محمد بن عبد الله الخرشي
1-
الاسم: (الخرشي) , محمد بن عبد الله الخرشي, وكنيته: أبو عبد الله, ولقب بالخرشي (أو بالخراشي) , نسبة إلى قرية يقال لها: أبو خراش (من البحيرة بمصر) .
2-
مذهبه: مالكي.
3-
مولده: 1010 ه.
4-
وفاته: 1101 ه في القاهرة.
5-
منزلته العلمية: فقيه مجتهد, انتهت إليه الرئاسة في مصر, وأول من تولى مشيخة الأزهر.
6-
أبرز شيوخه: والده عبد الله, البرهان اللقاني, والنور الأجهوري, وغيرهم.
7-
أبرز تلاميذه: أخوه داود, علي بن خليفة المساكيني, أحمد الفيومي, عبد السلام بن صالح (حفيد الشيخ عبد السلام الأسمر) , ومحمد عبد الباقي الزرقاني, وغيرهم.
8-
أهم مصنفاته: الشرح الكبير على متن خليل (المعروف بشرح الخرشي) , منتهى الرغبة في حل ألفاظ النخبة لابن حجر, وله أيضا الشرح الصغير على متن خليل أيضا, والفوائد السنية في شرح المقدمة السنوسية.
(الأعلام للزركلي - شجرة النور الزكية في تراجم المالكية, دار الفكر) .
صفحة غير معروفة
علي الصعيدي العدوي
1-
الاسم: (العدوي) , علي بن أحمد بن مكرم الصعيدي العدوي, كنيته: أبو الحسن, ويلقب بالعدوي نسبة إلى بني عدي (بالقرب من منفلوط) ؛ حيث ولد.
2-
مذهبه: مالكي.
3-
مولده: 1112ه.
4-
وفاته: 1189ه في القاهرة.
5-
مكانته العلمية: فقيه محقق مجتهد, اشتغل بالحديث وعلومه.
6-
أبرز شيوخه: عبد الوهاب الملوي, سالم النفراوي, إبراهيم الفيومي, محمد الحفناوي, ومحمد ابن زكريا, وغيرهم.
7-
أبرز تلاميذه: الدردير, البناني, الدسوقي, ويوسف بن سعد الصفتي, وغيرهم.
8-
أهم مصنفاته: أغلب مصنفاته حواش على متون, مثل: حاشية على كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني, حاشية على شرح العزية للزرقاني, وله حاشية على شرح شيخ الإسلام على ألفية المصطلح للعراقي, وله رسالة فيما تفعله فرقة المطاوعة من المتصوفة من البدع كالطبل والرقص.
(الأعلام للزركلي - شجرة النور الزكية في تراجم المالكية, دار الفكر) .
صفحة غير معروفة
<span class="matn">
[مقدمة]
بسم الله الرحمن الرحيم
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
{بسم الله الرحمن الرحيم} الحمد لله الكريم الوهاب الملهم للصواب والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأحباب وعلى آله والأصحاب.
{وبعد} فيقول الفقير إلى الله تعالى علي بن أحمد الصعيدي العدوي المالكي لما - من الله المولى الكريم بمطالعة الشرح الصغير للعلامة الإمام والقدوة الهمام شيخ المالكية شرقا وغربا قدوة السالكين عجما - وعربا مربي المريدين كهف السالكين سيدي أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن علي - الخرشي الشهير نسبه ونسب عصبته بأولاد صباح الخير انتهت إليه الرياسة في مصر حتى أنه لم يبق في مصر أواخر عمره إلا طلبته وطلبة طلبته كان إماما في العلوم والمعارف متواضعا عفيفا لا يكاد جليسه يمل من مجالسته انتهت إليه الرياسة في العلم ووقف الناس عند فتاويه وكان متقشفا في مأكله وملبسه ومفرشه وكان لا يصلي الصبح صيفا وشتاء إلا بالجامع الأزهر وكان خلقه واسعا إذا تجادل عنده الطلبة يشتغل هو بالذكر حتى يفرغ جدالهم وكان يقضي بعض مصالحه بيده من السوق ويحملها ويتعاطى مصالح بيته في منزله أيضا وكان كثير الأدب والحياء كريم النفس جميل المعاشرة حلو الكلام وكان كثير الشفاعات عند الأمراء وغيرهم وكانوا يهابونه ويجلونه ويقبلون شفاعته وكان مهيب المنظر عليه خفر العلماء العاملين والأولياء والصالحين وكان دائم الطهارة كثير الصمت زاهدا ورعا - كثير الصيام طويل القيام وكان له تهجد عظيم في الليل
