172

شرح طلعة الشمس على الألفية

تصانيف

اعلم أن البيان قد يكون أقوى من المبين، وقد يكون مثله في القوة، وقد يكون أدنى منه قوة، فلا يجب إذا كان المبين متواترا أو مشهورا أن يكون البيان مثله، بل يجوز أن يكون بيان المتواتر أحاديا، ومنع بدر العلماء أبو العباس أحمد بن سعيد الشماخي -رحمه الله تعالى- أن يكون البيان مساويا للمبين، أو أدنى منه قوة، وقد سبقه إلى هذا المنع بن الحاجب، ومنعهما من ذلك ليس بجيد، واحتجاج البدر-رحمه الله تعالى- على ذلك بما حاصله إنه إذا كان البيان أضعف لزم إلغاء الأقوى، وإن تساويا فليس أحدهما أولى بالبطلان من الآخر؛ لأن إبطاله من غير دليل تحكم فممنوع، أما أولا فإن هذا الإلزام إنما يتوجه على تخصيص العموم، وتقييد المطلق، والعدول عن الظاهر إلى المعنى الباطن، كلامنا إنما هو في بيان المجمل، وبيان المجمل إنما يكتفي فيه بأدنى إشارة، وأوهى قرينة، وأما ثانيا: فقد وردت الأدلة في تخصيص العموم بخبر الآحاد، والقياس، ونحوهما، ولا شك أن عموم الكتاب أقوى منها متنا وإن تساويا في الدلالة، ثم إنه بعد ما جرى القلم بما ها هنا رأيت في كلام البدر في شرح مختصره ما يدل صريحا على المراد بالبيان الذي اشترط فيه أن يكون أقوى من المبين، إنما هو في تخصيص العموم، وتقييد المطلق، والعدول عن الظاهر خاصة حيث قال هذا في الظاهر، وأما المجمل فيكفي في بيانه أدنى دلالة ولو مرجحا؛ لعدم التعارض وهو أهون حال مما يقتضيه إطلاقه الأول، ويبقى الاعتراض الثاني متوجها عليه بتمامه مع أنه صح العموم بخصوص خبر الآحاد، وإن خبر الواحد مقدم على الظاهر وأنت خبير أن العموم، والظاهر، قد يكونان متواترين فهما أقوى من خبر الواحد متنا، وإن تساويا معه دلالة، على أن البدر يمنع البيان في ذلك بالمساوي.

وأما بن الحاجب فلم ينقل عنه هذا التفصيل الذي ذكره البدر بل الذي نقل عنه قاض بعدم هذا التفصيل الصريح، وصريح في اشتراط ذلك في بيان المجمل وهذا نص المنقول عنه، وقال بن الحاجب: بل يجب أن يكون البيان أقوى في الشهرة من المجمل، حيث يتفاوتان، فأما حيث يتساويان في المتواتر؛ فلا سبيل إلى كونه أقوى.

صفحة ١٩١