<span class="matn">بالوفاء بالعقود وأمرهم في كتابه وعلى لسان نبيه - عليه الصلاة والسلام - بحفظ المواثيق والعهود ومدح نفسه وكثيرا من خواصه بالوفاء بالوعد ووصف بضد ذلك إبليس ومن وافقه من ذوي البعد والطرد واستخلص العلماء بعنايته وجميل لطفه من غياهب الجهالات وجعلهم أمناء على خلقه يقومون بحفظ شريعته حتى يؤدوا الخلق تلك الأمانات فهم مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء يستغفر لهم كل شيء
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
قوله بالوفاء بالعقود) جمع عقد، وهو العهد الموثق شبه بعقد الحبل وتلك العقود ما عقدها على عباده أي ألزمها إياهم فعلا أو تركا فظهر أن العقود مصدر أريد به اسم المفعول وقوله وأمرهم في كتابه إشارة إلى ما أمر به في كتابه العزيز وقوله على لسان نبيه إشارة إلى ما أمر به في سنة نبيه قال عز وجل {إن هو إلا وحي يوحى} [النجم: 4] (قوله المواثيق) جمع موثق كمجلس كما في القاموس والميثاق العهد ذكره فيه أيضا فعليه يكون قوله العهود تفسيرا له وقال النسفي في تفسيره والميثاق العهد المحكم فعليه يكون من عطف العام على الخاص، أي أمرهم بحفظ ما عهده إليهم أي بما أمرهم به أي القيام به فظهر أيضا أنه من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول فتدبر.
(تنبيه) : جملة قوله وأمرهم إلخ مساوية معنى لقوله وألزم عباده إلخ (قوله ومدح نفسه) قال تعالى {إن الله لا يخلف الميعاد} [آل عمران: 9] أي الوعد (قوله وكثيرا من خواصه) قد قال في حق إسماعيل {إنه كان صادق الوعد} [مريم: 54] (قوله بالوعد ) كذا في نسخة الشارح (قوله بضد ذلك) أي بالمنافي لذلك، وهو عدم الوفاء فالمشار إليه الوفاء بالوعد.
(قوله إبليس) من أبلس أيس وفي القرآن {فإذا هم مبلسون} [الأنعام: 44] وإبليس أعجمي ولهذا لا ينصرف للعجمة والعلمية وقيل عربي مشتق من الإبلاس، وهو اليأس ورد بأنه لو كان عربيا لانصرف قال عز وجل في حق إبليس {ففسق عن أمر ربه} [الكهف: 50] فإن الفسوق عن أمر الرب عدم الوفاء بالعهد (قوله ومن وافقه) فقال تعالى {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} [البقرة: 27] إلخ (قوله من ذوي إلخ) من بيانية أي من أصحاب البعد عن رحمة الله وأتى بذوي دون أصحاب تهكما وقوله والطرد لا يخفى أن الطرد هو الإبعاد، وهو وصف المولى لا وصف إبليس إلخ ويجاب بأنه مصدر المبني للمفعول فيكون وصفا لإبليس ومن وافقه فيكون من عطف المرادف غير أنك خبير بأن المقابلة إنما تتم لو كان المراد من العهد الوعد إلا أن يقال إن العهد متضمن للوعد.
(قوله واستخلص العلماء) أل للعهد أي العلماء المعهودين الذين هم حملة الشريعة المطهرة والسين والتاء زائدتان للتأكيد أي وخلص العلماء خلوصا تاما (قوله بعنايته) أي اهتمامه أي رحمته أي تخليصا مصورا برحمته أي إنعامه وإرادته (قوله وجميل لطفه) أي لطفه الجميل أي رفق الله بهم فهو صفة فعل (قوله من غياهب) متعلق باستخلص، وهو جمع غيهب، وهو الظلمة الشديدة كما ذكره بعض الحواشي للعقائد وإضافته لما بعده من إضافة المشبه به للمشبه بجامع التحير في كل ويجوز أن تكون الإضافة حقيقية أي بالغياهب من الجهالات فيكون استعار الغياهب لما عظم من الجهالات وهذا إشارة لمدح العلم وقد ورد «ليس منا من لم يتعاظم بالعلم» أي يعتقد أن الله عظمه لا أنه يظهر الفخر والكبر على العباد فإنه حرام.