وكان نهاره كله في طاعة إما في علم أو قراءة قرآن أو ورد يقول - من عاشره: ما ضبطنا عليه قط - ساعة هو فيها غافل عن مصالح دنياه أو آخرته وكان يتعمم بشملة بيضاء صوف إذا دخل منزله وله سبحة ألف حبة وكانت ثيابه قصيرة على السنة المحمدية وكان كثير الذكر لله تعالى لا يكاد يغفل عن قول لا إله إلا الله في حال درسه وفي حال عمله وكان لا يسمع منه قط - مذاكرة أحد بسوء وكان النور يخفق على وجهه يدركه كل المؤمنين وكانت الأمراء والأكابر يعتقدونه اعتقادا تاما وكان إذا ركب حمارته ومر في السوق يقتتل الناس عليه لأجل التبرك به وتقبيل يده ومن لا يصل إلى يده يتمسح بدابته أو بظهر الشيخ ويمسح بها وجهه وكان قد اشتهر في أقطار الأرض كالغرب وبلاد التكرور والشام والحجاز والروم واليمن وصاروا يضربون به المثل وأذعن له علماء مصر الخاص منهم والعام وكان دائم الطهارة لا يحدث إلا ويتوضأ هكذا قال أصحابه وكان لا يذكر أحدا بغيبة - ولا يحسد أحدا من أقرانه على ما آتاه الله من علم أو جاه أو إقبال من الناس بل يقول لولا أنه يستحق ما أعطاه الله تعالى وما كان قط - يزاحم على شيء من الدنيا ولا يتردد إلى أحد من الولاة إلا لضرورة شرعية من شفاعة لمظلوم ونحو ذلك
وكان إذا حضر إليه جماعة ممن يحسدونه يجلهم ويكرمهم في غيبتهم وحضورهم ولا يؤاخذ أحدا منهم على ما وقع منه في حقه بل هو كثير احتمال الأذى بطيبة نفس وكان يعير من كتبه ومن خزانته الوقف الكتب الغريبة العزيزة للطالب بحيث لا يفتش بعد ذلك عنها كائنا ما كان من جميع الفنون فضاع له بذلك جملة من الكتب وكان يعطي من الكتاب بالكبشة من غير عدد أوراق وكان يأتيه الطالب ببراءة فيها اسم كتاب يطلبه فيخرجه من الخزانة فيعطي له منه من غير معرفة اسمه واسم أبيه أو بلده فيقيد بعدما يتوجه من عنده أخذ من الكتاب الفلاني الرجل الطويل أو القصير أو لحيته كبيرة أو صغيرة أو أبيض أو أسود أو نحو ذلك وكان منه في ذلك العجب العجاب إيثارا لوجهه تعالى
وكان لا يأنف في درسه وخارجه من مبتدئ ولا بليد - أفنى فيه عمره مع تثبته لحوائج العامة والأرملة، وكان إذا أتى إليه طفل يشكو إليه توجه معه إلى مطلوبه فيقضي حاجته لازم القراءة سيما بعد شيخه البرهان القاني وأبي الضياء علي الأجهوري كان يقرأ من صلاة الإمام الحنفي في مجلسه بمدرسة الابتغاوية إلى الضحى الكبيرة قراءة تحقيق وتدقيق، ثم يقوم يصلي الضحى ويتوجه إلى بيته وربما مشى بعد لشفاعة في أمر الناس أو يصلح بين الناس، ثم يرجع إلى المسجد يصلي الظهر بمجلسه بالابتغاوية، ثم يأتي إلى الدرس بجوار المنبر بالمقصورة فيقرأ درسه من مختصر خليل، ثم يتوجه إلى مجلسه المذكور أو إلى بيته وكان يقسم متن خليل نصفين يقرؤه في مجلسه بالابتغاوية ونصف يقرؤه بعد الظهر عند المنبر وكان يمازح الطلبة في درسه ويقول لهم أنتم جهلاء ولا يعقلها إلا العالمون، ويقول لهم إنما أقول لكم ذلك لأجل أن تبذلوا هممكم لطلب العلم ومطالعته، وكان في درسه إذا قرأ شرحه الصغير بحضرة الطلبة يقول لهم هذا شرح نفيس ما أحسنه،، لازمته ما ينوف عن عشرين سنة في درسه بالمقصورة وخارج الدرس فما أظن أن كاتب الشمال كتب عليه شيئا، وإن وقع أنه عرض لأحد على وجه التنفير فذلك من باب النصح للأمة لا لحظ نفسه وقد كان الإمام البخاري يجرح الرواة كثيرا
ويقول أرجو من فضل الله أن لا يطالبني يوم القيامة بغيبة - في أحد انتهى.
وذلك أنه قصد بالتجريح نصرة الدين لا التشفي بذلك للنفس كما ذكره العارف بالله سيدي عبد الوهاب الشعراني، وكان عالما
صفحة ٢
<span class="matn">يقول العبد الفقير: محمد الخرشي المالكي الحمد لله المحيط بخفيات الغيوب المطلع على سرائر القلوب المختص
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
بالنحو والتصريف فرضيا حسابيا محققا لها، له الإمامة المطلقة في ذلك جامعا لسائر الفنون وبالجملة فهو آخر الأئمة المتصرفين التصرف التام بمصر المحروسة وآخر أئمة المالكية وكان له في منزله خلوة يتعبد فيها وكان يقرأ بعد الظهر عقب درس المختصر إذا اتسع الوقت درسا في النحو أو التوحيد أو الفرائض أو الحساب وكان يأتيه الهدايا والنذور من أقصى المغرب وبلاد التكرور وجميع البلاد فلم يمسك منها شيئا بل كان أقاربه ومعارفه يتصرفون فيها ولو لم يكن من الكرامات إلا إقبال الناس عليه من سائر الأقطار وعلى كتابة مؤلفاته ومطالعتها لكان في ذلك كفاية.
