فلنجتهد بأن نزيل شر الأوهام، وبأن نرد على الإنسان نشاطه ونجعله يحترم عقله، أما الذي لا يستطيع أن يعدل عن أحلامه فلا أقل من أن يدع غيره يفتكر لنفسه، ويقتنع من نفسه، فإن ما يهم أهل الأرض خاصة أن يكونوا عادلين ومحسنين ومحبين للسلم.
والفضيلة عند هولباخ مرادفة للسعادة.
وبحث في الفصول الخمسة اللاحقة عن نظام الطبيعة، وعن المادة والحركة وانتظام الأعمال الطبيعية ... إلخ على المبادئ المعروفة للرأي المادي. وخص الفصل الأخير منها بتفنيد القول بالأسباب الغائية، وجعلها الحد الفاصل بين الماديين والإلهيين الذين منهم فولطير؛ ولأجل ذلك انبرى فولطير لمعارضة «نظام الطبيعة» وأثار ضده حربا عوانا.
قال هولباخ:
إن كل شيء محصور في الطبيعة، وليس وراءها من موجود غير ما جاء به التصور. والإنسان ليس إلا صنع الطبيعة فهو كائن طبيعي خاضع لنواميسها، ولا طاقة له حتى ولا بالفكر على مجاوزة الحدود التي وضعتها له. وقواه المعنوية حالة خصوصية من طبيعته المادية ليس إلا، وبالتفاعل بينه وبين الطبيعة المحيطة به، وبالنمو التدريجي بلغ رويدا رويدا مبلغه اليوم.
إلى أن قال في آخر الفصل العاشر من القسم الأول ما نصه:
فالإنسان لا حق له إذن أن يعتبر نفسه فوق الطبيعة، إذ إنه خاضع لنفس التغيرات التي تقع على سائر الكائنات، فليرتفع بالفكر إلى ما وراء حدود هذا العالم، وليرمق بعين واحدة جنسه والكوائن الأخرى ير أنه يعمل أعمالا على حكم الضرورة، كما تنبت الشجرة أثمارا، ويعلم أن غروره بنفسه ناشيء عن كونه شاهدا وجزءا من العالم معا، وأن التفضيل الذي يجعل شخصه موضوعا له سببه محبة ذاته ومصلحته الخصوصية.
فالعالم عنده ليس إلا مادة وحركة، وسلسلة أسباب ومسببات لا نهاية لها، فكل ما فيه متحرك ومتغير، والسكون فيه ظاهري فقط، وأثبت الأجسام يتغير على الدوام، والمادة والحركة أزليتان، والخلق من لا شيء لفظة لا معنى لها. وأما فيما خص جوهر المادة فهو غير متمسك جدا به، بل يقول: إن هذا الجوهر مجهول. قال ما نصه:
ذلك هو سر الطبيعة الذي لا يتحول أو هو الدائرة التي يدورها كل موجود، فالحركة تكون أجزاء العالم وتحفظها، ثم تلاشيها شيئا فشيئا وبعضها ببعض مع بقاء الكمية على حالها، فالطبيعة تولد الشموس ونظامها والسيارات التي تدور حولها، والحركة تغيرها جميعا على نوع غير محسوس، وربما بددت أجزاءها يوما من الأيام.
9
صفحة غير معروفة