«الابتداء»، هو إيجاد الشيء الذي ليس له أثر في الوجود بوجه من الوجوه. وان المبدأ الأول هو الذي ابتدأت منه الموجودات وانتهت إليه سلسلة المبتدئات وذلك عن علم منه بها وإرادة دعت إليها. وحينئذ لا يمكن أن يكون شيء مبتدأ من الموجودات سببا لابتداء غيره، إذ كل ما فرض انه ابتدأ من هذا المبتدأ فله صورة في علم الإله تعالى لا أن العلم بمعنى حصول الصورة، إذ ما عند الله هي الحقائق المتأصلة الباقية وكل ما في الكون فهي أشباح وأمثلة لتلك الصور العالية ما عندكم ينفد وما عند الله باق [1] فإذا كان كذلك فما فرض انه مبتدأ من ذلك المبتدأ فليس بمبتدإ. ولا ريب ان الموجودات لها ابتداء فكلها ابتدأت من البارى تعالى. نعم، إنما المبادي العالية والعلل المتوسطة شأنها الإبداء والإظهار وأين الابتداء من الإبداء مع أن الإبداء أيضا منه سبحانه على الحقيقة إذ الكل هالك دون وجهه الكريم ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا حياة ولا نشورا فكيف لغيرهم وهو المبدئ والمعيد وفي هذا المقام قيل: «شئون يبديها لا شئون يبتديها» [2] ومن ذلك ظهر تحقيق المقام الثالث [3] .
[وجه انه لا أداة فيه تعالى]
صفحة ١٣٣