أخذ العلوم عن عدة من العلماء الأعلام منهم العلامة خاتمة الفقهاء أبو الإرشاد علي الأجهوري والعلامة خاتمة المحدثين الشيخ إبراهيم اللقاني والفقيه الشيخ يوسف الفيشي والمحقق الشيخ عبد المعطي البصير والعلامة الشيخ حسن النماوي والشيخ العلامة المحقق ياسين الشامي ووالده الشيخ عبد الله الخرشي تخرج به جماعة حتى وصل ملازموه المجدون عليه نحو مائة منهم العارف بالله تعالى الشيخ أحمد اللقاني والشيخ الفاضل سيدي محمد الزرقاني والشيخ الفقيه علي اللقاني والشيخ العمدة شمس الدين اللقاني وأخوه الشيخ داود اللقاني والشيخ الفقيه محمد النفراوي وأخوه الشيخ أحمد والشيخ أحمد الشبراخيتي والشيخ أحمد الفيومي والشيخ إبراهيم الفيومي والشيخ أحمد الشرفي والشيخ عبد الباقي القليني والشيخ عيد والشيخ العلامة علي المجدولي. وغالب علماء العصر من المذاهب الأربع في حال قراءته بعد ختم المختصر في شرح البخاري للعلامة القسطلاني مات في صبيحة يوم الأحد سابع عشري شهر ذي الحجة ختام سنة واحد ومائة وألف ودفن مع والده بقرب مدفن الشيخ العارف بالله تعالى محمد البنوفري بوسط تربة المجاورين وقبره مشهور وما رأيت في عمري كله أكثر خلقا من جنازته إلا جنازة الشيخ السلطان المزاحي والشيخ محمد البابلي هذا ما انتهى جمعه من المناقب في أواخر شهر صفر الخير سنة مائة واثنين وألف من الهجرة النبوية جمعه الشيخ محمد الجمالي المغربي - رحمه الله تعالى - وظهر ببركته كلمات تتعلق بفهم ذلك الشرح أحببت أن أجمعها لنفسي ولمن هو قاصر مثلي معتمدا على فضل مولانا الكريم لقصر باعي وقلة اطلاعي فيا ذا الجود والإنعام والفضل والإكرام جد علينا برحماتك ومن علينا بإسعافاتك؛ لأن هذه صفاتك فأقول، وهو حسبي ونعم الوكيل.
اعلم أني حيث قلت قال ك فهو إشارة إلى ما قاله في شرحه الكبير وحيث قلت عج فهو إشارة لشيخ الشيوخ علي الأجهوري وحيث قلت محشي تت فهو إشارة للشيخ مصطفى المغربي الجزائري (قوله يقول محمد الخرشي) كذا بخطه بخاء وراء وشين بدون ألف فتكون نسبة على غير قياس؛ لأن بلده يقال لها أبو خراش من البحيرة قرية من أعمال مصر وعرف نفسه؛ لأنه من الأمور المهمة لما في ذلك من الإقبال على التأليف والانتفاع به وفي عدمه جهالة توجب خلاف ذلك وما وقع من بعض المؤلفين من عدم التعريف فإما للاتكال على بعض تلامذتهم أو لاشتهار نسبة التأليف لهم.
فإن قلت إنه يشاركه في ذلك الاسم كثير من أهل تلك القرية قلت نعم إلا أن المشهور بذلك إنما هو الشيخ - رحمه الله - (قوله الحمد لله) يجوز أن يكون مقول القول الحمد لله إلى آخر الشرح ولا يضر كون بعضه مقولا لغيره؛ لأنه قائله أيضا أي حاكيه ويجوز أن يكون مقوله الحمد لله إلى آخر الخطبة والخطب سهل (قوله المحيط) يتعين أن تكون أل تعريفية لا موصولة إذ الخلاف كما في المطول في أل الداخلة على اسم الفاعل والمفعول هل هي موصولة أو حرف تعريف إنما هو إذا أريد به التجدد والحدوث؛ لأنهم يقولون إنه فعل في صورة الاسم ولذا يعمل، وإن كان بمعنى الماضي، وأما ما ليس في معنى الحدوث من نحو المؤمن والكافر فهو كالصفة المشبهة واللام فيها حرف تعريف اتفاقا ولا يخفى أنه ليس المراد هنا الحدوث.
وذلك؛ لأن المراد بالإحاطة تعلق علمه بالغيوب الخفية، وهو تنجيزي قديم فليس بحادث فإذا علمت ذلك فنقول شبه تعلق علمه بذلك بالإحاطة بالشيء التي هي الاستدارة به بجامع أن متعلق كل صار تحت القبضة واستعير اسم المشبه به للمشبه واشتق من الإحاطة محيط بمعنى متعلق علمه فهو استعارة تبعية وظهر من ذلك أن الصفة جرت على غير من هي له وقرب ذلك أن صفة المولى لا يقال لها غير كما لا يقال لها عين وهذا ما يفيده ظاهر قوله تعالى {أحاط بكل شيء علما} [الطلاق: 12] وقيل إن الإحاطة والعلم مترادفان فعليه يكون معنى قوله المحيط أي العالم فالصفة جرت على من هي له.
