306

شرح طلعة الشمس على الألفية

تصانيف

المسألة الأولى في جواز نقل الحديث بالمعنى دون لفظه بعينه: وفيها مذاهب كثيرة نقتصر منها على القولين اللذين ذكرهما المصنف وهما جواز ذلك لمن إن عارفا بالألفاظ مطلقا، وعدم جوازه مطلقا، ذهب إلى جواز ذلك مطلقا أكثر الأصوليين ونسب إلى الحسن البصري وإبراهيم النخعي واختاره البدر الشماخي وعليه أصحابنا من أهل عمان وذهب إلى المنع مطلقا محمد بن سيرين وثعلب وبعض المحدثين، والحجة لنا على جواز ذلك مطلقا إن المقصود من رواية أحاديثه عليه الصلاة والسلام تأدية المعنى فقط، وإنه لا تعبد علينا في تلاوة لفظ السنة بخلاف القرآن، ولا خلاف في ذلك بين الأمة وإذا عرفنا ذلك فيجوز لنا حينئذ أن نؤدي المعنى الذي فهمناه من ألفاظ السنة بغير ألفاظها، لكن إنما يجوز ذلك مع الضبط لمعانيها بحيث لا يخشى أن يحصل في العدول عنها زيادة ولا نقصان في المعنى لأن ذلك هو المقصود من إيراد السنة وحفظ ألفاظها ليس بمقصود بخلاف الكتاب العزيز، وأيضا فإن الصحابة نقلوا عنه عليه الصلاة والسلام أحاديث في وقائع متحدة بألفاظ مختلفة شائعة ذائعة ولم ينكره أحد فجرى مجرى الإجماع، وأيضا فقد وقع الإجماع على تفسيره بالعجمية فالعربية أولى، لا يقال إنه وقع الإجماع على جواز تفسير القرآن بالعجمية ولم يكن ذلك مجوزا لتلاوته بالعجمية لأنا نقول إنما جوز في تفسير القرآن تبيين معانيه بذلك لا نقله كذلك والمجوز في الحديث نقله وإن كان باللفظ العجمي إذا علم أنه بغير اللفظ الذي نطق به - صلى الله عليه وسلم -، واحتج المانعون من ذلك بوجوه: الأول قوله - صلى الله عليه وسلم - : "رحم الله -أو نضر الله- امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"، وأجيب بأنه إنما دعا له لأن نقله بلفظه هو

الأولى، وليس فيه دلالة على منع الرواية بغير اللفظ.

الوجه الثاني: قوله تعالى: { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } (الأحزاب: 34)، والآيات هي القرآن العزيز والحكمة هي السنة بلفظها لهذه الآية، ولأن الجميع من عند الله تعالى وأجيب بأنه إن سلم ذلك فالمراد بالذكر التذكر لمدلولات الكتاب والسنة ليعلمن ما عرفنه من معناه وتخشع قلوبهن لتذكره لأن المراد النطق بلفظها، وذلك واضح.

الوجه الثالث: إن الحديث يتضمن العبادات فوجب أداؤه بلفظه كما أن القرآن لما تضمن العبادات وجب أداؤه بلفظه، وأجيب بأنه إنما لزم في القرآن لدليل خاص دل على أن تلاوة لفظه عبادة وإن لم يفهم تاليه المعنى بخلاف السنة فتلاوة لفظها ليس بعبادة ولا ثوب عليه إلى أن يقصد تحفها لئلا ينساها فله ذلك ثواب طلب العلم لا ثوب عابد بالتلاوة.

الوجه الرابع: إن في بعض ألفاظ السنة عبادات وجب علينا نقلها بألفاظها كالآذان والإقامة والتوجيه والتحيات فعلمنا بذلك أن لفظ الحديث معتبر نقله أيضا فلا يصح سلخ المعنى منه، وأجيب بأن ذلك إنما وقع في ألفاظ مخصوصة فلا يحمل غيرها عليها لثبوت الخصوصية لها دون غيرها بالأدلة المنقولة فيها والله أعلم.

صفحة ٢٨