شرح نهج البلاغة
محقق
محمد عبد الكريم النمري
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٨ هجري
مكان النشر
بيروت
إذا حاص عينيه كرى النوم
وفي بعض الروايات : من أبدى صفحته للحق هلك عند جهلة الناس ، والتأويل مختلف ، فمراده على الرواية الأولى - وهي الصحيحة - من كاشف الحق مخاصما له هلك ، وهي كلمة جارية مجرى المثل . ومراده على الرواية : الثانية : من أبدى صفحته لنصرة الحق غلبه أهل الجهل لأنهم العامة وفيهم الكثرة ، فهلك .
وهذه الخطبة من جلائل خطبه عليه السلام ومن مشهوراتها ، قد رواها الناس كلهم ، وفيها زيادات حذفها الرضي ، إما اختصارا أو خوفا من إيحاش السامعين ، وقد ذكرها شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب البيان والتبين على وجهها ، ورواها عن أبي عبيدة معمر بن المثنى .
قال : خطبة خطبها أمير المؤمنين علي عليه السلام بالمدينة في خلافته حمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : ألا لا يرعين مرع إلا على نفسه . شغل من الجنة والنار أمامه . ساع مجتهد ينجو ، وطالب يرجو ، ومقصر في النار ، ثلاثة واثنان : ملك طار بجناحيه ، ونبي أخذ الله بيده ؛ لا سادس . هلك من ادعى ، وردي من اقتحم . اليمين والشمال مضلة ، والوسطى الجادة ، منهج عليه باقي الكتاب والسنة وآثار النبوة . إن الله داوى هذه الأمة بدواءين : السوط والسيف ؛ لا هوادة عند الإمام فيهما . استتروا في بيوتكم ، وأصلحوا ذات بينكم ، والتوبة من ورائكم . من أبدى صفحته للحق هلك . قد كانت لكم أمور ملتم فيها علي ميلة لم تكونوا عندي فيها محمودين ولا مصيبين . أما إني لو أشاء لقلت ، عفا الله عما سلف . سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه . ويحه لو قص جناحاه ، وقطع رأسه لكان خيرا له ! انظروا فإن أنكرتم فأنكروا ، وإن عرفتم فآزروا . حق وباطل ، ولكل أهل .
ولئن أمر الباطل لقديما فعل ، ولئن قل الحق لربما ولعل ، وقلما أدبر شيء فأقبل . ولئن رجعت إليكم أموركم إنكم لسعداء ، وإني لأخشى أن تكونوا في فترة ، وما علينا إلا الاجتهاد .
صفحة ١٦٧