(قوله بخفيات الغيوب) من إضافة ما كان صفة أي بالغيوب الخفيات أي المستترات عنا معشر الإنس أو معشر الثقلين أو معشر المخلوقات جمع خفية أو خفي أي ذات خفية أو شيء خفي والمراد ذات الشيء أي نفسه كان ذاتا أو وصفا والغيوب جمع غيب بمعنى ما غاب فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل أي استتر فتكون الخفيات وصفا مؤكدا ويجوز أن يراد بقوله الخفيات ما اشتد خفاؤه فيكون وصفا مخصصا (قوله المطلع) أي المشرف هذا معناه الأصلي ولكن المراد لازمه؛ لأن الإشراف على الشيء يستلزم العلم به فهو مجاز مرسل من استعمال اسم الملزوم في اللازم أي العالم بما في القلوب من السرائر فهو وصف جار على من هو له خلاف الأول كما تبين.
(قوله على سرائر) جمع سريرة أو سر ما كتمه الإنسان من أمر ما وإضافته إلى ما بعده على معنى في أو اللام الاختصاصية (قوله القلوب) جمع قلب، وهو لغة مشترك بين كوكب معروف والخالص واللب ومنه قلب النخلة ومصدر قلبت الشيء رددته على بدئه أو قلبته على وجهه وقلبت الرجل عن الشيء صرفته عنه ويطلق على المضغة لسرعة الخواطر إليها وترددها فيها كما قيل
وما سمي الإنسان إلا لنسيه ... ولا القلب إلا أنه يتقلب
صفحة ٣
<span class="matn">بإرادته كل محبوب وموهوب المتعالي بجلال صمديته عن مشابهة كل مربوب بارئ النسم وخالق الأمم ومجري القلم في القدم بما هو أعلم بقدرته على وفق مشيئته أعطى ومنع وخفض ورفع وضر ونفع فلا مشارك له في إنعامه وألوهيته ولا معاند له في أحكامه وربوبيته ولا منازع له في إبراماته وأقضيته وألزم عباده المؤمنين
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
وهو من ذكر الخاص بعد العام تنبيها على شدة الحفظ من معاصي القلوب شاهده «إن في الجسد مضغة» إلخ (قوله بإرادته) الباء داخلة على المقصور عليه أي كل محبوب وموهوب منه أي وغيرهما؛ لأن إرادته متعلقة بكل ممكن مختص بإرادته لا يخرج عنها إلى إرادة العبد لا المقصور وإلا جاء مذهب الاعتزال من أنه تعالى لا يريد غير الخيور من الشرائر والقبائح.
وأشار الشارح - رضي الله عنه - ونفعنا به إلى أن ما أصابك من حسنة فالمطلوب منك أن تلاحظ أن هذا إنما هو فضل الله تعالى ولا تنسبه إلى نفسك بخلاف السيئة فلا تضفها للمولى بل أضفها لنفسك، وإن كانت في الحقيقة من الله قال تعالى {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [النساء: 79] ويجوز أن يراد بإرادته رحمته فيكون إشارة لقوله عز وجل يختص برحمته من يشاء أي المختص برحمته أي إنعامه المصحوب بسلامة العاقبة كل شخص محبوب وموهوب له فهو من باب الحذف والإيصال أي على اللغة الفصحى، وأما على غيرها من قولك وهبت زيدا ثوبا فلا حذف في موهوب وعلى هذا الاحتمال فتكون داخلة على المقصور (قوله المتعالي) أي المتنزه (قوله بجلال) أي بسبب عظمة صمديته ثم يجوز أن تكون الإضافة حقيقية وأن تكون من إضافة ما كان صفة وقوله صمديته أي رفعته أو كونه يقصد في الحوائج وقوله " عن مشابهة " متعلق بقوله المتعالي كانت المشابهة في الذات أو الصفة أو الأفعال وقوله كل مربوب يجوز أن يكون فاعلا لقوله مشابهة والمفعول محذوف أي المتنزه عن مشابهة كل مربوب له وأن يكون مفعولا أي المتنزه عن كونه يشابه كل مربوب والأول أولى لموافقة قوله تعالى {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] ومعنى مربوب مملوك كما في القاموس أي مخلوق (قوله بارئ النسم) معناه المنشئ من العدم قاله في الجلالين والنسم جمع نسمة وهي الإنسان كما في القاموس وفي المصباح النسيم نفس الريح والنسمة مثله ثم سميت بها النفس بالسكون والجمع نسم مثل قصبة وقصب والله البارئ أي خالق النفوس انتهى وعليه فالنسم لا يختص بالإنسان بل شامل لجميع الحيوان
(قوله وخالق الأمم) بين خالق وبارئ الترادف وتفنن في التعبير دفعا للثقل الحاصل من تكرار اللفظ بعينه أن لو عبر ببارئ فيهما أو بخالق والأمم جمع أمة تطلق على كل نوع من الحيوان وعلى أهل كل عصر وكل يصح ولها اطلاقات أخر إلا أن المناسب للمقام ما قلنا (قوله ومجري القلم) أي مصير القلم جاريا في اللوح من غير ممسك وقد انقطع إن قلنا بأن ما في اللوح لا يقبل التغيير، وإن قلنا إنه يقبل التغيير والتبديل، وهو المعتمد فلم ينقطع وقوله في القدم ليس المراد به عدم الأولية وإلا لزم أن الجريان قديم وليس كذلك بل هو حادث بل المراد بالقدم ما تقدم فيما لا يزال بغاية البعد.
