ثم استعمل في المشبه اللام الموضوعة للدلالة على ترتب العلة الغائية التي هي المشبه به فجرت الاستعارة أولا في العلية، والغرضية، وبتبعيتها في اللازم، وصارت اللام بواسطة استعارتها لما يشبه العلية بمنزلة الأسد المستعار لما يشبه الهيكل المخصوص، وهذا واضح إلا أن المصنف رحمه الله تعالى اعتبر زيادة تدقيق، وهو أن التعليل يستعار أولا للتعقيب لكونه لازما للتعليل فيراد بالتعليل التعقيب أعم من أن يكون تعقيب المعلول للعلة أو غيره ثم بواسطة ذلك يستعار لام التعليل للتعقيب كما يستعار لفظ الأسد للشجاع أعم من أن يكون سبعا وإنسانا، ويقع على تعقيب غير المعلول للعلة كتعقيب الموت للولادة بناء على أنه تعقيب كما يقع أسد على زيد بناء على كونه شجاعا فيكون تعقيب الموت للولادة مشبها بتعقيب المعلول لعلته، وهذا معنى قوله جعل كأن الولادة علة للموت أي جعل الموت كأن الولادة علة له، ويكون استعمال اللام في تعقيب الموت للولادة بمنزلة استعمال اسم المشبه به في المشبه، ولما كان هاهنا اعتراض ظاهر، وهو أن ما بعد اللام يكون علة لا معلولا، والعلة تكون متقدمة لا متعقبة فلا معنى لاستعارة التعليل للتعقيب، واستعمال اللام فيه أجاب بأن هذا مبني على أن اللام تدخل على العلة الغائية التي هي الغرض من الفعل الذي يتعلق به اللام، والعلة الغائية، وإن كانت بماهيتها علة لعلية العلة الفاعلية، ومتقدمة عليها في الذهن لكنها معلولة في الخارج للعلة الفاعلية ومتأخرة عنها بحسب الوجود كالجلوس على السرير مثلا يتصور أولا فيصير علة لإقدام النجار على إيجاد السرير لكنه في الخارج يكون متأخرا عنه محتاجا إليه فيكون ما بعد اللام معلولا بحسب الخارج، ومتعقبا في الوجود للفعل المعلل به فيصح استعمالها في تعقيب غير المعلول للعلة بطريق الاستعارة فقوله، وهو أعم من أن يكون تعقيب العلة المعلول إن كان المعلول مرفوعا فظاهر، وإن كان منصوبا فمعناه تعقيب العلة الغائية فعلها المعلل بها يقال عقبته أي جئت على عقبه، ولا يخفى أن ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى تكلف لا حاجة إليه لأن معنى التعليل هو بيان العلية لا بيان المعلولية فاللام إنما تدل على أن مجرورها علة سواء كان معلولا باعتبار كما في ضربته للتأديب أو لا كما في قعدت عن الحرب للجبن، وإذا كان معلولا باعتبار فدخول اللام عليه إنما هو من جهة عليته لا من جهة معلوليته، وكونه علة غائية كاف في اعتبار الترتيب على الفعل من غير اعتبار كونه معلولا لا يقال العلة من حيث هي علة لا رجلان ولا يمكن هذا في رجل وامرأة فأدخلوا واو العطف وقولهم لا تأكل السمك وتشرب اللبن أي لا تجمع بينهما فلهذا لا يجب الترتيب في الوضوء وأما في السعي بين الصفا والمروة فوجب الترتيب بقوله عليه السلام: "ابدأ بما بدأ الله" لا بالقرآن فإن كونهما من الشعائر لا يحتمله وزعم البعض أنه للترتيب عند أبي حنيفة رحمه الله وللمقارنة عندهما استدلالا بوقوع الواحدة عنده والثلاثة عندهما في
لمطلق الجمع بالنقل عن أئمة اللغة واستقراء مواضع استعمالها وهي بين الاسمين المختلفين كالألف بين المتحدين فإنه يمكن جاء رجلان ولا يمكن هذا في رجل وامرأة فأدخلوا واو العطف "وقولهم لا تأكل السمك وتشرب اللبن" أي لا تجمع بينهما "فلهذا لا يجب الترتيب في الوضوء
...................................................................... ..........................
تقتضي الترتيب على شيء، وإنما يقتضيه المعلول فيجب أن يكون مراد القوم أن ترتب المعلول الذي هو عرض استعير لترتب ما ليس بمعلول وغرض فتكون الاستعارة في المعلولية لا في العلية لأنا نقول لا نسلم ذلك في العلة الغائية.
قوله: "وهي في أسماء الأجناس" أراد باسم الجنس ما ليس بصفة فيكون أخص مما هو مصطلح النحاة.
قوله: "وهاهنا نذكر حروفا" قد جرت العادة بالبحث عن معاني بعض الحروف والظروف عقيب بحث الحقيقة والمجاز لاشتداد الحاجة إليها من جهة توقف شطر من مسائل الفقه عليها وكثيرا ما يسمى الجميع حروفا تغليبا أو تشبيها للظروف بالحروف في البناء وعدم الاستقلال، والأول أوجه لما في الثاني من الجمع بين الحقيقة والمجاز، أو إطلاقا للحرف على مطلق الكلمة، والظاهر أن المصنف رحمه الله تعالى أراد بالحروف حقيقتها، ولهذا سماها حروف المعاني ثم ذكر بعد ذلك الأسماء لا على أنها من الحروف، وتسميتها حروف المعاني بناء على أن وضعها لمعان تتميز بها من حروف المباني التي بنيت الكلمة عليها وركبت منها فالهمزة المفتوحة إذا قصد بها الاستفهام أو النداء فهي من حروف المعاني، وإلا فمن حروف المباني.
صفحة ١٨١