149

شرح نهج البلاغة

محقق

محمد عبد الكريم النمري

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٨ هجري

مكان النشر

بيروت

ونحو هذا الكلام ما روي عن عمر ، أنه لما صدر عن منى في السنة التي قتل فيها ، كوم كومة من البطحاء فقام عليها ، فخطب الناس ، فقال : أيها الناس ، قد سنت لكم السنن ، وفرضت لكم الفرائض ، وتركتم على الواضحة ، إلا أن تميلوا بالناس يمينا وشمالا ، ثم قرأ : ' ألم نجعل عينين ، ولسانا وشفتين ، وهديناه النجدين ' ، ثم قال : ألا إنهما نجدا الخير والشر ، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير .

وقوله : إن الله داوى هذه الأمة بدواءين ، كلام شريف ، وعلى منواله نسج الحجاج وزياد كلامهما المذكور فيه السوط والسيف ، فمن ذلك قول الحجاج : من أعياه داؤه فعلي دواؤه ، ومن استبطأ أجله فعلي أن أعجله ، ومن استثقل رأسه وضعت عنه ثقله ، ومن استطال ماضي عمره قصرت عليه باقيه . إن للشيطان طيفا ، وإن للسلطان سيفا ، فمن سقمت سريرته ، صحت عقوبته ، ومن وضعه ذنبه ، رفعه صلبه ، ومن لم تسعه العافية لم تضق عنه الهلكة ، ومن سبقته بادرة فمه ، سبق بدنه سفك دمه . إني لأنذر ثم لا أنظر ، وأحذر ثم لا أعذر ، وأتوعد ثم لا أغفر ، إنما أفسدكم ترقيق ولاتكم . ومن استرخي لببه ؛ ساء أدبه . إن الحزم والعزم سلباني سوطي ، وجعلا سوطي سيفي ، فقائمه بيدي ، ونجاده في عنقي ، وذبابه قلادة لمن عصاني . والله لا آمر أحدا أن يخرج من باب من أبواب المسجد فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه .

ومن ذلك قول زياد : إنما هو زجر بالقول ، ثم ضرب بالسوط ، ثم الثالثة التي لا شوى لها . فلا يكونن لسان أحدكم شفرة تجري على أوداجه ، وليعلم إذا خلا بنفسه أني قد حملت سيفي بيده ؛ فإن شهره لم أغمده ، وإن أغمده لم أشهره .

وقوله عليه السلام : كالغراب ، يعني الحرص والجشع ، والغراب يقع على التمرة ، ويقع على الحبة ؛ وفي المثال : أجشع من غراب ، وأحرص من غراب .

وقوله : ويحه لو قص ، يريد كان قتل أو مات قبل أن يتلبس بالخلافة لكان خيرا له من أن يعيش ويدخل فيها ، ثم قال لهم : أفكروا فيما قد قلت ، فإن كان منكرا فأنكروه ، وإن كان حقا فأعينوا عليه .

وقوله : استتروا في بيوتكم ، نهي لهم عن العصبية والاجتماع والتحزب ، فقد كان قوم بعد قتل عثمان تكلموا في قتله من شيعة بني أمية بالمدينة .

صفحة ١٦٩