(قوله بما هو أعلم) أي بما هو عالم به أزلا فأفعل ليس على بابه، وهو متعلق بمجري وقوله بقدرته متعلق بمجري كالأولى إلا أنها للسببية فهي بمنزلة القلم للكاتب ولله المثل الأعلى والأولى للملابسة فلا يلزم تعلق حرفي جر متحدي اللفظ والمعنى بعامل واحد (قوله على موافقة) إشارة لما قرر في أصول الدين من أن تأثير القدرة فرع تأثير الإرادة، ثم المراد بقوله بمشيئته أي مشيئة الإجراء فيعمم في متعلق العلم فيشمل الواجب والمستحيل والممكن غير أنه يخرج منه ما يتعلق بالاطلاع على كنه ذاته وصفاته فإنه ليس مكتوبا في اللوح.
(قوله أعطى إلخ) جملة استئنافية أشار بها إلى استقلال الله بالتصرف في كل شيء أو أنها تفريع في المعنى على قوله ومجري القلم إلخ أي أجرى القلم فأعطى ومنع وخفض ورفع ولا يخفى ما فيه من المحسنات البديعية، وهو الطباق، وهو الجمع بين معنيين متضادين أي حصل منه الإعطاء والمنع أو أعطى قوما ومنع آخرين وكذا يقال فيما بعد، ثم يجوز أن يراد بما أعطى وما منع خصوص الإيمان وأن يراد مطلق معط (قوله وخفض ورفع) أي خفض قوما ورفع آخرين أو وقع منه الخفض والرفع أي بالإيمان والكفر أو مطلقا، ثم لا يخفى أن استعمال الخفض والرفع في ذلك مجاز كما أفاده الأساس؛ لأنهما حقيقة فيما كان محسوسا (قوله فلا مشارك له إلخ) تفريع على ما تقدم وقوله في إنعامه الأولى في الإنعام إذ عبارته لا تنفي إلا أن يكون منعم آخر مشاركا لمولانا عز وجل في الإنعام المضاف له ولا تنفي أن يكون منعم آخر مشاركا لمولانا في مطلق الإنعام مع أن المقصود نفي المشارك سواء كان في الإنعام المضاف إليه أو لا فتدبر.
وكذا نقول في قوله وألوهيته ولا يقال إن أل نائبة عن الضمير؛ لأنا نقول ليس ذلك متفقا عليه والإنعام من آثار الألوهية فالمناسب تأخيره عنها إلا أنه قدمه للسجع (قوله وألوهيته) أي كونه إلها أي معبودا بحق (قوله ولا معاند) أي معارض في المصباح المعاند المعارض بالخلاف لا بالوفاق والمعارض غير الشريك فهو عطف مغاير (قوله في أحكامه) الخمسة أو أقضيته (قوله وربوبيته) أي كونه ربا أي مالكا للعالم (قوله ولا منازع له) مرادف لقوله ولا معاند.
(قوله في إبراماته) جمع إبرام أي تحتيمه أي حكمه وقوله وأقضيته جمع قضاء، وهو إرادة الله المتعلقة أزلا تنجيزا، وهو عطف تفسير أويراد بالإبرامات تعلقاتها التنجيزية أزلا فيكون من عطف الكلي على الجزئي (قوله وألزم عباده المؤمنين) عطف على قوله أعطى أو مستأنفة أي بقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة: 1] وقوله المؤمنين خصهم بذلك لكونهم المنتفعين بذلك وإلا فالكفار كذلك؛ لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة
صفحة ٤
<span class="matn">بالوفاء بالعقود وأمرهم في كتابه وعلى لسان نبيه - عليه الصلاة والسلام - بحفظ المواثيق والعهود ومدح نفسه وكثيرا من خواصه بالوفاء بالوعد ووصف بضد ذلك إبليس ومن وافقه من ذوي البعد والطرد واستخلص العلماء بعنايته وجميل لطفه من غياهب الجهالات وجعلهم أمناء على خلقه يقومون بحفظ شريعته حتى يؤدوا الخلق تلك الأمانات فهم مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء يستغفر لهم كل شيء
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
قوله بالوفاء بالعقود) جمع عقد، وهو العهد الموثق شبه بعقد الحبل وتلك العقود ما عقدها على عباده أي ألزمها إياهم فعلا أو تركا فظهر أن العقود مصدر أريد به اسم المفعول وقوله وأمرهم في كتابه إشارة إلى ما أمر به في كتابه العزيز وقوله على لسان نبيه إشارة إلى ما أمر به في سنة نبيه قال عز وجل {إن هو إلا وحي يوحى} [النجم: 4] (قوله المواثيق) جمع موثق كمجلس كما في القاموس والميثاق العهد ذكره فيه أيضا فعليه يكون قوله العهود تفسيرا له وقال النسفي في تفسيره والميثاق العهد المحكم فعليه يكون من عطف العام على الخاص، أي أمرهم بحفظ ما عهده إليهم أي بما أمرهم به أي القيام به فظهر أيضا أنه من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول فتدبر.
(تنبيه) : جملة قوله وأمرهم إلخ مساوية معنى لقوله وألزم عباده إلخ (قوله ومدح نفسه) قال تعالى {إن الله لا يخلف الميعاد} [آل عمران: 9] أي الوعد (قوله وكثيرا من خواصه) قد قال في حق إسماعيل {إنه كان صادق الوعد} [مريم: 54] (قوله بالوعد ) كذا في نسخة الشارح (قوله بضد ذلك) أي بالمنافي لذلك، وهو عدم الوفاء فالمشار إليه الوفاء بالوعد.
