلا الخفة والثقل، ماخلا الأرض. فقد يشبه أن يكون لها لون. لكن لمانع أن يمنع ذلك، فيقول: إن اللون الموجود للأرض إنما يوجد لها بعد ما يعرض لها من امتزاج المائية، وغير ذلك. ويصلح لذلك المزاج أن تكون ملونة. ويقول إنه لو كان لنا سبيل إلى مصادفة الأرض الخالصة لكنا نجدها خالية عن الألوان، وكنا نجدها شافة. فإن الأخلق بالأجسام البسيطة ألا يكون لها لون. و الأحرى عندي، بعد الشك الذى يوجبه الإنصاف، وبعد وجوب ترك القضاء البت فيما لا سبيل فيه إلى قياس يستعمل، و إنما المعول فيه على تجربة تتعذر هو أن الأرض لها فى ذاتها لون، وأن الامتزاج الذى وقع لا يقعدنا عن وجود ما فيه أرضية غالبة. فكان يجب أن نرى فى شىء من أجزاء التربة، مما ليس متكونا معدنيا، شيئا فيه إشفاف ما أفكان لا تكون هذه الكيفية فاشية فى جميع أجزاء الأرض، ولكان حكم الأرض حكم الماء أيضا والهواء. فإنها، وإن امتزجت، فلا يعدم فيها مشف.فالأحرى أن تكون الأرض ملونة لا ينفذ فيها البصر. فإنا نعني باللون ما إذا جعل وراءه مرآة لم تؤده إلى البصر.
والبساطة لا تمنع أن يكون الجرم ملونا غير شفاف؛ فإن القمر، على مذهب الجمهور من الفلاسفة، هذا شأنه. ثم إن أنكر ذلك منكر كان حاصل الأمر أنه لا كيفية للعناصر خلا ما ذكر. وإن اعترف لم يكن لها إلا اللون لبعضها. وأما الطعم والرائحة فلا يوجد لشىء منها إلا بالمزاج. فإن كان من ذلك شىء لشىء فعسى أن يظن أنه للأرض. وبالحقيقة لا رائحة لأرض لم تستحل بالمزاج.
والأرض الصحيحة كالأرض التى يتولد فيها الذهب، لا يوجد لها رائحة ألبتة البتة . وكذلك فى غالب حال الأرض. ومما يعلم أن ذلك محدث بالمزاج ما نراه يشتد بالامتزاج. ثم إن كان للأرض طعم أو رائحة، وكان للأشياء الأخرى بسبب الأرض، فإنما يجب أن يحصل للمركب من الأرض وغيرها ذلك الطعم، وقد انكسر، وتلك الرائحة وقد انكسرت. وأما طعم ورائحة غريبة فلا. فكيف تكون الطعوم والروائح المتضادة إلا أن تكون الرائحة قد تتولد بالامتزاج، وليست إنما تستفاد من الأرضية على ما ظنه بعضهم، وكذلك الألوان.
صفحة ٢٥١