(قوله الجهالات) جمع جهالة أي الجهل وأراد به ما يشمل البسيط والمركب (قوله وجعلهم) أي العلماء (قوله أمناء على خلقه) أي المكلفين وغيرهم؛ لأن الصبيان مكلفون بالمندوبات على الأصح (قوله بحفظ شريعته) أي أحكامه وحفظها العمل بها وتبليغها وقوله حتى إلخ غاية لقوله يقومون بحفظ شريعته فإذا أدوها سقط عنهم القيام بها تبليغا (قوله الخلق) أظهر في محل الإضمار نكتته شدة الاعتناء بتلك التأدية حيث لم يوقعها على ضميرهم بل عليهم (قوله تلك الأمانات) أظهر في محل الإضمار أيضا إذ هي الشريعة المأمور بالقيام بحفظها ونكتته كمال العناية بها وأتى باسم الإشارة البعيد تنويها بعظم شأنها تنزيلا لبعد درجتها ورفعتها منزلة بعد المسافة ولم يقل حتى يؤدوا الخلق تلك الشريعة إما لقصد التفنن أو لأنه لما فاته التصريح بأنها أمانة، وهو مقصود صرح به هنا ولم يقل تلك الأمانة كالآية إشارة إلى حث العلماء على الحفظ لكونها في الحقيقة أمانات فكل حكم أمانة.
ثم لا يخفى أن قوله أمناء على خلقه يفيد أن الخلق هم نفس الأمانة وقوله يقومون بحفظ شريعته إلخ يفيد أن الأمانة نفس الشريعة لا الخلق ففي العبارة تناف ويمكن الجواب بجعل كل من الشريعة والخلق أمانة أما الشريعة فظاهرة، وأما الخلق فمن حيث كون العلماء مأمورين بتعليمهم؛ لأن الأمر بتعليمهم أمر بحفظهم مما يرديهم في العذاب الأليم فهم أمانة بذلك الاعتبار فأشار أولا إلى إحدى الأمانتين وهم الخلق وأشار ثانيا إلى الأمانة الثانية وهي الشريعة (قوله فهم إلخ) تفريع على ما تقدم من قوله وجعلهم أمناء إلخ.
(قوله مصابيح) جمع مصباح، وهو السراج أي فهم كالمصابيح في الأرض بجامع الاهتداء فهو تشبيه بليغ بحذف الأداة ويجوز أن تكون استعارة تصريحية للهداة وكأنه قال فهم الهداة في الأرض ولم يقل فهم كالشمع مع أنه أقوى؛ لأنه ليس موجودا عند كل أحد فالمصباح نوره عام للفقير والغني وكذا العلماء ولم يقل كالشمس أو القمر مع عموم نورهما؛ لأن نور العلماء يتيسر الاقتباس منه بسهولة وكل وقت كالسراج بخلاف نور الشمس والقمر (قوله وخلفاء الأنبياء) المراد الرسل أو أنه مر على الترادف، ثم أل للاستغراق بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ، وهو مذهب مالك أو للجنس على مذهب الشافعي؛ لأن مذهبه شرع من قبلنا ليس شرعا لنا، وإن ورد في شرعنا ما يقرره وهذا الخلاف إنما هو باعتبار الأحكام الفرعية لا الأصلية فالأمم متفقة فيها وهذا كله بناء على أن المراد بالعلماء علماء هذه الأمة أما لو أريد ما هو أعم فلا إشكال (قوله يستغفر لهم) أي يطلب المغفرة لهم أي إن الله يغفر لهم ذنوبهم ولو مما كان حسنة للأبرار كما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين (قوله كل شيء) .
صفحة ٥