الشرط الثاني: أن يكون عدد الناقلين لا يمكن في العادة أن يتواطأ مثلهم على الكذب لأجل أحوالهم من كثرة وغيرها، لا لمجرد كثرتهم فما من عدد إلى ويمكن منهم التواطؤ، أي التوافق على حال من الأحوال، ألا ترى أن عائشة لما مرت بالحوأب نبحتها كلابها في مخرجها على علي همت بالرجوع لأجل خبر ذكره لها - صلى الله عليه وسلم - فتمالأ عبد الله بن الزبير في أربعين رجلا من خيار العسكر على الشهادة بأن الموضع ليس الحوأب وإنما هو الجوأب بالجيم، وهي أول شهادة زور وقعت في الإسلام، ولا شك أن الأربعين عدد كثير وأن خبرهم تواتري حيث لم يكونوا على حال يجوز في مثلها التواطؤ كما ذكرناه وذلك الحال نحو أن يكونوا من جهات شتى ولم يجتمعوا قبل تأدية الخبر، ومن ذلك أن يكون المخبرون لا غرض لهم فيما أخبروا عنه يدعوهم إلى الإخبار بذلك مع كونهم جماعة لا يتصور في العادة أنه اتفق منهم الكذب من غير تواطؤ، بل اتفق خبرهم اتفاقا لا لغرض حاصل مع كل واحد منهم في تعمد الكذب وإلى هذا الشرط أشار المصنف بقوله: "وتمنع العادة من توطؤ مثلهم على مين زكن"، أي كذب، فإن الجمع إذا أمكن في العادة اتفاقهم على الكذب لا يكون خبرهم تواتريا في الاصطلاح ، وإذا أجمعوا قبل الإخبار أمكن اتفاقهم على حال يتواطؤون عليه ما لم يكن هنالك حال يقتضي منع تواطئهم على شيء وكذلك إذا كان غرضهم في الإخبار متفقا أمكن في العادة أي يحمل ذلك الغرض كل واحد منهم على الإخبار بغير الواقع ولا يكون تواترا في الاصطلاح، قال صاحب المنهاج: "وإذا عرفت أن ذلك هو المقصود بالحال التي لأجلهما نقطع أنهم لم يتواطؤوا على الكذب فيما أخبروا به فلا شك أنه يجوز حصول هذه في العشرة على حد حصولها في المائة بل في الستة والخمسة فحيث يحصل هذا الحال في عدد لا نقطع بقلته كالأربعة وجب حصول العلم بخبرهم وجوبا اعتياديا"، قال: "فهذا تحقيق قول
صفحة ٩