الشرط الرابع: أن يكون عدد الناقل كعدد المنقول عنه أو مقاربا لعدده، قال ابن الحاجب: "يتقاربون في الطرفين والوسط"، وإلى هذا الشرط أشار المصنف بقوله: "عن مثلهم"، أي عن جمع مثلهم كثرة وعددا، لكن قال صاحب المنهاج: "والأقرب عندي أن هذا الشرط غير معتبر بل الشروط المتقدمة كافية، وتحقيق ذلك أنه لو نقل عشرة لا تتهيأ منهم المواطأة على الكذب لحالهم عليها، ولا يقدر اتفاق الكذب منهم بغير مواطأة ونقلوا عن عشرين كذلك، والعشرون نقلوا عن مائة إنهم شاهدوا الهلال أول الشهر كان ذلك تواتر لا محالة يوجب العلم قطعا لحصول الحالة المقتضية لذلك وهو علم السامع الضروري بأن هؤلاء المخبرين لا يتهيأ منهم الكذب لا تواطؤا ولا اتفاقا"، هذا كلامه في إلغاء هذا الشرط وهو حق، فالصواب عدم اشتراطه فتبقى الشروط المعتبرة في صحة التواتر ثلاثة وذكر بعضهم للتواتر شروطا غير التي ذكرناها، منها كونهم عالمين بالمخبر عنه، شرطه بعضهم وهو فاسد؛ لعدم الحاجة إليه؛ لأنه إن أريد وجوب علم الكل به فباطل لأنه لا يمتنع أن يكون بعض المخبرين مقلدا فيه أو ظانا أو مجازفا، وإن أريد وجوب علم البعض به فهو لازم مما ذكرناه من الشروط الثلاثة عادة لأن هذه الثلاثة لا تجتمع إلا والبعض علم قطعا، ومنها اشتراط الإسلام والعدالة كما في الشهادة، شرطه بعضهم أيضا مستدلا بأنه لو لم يشترط لأفاد إخبار اليهود بقتل عيسى - عليه السلام - العلم له وإنه باطل بالضرورة وهو فاسد أيضا لأن أهل قسطنطينة مثلا لو أخبروا بقتل ملكهم يحصل لنا العلم به وإن كانوا كفارا، وأما خبر اليهود بقتل عيسى - عليه السلام - فلاختلال شرط التواتر فيه، إما في القرن الأول أو في القرن الأوسط، أي لقصور الناقلين عن عدد التواتر في إحدى المرتبتين والظاهر أن قصور ذلك إنما وقع في القرن الأول منهم فلذلك لم يكن خبرهم تواترا لا لعدم عدالتهم
وإسلامهم بعد ثبوت عدد التواتر ومنها تباعد أمكنتهم وتباين محلاتهم شرطه بعضهم أيضا مستدلا بأنه أشد تأثيرا في إمكان التواطؤ على الكذب وهو فاسد أيضا؛ لأن أهل بلدة واحدة لو أخبروا عن موت ملكهم يحصل لنا العلم مع اتحاد مكانهم أقول وهذا الوجه الذي ذكر هاهنا وعد شرطا إنما هو حال من أحوال نقلة التواتر الذين لا يمكن توطؤهم على الكذب عادة أي يكون تباعد الأمكنة وتباين المحلات سببا مانعا من تواطئهم وليس هو بشرط لذلك أن الأحوال المانعة من تواطئهم غير منحصرة في ذلك ومنها كونهم لا يحصى عدده شرطه بعضهم واشترطه البزدوي وتبعه على ذلك صاحب التنقيح وأقره عليه التفتازاني مستدلين بأن قوما محصورين مما يمكن تواطؤهم على الكذب وهو فاسد أيضا لأن الحجاج أو أهل جمع مثلا إذا أخبروا عن واقعة منعتهم عن إقامة الحج والصلاة يحصل العلم بخبرهم مع كونهم محصورين وذلك فيما إذا دلت حال تمنع من تواطئهم على الكذب والله أعلم ثم إنه أخذ في بيان حكم الخبر المتواتر فقال:
واقطع بصدق هذه الأمور ... ودون ذاك رتبة المشهور
وهو الذي في أول القرون ... لم يتصف بشرطه المصون
لكنه استفاض فيهم وانتشر ... وقبلوه عند ذاك واستمر
صفحة ١٢