(قوله إبليس) من أبلس أيس وفي القرآن {فإذا هم مبلسون} [الأنعام: 44] وإبليس أعجمي ولهذا لا ينصرف للعجمة والعلمية وقيل عربي مشتق من الإبلاس، وهو اليأس ورد بأنه لو كان عربيا لانصرف قال عز وجل في حق إبليس {ففسق عن أمر ربه} [الكهف: 50] فإن الفسوق عن أمر الرب عدم الوفاء بالعهد (قوله ومن وافقه) فقال تعالى {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} [البقرة: 27] إلخ (قوله من ذوي إلخ) من بيانية أي من أصحاب البعد عن رحمة الله وأتى بذوي دون أصحاب تهكما وقوله والطرد لا يخفى أن الطرد هو الإبعاد، وهو وصف المولى لا وصف إبليس إلخ ويجاب بأنه مصدر المبني للمفعول فيكون وصفا لإبليس ومن وافقه فيكون من عطف المرادف غير أنك خبير بأن المقابلة إنما تتم لو كان المراد من العهد الوعد إلا أن يقال إن العهد متضمن للوعد.
(قوله واستخلص العلماء) أل للعهد أي العلماء المعهودين الذين هم حملة الشريعة المطهرة والسين والتاء زائدتان للتأكيد أي وخلص العلماء خلوصا تاما (قوله بعنايته) أي اهتمامه أي رحمته أي تخليصا مصورا برحمته أي إنعامه وإرادته (قوله وجميل لطفه) أي لطفه الجميل أي رفق الله بهم فهو صفة فعل (قوله من غياهب) متعلق باستخلص، وهو جمع غيهب، وهو الظلمة الشديدة كما ذكره بعض الحواشي للعقائد وإضافته لما بعده من إضافة المشبه به للمشبه بجامع التحير في كل ويجوز أن تكون الإضافة حقيقية أي بالغياهب من الجهالات فيكون استعار الغياهب لما عظم من الجهالات وهذا إشارة لمدح العلم وقد ورد «ليس منا من لم يتعاظم بالعلم» أي يعتقد أن الله عظمه لا أنه يظهر الفخر والكبر على العباد فإنه حرام.
(قوله الجهالات) جمع جهالة أي الجهل وأراد به ما يشمل البسيط والمركب (قوله وجعلهم) أي العلماء (قوله أمناء على خلقه) أي المكلفين وغيرهم؛ لأن الصبيان مكلفون بالمندوبات على الأصح (قوله بحفظ شريعته) أي أحكامه وحفظها العمل بها وتبليغها وقوله حتى إلخ غاية لقوله يقومون بحفظ شريعته فإذا أدوها سقط عنهم القيام بها تبليغا (قوله الخلق) أظهر في محل الإضمار نكتته شدة الاعتناء بتلك التأدية حيث لم يوقعها على ضميرهم بل عليهم (قوله تلك الأمانات) أظهر في محل الإضمار أيضا إذ هي الشريعة المأمور بالقيام بحفظها ونكتته كمال العناية بها وأتى باسم الإشارة البعيد تنويها بعظم شأنها تنزيلا لبعد درجتها ورفعتها منزلة بعد المسافة ولم يقل حتى يؤدوا الخلق تلك الشريعة إما لقصد التفنن أو لأنه لما فاته التصريح بأنها أمانة، وهو مقصود صرح به هنا ولم يقل تلك الأمانة كالآية إشارة إلى حث العلماء على الحفظ لكونها في الحقيقة أمانات فكل حكم أمانة.
ثم لا يخفى أن قوله أمناء على خلقه يفيد أن الخلق هم نفس الأمانة وقوله يقومون بحفظ شريعته إلخ يفيد أن الأمانة نفس الشريعة لا الخلق ففي العبارة تناف ويمكن الجواب بجعل كل من الشريعة والخلق أمانة أما الشريعة فظاهرة، وأما الخلق فمن حيث كون العلماء مأمورين بتعليمهم؛ لأن الأمر بتعليمهم أمر بحفظهم مما يرديهم في العذاب الأليم فهم أمانة بذلك الاعتبار فأشار أولا إلى إحدى الأمانتين وهم الخلق وأشار ثانيا إلى الأمانة الثانية وهي الشريعة (قوله فهم إلخ) تفريع على ما تقدم من قوله وجعلهم أمناء إلخ.
(قوله مصابيح) جمع مصباح، وهو السراج أي فهم كالمصابيح في الأرض بجامع الاهتداء فهو تشبيه بليغ بحذف الأداة ويجوز أن تكون استعارة تصريحية للهداة وكأنه قال فهم الهداة في الأرض ولم يقل فهم كالشمع مع أنه أقوى؛ لأنه ليس موجودا عند كل أحد فالمصباح نوره عام للفقير والغني وكذا العلماء ولم يقل كالشمس أو القمر مع عموم نورهما؛ لأن نور العلماء يتيسر الاقتباس منه بسهولة وكل وقت كالسراج بخلاف نور الشمس والقمر (قوله وخلفاء الأنبياء) المراد الرسل أو أنه مر على الترادف، ثم أل للاستغراق بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ، وهو مذهب مالك أو للجنس على مذهب الشافعي؛ لأن مذهبه شرع من قبلنا ليس شرعا لنا، وإن ورد في شرعنا ما يقرره وهذا الخلاف إنما هو باعتبار الأحكام الفرعية لا الأصلية فالأمم متفقة فيها وهذا كله بناء على أن المراد بالعلماء علماء هذه الأمة أما لو أريد ما هو أعم فلا إشكال (قوله يستغفر لهم) أي يطلب المغفرة لهم أي إن الله يغفر لهم ذنوبهم ولو مما كان حسنة للأبرار كما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين (قوله كل شيء) .
