7
مجنونين.» ويقول أيضا:
إن عمل الدماغ أمر لازم، فيلزمه أن يفتكر؛ أي أن يراقب ويقابل ويستنتج حالما يقع تأثير الأشياء الخارجية عليه، كما يلزم العين أن تبصر إذا وقع عليها النور والأذن أن تسمع إذا بلغتها التموجات الصوتية. ولا فرق جوهري بين نفس الإنسان ونفس الحيوان، فالحيوان يحس ويفتكر ويقابل ويستنتج كالإنسان، والفرق بينهما أن الحيوان دون الإنسان في الكمال فقط، فهما مركبان من عناصر واحدة متألفة على نواميس واحدة، غير أن جسد الإنسان أشد اختلاطا من جسد الحيوان كآلة الساعة الفلكية، فإنها أكثر اختلاطا من آلة الساعة الدارجة.
وأما كون المادة مخلوقة أو أزلية، فهو يقول: إن ذلك فوق إدراكنا. ولا يتعرض لنفي وجود الله، وربما أقر بوجوده أيضا، إلا أنه يزعم أن لا دخل له في راحتنا وسلوكنا، وعلمنا به لا يزيد في سعادتنا، والأخلاق لا تعلق لها بالإيمان ولا بالدين. وهكذا يقول في خلود النفس، فربما كانت خالدة أيضا.
ويقول أيضا: إن مبدأ الحياة ليس في الكل فقط، بل في كل جزء كذلك، ويذكر لذلك أمثلة فيزيولوجية، كقابلية العضلات للتهيج بعد الموت، وبقاء حركة بعض الأعضاء، كالقلب مثلا بعد قطع الرأس، وعود بعض الأعضاء بعد نزعها في الحيوانات الدنيئة ... وغير ذلك.
وربما أخذ على دلامتري نشره بعض كتابات متعلقة بالملاذ والشهوات الجسدية، لكنه لم يذكرها إلا لكي ينبه إلى وجوب معاملة الهائم بها معاملة المريض، وقد أراد بذلك أن يشير إلى قساوة شريعة ذلك العصر. وأما سيرته الخصوصية فلم يكن فيها شيء من الخلاعة أو عدم الاستقامة، وخصومه الذين شنعوا عليه فيها كثيرا، لم يستطيعوا أن يذكروا له شائبة صحيحة من الشوائب التي لم يخل منها كثير غيره من كبار الرجال: فلم يرم بأولاده بين اللقطاء كروسو، ولا غش خطيبتين كسويفت، ولا باع ضميره كباكون، ولا زور كتابات كفولطير، بل عاش كرجل هذبته العلوم وطبخته الفلسفة
8
وتوفي في برلين سنة 1751.
ثم في سنة 1770 ظهر كتاب «نظام الطبيعة» للبارون هولباخ، وهو ألماني الأصل قطن باريز، وكان غنيا جدا، محسنا إلى الفقراء، محبا للعلماء، كثير العلم، غير معجب بنفسه. ولد في هدلشيم سنة 1723، وتوفي في باريز سنة 1789.
وهذا الكتاب مقسوم إلى قسمين: إنساني ولاهوتي، فالقسم الإنساني أهمهما وقاعدته أدبية كمذهب إبيقورس. ويفتتح الكلام بهذه القضية، وهي أن الإنسان إذا كان تعيسا فلجهله طبيعته، فيقتضي له إذن حتى يصير سعيدا أن يتحرر من الأوهام المتكبل بها منذ طفوليته، فإنها سبب النير الثقيل الذي يلقيه الظالمون والرؤساء على عاتق الأمم، وسبب الاضطهاد والترفض والحروب الدائمة وإراقة الدماء وما شاكل. وفيه أيضا ما نصه:
صفحة غير معروفة