شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه

سعد الدين التفتازاني ت. 792 هجري
178

شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه

تصانيف

قوله: "الواو لمطلق الجمع" أي جمع الأمرين وتشريكهما في الثبوت مثل قام زيد وقعد عمرو أو في حكم نحو قام زيد وعمرو أو في ذات نحو قام وقعد زيد، ولا يدل على المعية والمقارنة أي الاجتماع في الزمان كما نقل عن مالك، ونسب إلى أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، ولا على الترتيب أي تأخر ما بعدها عما قبلها في الزمان كما نقل عن الشافعي رحمه الله تعالى، ونسب إلى أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، واستدل على ذلك بوجوه الأول النقل عن أئمة اللغة حتى ذكر أبو علي أنه مجمع عليه، وقد نص عليه سيبويه في مواضع من كتابه الثاني استقراء موارد استعمالها فإنا نجدها مستعملة في مواضع لا يصح فيها الترتيب أو المقارنة، والأصل في الإطلاق الحقيقة، ولا دليل على الترتيب أو المقارنة حتى يكون ذلك معدولا عن الأصل، وذلك مثل تشارك زيد وعمرو، واختصم بكر وخالد، والمال بين زيد وعمرو، وسيان قيامك إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق لغير المدخول بها وهذا باطل بل الخلاف راجع إلى أن عنده كما يتعلق الثاني والثالث بالشرط بواسطة الأول يقع كذلك فإن المعلق بالشرط كالمنجز عند الشرط وفي المنجز تقع واحدة لأنه لا يبقى المحل للثاني والثالث وعندهما يقع جملة لأن الترتيب في التكلم لا في صيرورته طلاقا كما إذا كرر ثلاث مرات مع غير المدخول بها قوله إن دخلت الدار فأنت طالق فعند الشرط يقع

وقعودك، وجاءني زيد وعمرو، وقبله أو بعده الثالث أنهم ذكروا أن الواو بين الاسمين المختلفين بمنزلة الألف بين الاسمين المتحدين فكمال دلالة لمثل جاءني رجلان على مقارنة أو ترتيب إجماعا فكذا جاءني رجل وامرأة إلا أن قولهم الألف بين الاسمين المتحدين تسامحا الرابع أن قولهم لا تأكل السمك وتشرب اللبن معناه النهي عن الجمع بينهما حتى لو شرب اللبن بعد أكل السمك جاز، وتحقيقه أنه نصب تشرب بإضمار أن فيكون في معنى مصدر معطوف على مصدر مأخوذ من مضمون الجملة السابقة أي لا يكن منك أكل السمك، وشرب اللبن فلو كانت الواو للترتيب لما صح في هذا المقام كما لا تصح الفاء وثم لإفادتهما النهي عن الشرب بعد الأكل لا متقدما ولا مقارنا، ولا يخفى أن هذا الاستدلال لا ينفي المقارنة إلا أن المقصود الأهم نفي الترتيب.

صفحة ١٨٢