صفحة ٥
<span class="matn">حتى الحيتان في البحر ويحبهم أهل السماء
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ضد له شهادة أستفتح بمددها أبواب الجنان وأشهد أن سيدنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله وخليله قطب دائرة الأنبياء
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
أي ممن كان ذا روح كما تدل عليه الغاية ويجوز أن يراد ما يشمل الجمادات ولا مانع أن الله عز وجل يخلق فيها إدراكا فتستغفر لهم على أن ذلك من جملة التسبيح التزاما وقد قال {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} [الإسراء: 44] بناء على أن المراد التسبيح بلسان المقال، وهو المعتمد وقد قال ابن العربي سر الحياة سار عندنا في جميع الموجودات (قوله حتى الحيتان) جمع حوت والمراد مطلق السمك، ثم إن حتى عاطفة على قوله كل شيء وعطف بها ذلك مع دخوله في كل شيء دفعا لتوهم أنها خارجة من العموم لكونها مستترة بالماء فلم تكن على ظاهر الأرض كبقية الحيوانات وخلاصته أنه ربما يتوهم أن المستغفر لهم هو ما شاركهم في الظهور فوق الأرض فأفاد بذلك دفعه (قوله ويحبهم أهل السماء) أي وأهل الأرض كما في الحديث أي أهل كل سماء وأهل كل أرض ومن لازم ذلك استغفارهم لهم وقد قال العلماء ما جاء في فضل العلماء فإنما ذلك في العلماء العاملين، فإن قلت إذا كان كذلك فما الموجب لاقتصار الشارح على ما ذكر قلت لشدة محبتهم وعظمها إذ هم مصفون من الكدورات البشرية الموجبة لكراهتهم ساعة ما أو؛ لأن محبة أهل الأرض فرع عن محبة أهل السماء وذلك؛ لأن الله إذا أحب عبدا أمر أهل السماء بمحبته فإذا أحبه أهل السماء أحبه أهل الأرض ثم لا يخفى أن أل في السماء والأرض للاستغراق وأن المراد بعض أهل الأرض لا كلهم لما هو معلوم من بغض أعداء الدين للعلماء العاملين أو أن المحبة مركوزة في قلوبهم والبغض الحاصل منهم كالمتكلف لهم، ثم من لازم المحبة الدعاء بالغفران وغيره فهو المقصود الأصلي.
(قوله وأشهد) أي أعترف وأذعن إذ لا يعتد بها إلا إذا كانت عن صميم القلب وأتى بذلك لحديث كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء (قوله أن لا إله إلخ) أي لا معبود بحق موجود وأن مخففة من الثقيلة لا مفسرة واسمها ضمير الشأن محذوف وجملة لا إله إلا الله خبرها ووحده حال اختلف في صاحبها هل هو الله والضمير في الخبر وعلى الأول فهي حال مؤكدة وعلى الثاني فهي مؤسسة (قوله وحده) حال من الله أي متوحدا في الذات والصفات وهي حال مؤسسة على ما تقدم وقوله لا شريك له أي في الأفعال وقوله ولا ضد له أي لا مضاد له أي لا منازع له أي يريد أن يحل محله أي يقوم مقامه ولا يريد المشاركة وقوله شهادة مفعول مطلق مبين للنوع لقوله أشهد وقوله أستفتح أي أطلب الفتح بمددها أي بما تمده من الخير والبركة.
(قوله أبواب الجنان) الثمانية هي باب الصلاة وباب الزكاة وباب الصيام وباب الجهاد وباب التوبة وباب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وباب الراضين أي عن الله في أحكامه والباب الأيمن الذي يدخل فيه من لا حساب عليه من حاشية مسلم للسيوطي ولم يذكر باب الحج ولعله لكونه لا يكون إلا لما كان مبرورا وذلك نادر فتدبر، فإن قلت قد علمنا من ذلك أصحاب تلك الأبواب وأنهم أناس مخصوصون لا كل من نطق بالشهادتين على الوجه الذي لاحظه الشارح - رحمه الله - قلت المعنى أنها تفتح له إكراما له ولكن لا يشاء ولا يدخل إلا من الباب الذي هو من أهله كما قالوا في قوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية إذا قال آخر الوضوء أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلخ وبعضهم ذكر أن لها أبوابا ثمانية عشر ولا تنافي؛ لأن الثمانية هي الكبيرة المشهورة ومن داخل كل باب صغار دونها كما أفاده بعضهم.
