قال صاحب المنهاج: "والأقرب عندي أن الخلاف في هذه المسألة لفظي، وليس بمعنوي، بيان ذلك أن أهل القول الأول لاينكرون أنه قد ارتفع بذلك التحريمان المذكوران، والغزالي لا ينكر أن وجوب الصلاة والثلاث الركعات لم يرتفع بارتفاع وجوب الوضوء والركعة؛ فحينئذ لم يبق الخلاف بينهم إلا في الوصف للمنقوص عنه وجوبه، ولا أجزاؤهن ولا ثبت وجوبه بأمر غير الأمر الأول، وأما زوال تحريم فعله؛ فذلك حكم هو كالأجنبي"، وحجة القائلين بالتفصيل هي عين حجة الغزالي إلا أنهم لم يجعلوا الشرط والركن المنفصلين بمنزلة الشرط والركن المتصلين، فمعهم أن المتصل هو الذي يكون بنسخه الباقي، والجواب عنه هو عين الجواب عن حجة الغزالي.
وقوله: "كذا مزيدا لبعض" إلخ، يعني أن زيادة بعض على الفرض لا يكون نسخا لذلك الفرض الأول، كما أن نسخ بعض الفرض لا يكون نسخا للباقي سواء كان ذلك الزائد ركنا أو شرطا، وسواء كان عبادة مستقلة بنفسها أو غير مستقلة.
اعلم أن العبادات المستقلة إذا زيدت على فرائض لم تكن نسخا لها عند الأكثر، قال ابن الحاجب: "وعن بعضهم زيادة صلاة سادسة نسخ"، قال أبو الحسين: "لم يختلف الناس في أن زيادة عبادة على العبادات لا تكن نسخا، ولا زيادة صلاة على الصلاة"، قال: "وإنما جعل أهل العراق زيادة صلاة على الصلوات الخمس نسخا لقوله - عز وجل - : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } (البقرة: 238)، لأنه جعل ما كان وسطا غير وسط"، وقد اعترض عليهم بأنه يلزمهم ذلك في كل عبادة مستقلة زيدت على عبادات؛ لأنها صيرت الأخيرة غير أخيرة، وذلك مخالف للإجماع، قال صاحب المنهاج: "ولا أدري ما يقول العراقيون في نحو الزيادة على صوم رمضان صوم شوال أو غيره؟ هل يجعلونه نسخا كالصلاة السادسة"، ظاهر ما حكاه أبو الحسين من اتفاق الناس على أن الزيادة المستقلة ليست نسخا لما زيد عليه، وأن العراقيين إنما قالوا في الصلاة السادسة أنه نسخ؛ لأجل النص على أن في الصلوات وسطى، وذلك يبطل أوسطيتها، لولا ذلك لما جعلوه نسخا، وهذا يقتضي أنهم يوافقون في الزيادة على شهر رمضان او نحوه أنها ليست نسخا له، وأما زيادة جزء مشترط؛ فاختلف فيه، فقال القاضي عبد الجبار: " الزيادة في النص نسخ إن لم يجز المزيد عليه إلا بها، كزيادة ركعة في الفجر، و إلا فلا، كزيادة عشرين في حد القاذف، وزيادة التغريب على الحد"، وقال أبو عبد الله البصري وأبو الحسين الكرخي: "بل الزيادة نسخ مطلقا"، أي سواء كان المزيد عليه يجزئ من دونها أم غير مجز، لكنهما يقولان:
صفحة ٢٨٠