ثم إن تعبيره بالجنان يفيد أنها أكثر من واحدة، وهو الأصح وقيل واحدة وعلى الأول فهي سبع، وهو الأصح وقيل أربع وعلى الأول فهي سبع متجاورة أوسطها وأفضلها الفردوس، وهو أعلاها وفوقها عرش الرحمن أي هو سقفها؛ ولهذا كان مسكن الأنبياء ومنها تنفجر أنهار الجنة كما جاء في الحديث وجنة المأوى وجنة الخلد وجنة النعيم وجنة عدن ودار السلام ودار الخلد وعبارة أخرى والجنان على ما ذكره ابن عباس - رضي الله عنهما - سبع جنة الفردوس وجنة عدن وجنة النعيم ودار الخلد وجنة المأوى ودار السلام وعليون وفي كل واحدة منها مراتب ودرجات متفاوتة على حسب تفاوت الأعمال والعمل، ثم نقول إن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة على الآحاد لكن الظاهر أن لكل جنة الأبواب الثمانية (قوله سيدنا إلخ) السيد هو الكامل المحتاج إليه وقيل العزيز الشريف (قوله عبده ورسوله) قدم العبد لما قيل أن العبودية أشرف الصفات وهي الرضا بفعل الرب وامتثالا لما في الحديث ولكن قولوا عبد الله ورسوله ولأنه أحب الأسماء إلى الله ومن ثم وصفه به في أشرف المقامات فذكره في إنزال القرآن عليه مما نزلنا على عبدنا وفي مقام الدعوة إليه وأنه لما قام عبد الله يدعوه وفي مقام الإسراء والوحي أسرى بعبده فأوحى إلى عبده ما أوحى فلو كان له وصف أشرف منه لذكره به في المقامات العلية وقال ورسوله دون نبيه؛ لأن الرسول أخص ولأن رسالة النبي أفضل من نبوته.
(قوله وخليله) من الخلة بالفتح وهي الحاجة أي أنه شديد الافتقار إلى مولاه فلم ينظر إلى من سواه وقصر حاجته على مولاه أو من الخلة بالضم وهي صفاء المودة فالمعنى والذي يحب مولاه محبة خالصة صافية لا يخالطها شيء من الأغيار محبة لم توجد فيمن سواه ولم تطرق ساحة أحد ممن عداه (قوله قطب دائرة الأنبياء إلخ) الدائرة هي الخط المحيط الذي في وسطه نقطة تسمى قطبها بحيث إن كل خط خرج من تلك النقطة واتصل بتلك الدائرة يكون مساويا لما عداه من الخطوط ولا خفاء أنه لا وجود للدائرة ولا استقامة لها إلا بتلك النقطة المتوسطة توسطا حقيقيا كما قلنا فإذن تكون الدائرة مستعارة لجماعة ولفظ قطب مستعار لأصل، ثم وصف به النبي - صلى الله عليه وسلم - على حد ما قيل في زيد أسد على طريقة سعد الدين ثم تكون إضافة دائرة لما
صفحة ٦
<span class="matn">والمرسلين وطراز عصابة أهل الله المقربين - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه وشيعته وحزبه صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين
(أما بعد) فإن الاشتغال بالعلم من أفضل الطاعات وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات خصوصا علم الفقه العذب الزلال المتكفل ببيان الحرام من الحلال وقد كان مذهب الإمام مالك أهلا وحقيقا بذلك وكان أعظم ما صنف فيه من المختصرات وأغنى عن كثير من المطولات مختصر مولانا أبي الضياء خليل بن إسحاق - رحمه الله -
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
بعدها للبيان فيكون المعنى أصل الجماعة الذين هم الأنبياء والمرسلون فكما لا وجود للدائرة إلا بتلك النقطة لا وجود للجماعة المبينين بالأنبياء والمرسلين إلا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فلولا وجوده ما وجدوا وما خلق الكون إلا من أجله هذا هو المراد بالأصالة أو أنه من قبيل التشبيه البليغ أي كالقطب للدائرة بالنسبة للأنبياء والمرسلين والمرسلين عطف خاص على عام.
(قوله وطراز عصابة) الطراز علم الثوب، ثم يجوز أن يكون تجوز بطراز عن مزين؛ لأنه يلزم من وجود الطراز في الثوب التزين فيكون مجازا مرسلا علاقته اللزوم ثم أريد به مزين تجوزا من إطلاق المصدر وإرادة اسم الفاعل فهو مجاز على مجاز، ثم بعد ذلك وصف به النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكون شبه عصابة أي جماعة أهل الله بثوب فكما أن زينة الثوب بطرازه كذلك زينة أهل الله المقربين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن شئت قلت أنه تشبيه بليغ أي إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كالطراز بالنسبة لعصابة أهل الله المقربين وإضافة عصابة لما بعده للبيان فتدبر والمقربين إما وصف كاشف أو مخصص بناء على أن يراد بأهل الله ما يشمل الأبرار والمقربين (قوله صلى الله) جملة خبرية لفظا إنشائية معنى (قوله وصحبه) جمع صاحب أو اسم جمع له قولان وسيأتي ما يتعلق بذلك.
(قوله وشيعته) أتباعه وأنصاره ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث كما في القاموس (قوله وحزبه) جماعته فيكون عين شيعته على ما قلنا (قوله دائمين) أي إن الله يصلي عليه صلاة دائمة ويسلم عليه كذلك أي يعظمه تعظيما دائما ويحييه تحية دائمة (قوله متلازمين) أي لا ينفك أحدهما عن الآخر وقوله إلى يوم الدين أي يوم الجزاء؛ لأنه اليوم الذي يجزى الناس فيه على أعمالهم، ثم ذلك كناية عن الدوام لا حقيقة؛ لأن المطلوب تعظيمه ولو في القيامة أو الجنة
(قوله فإن الاشتغال) الجواب محذوف أي فأقول إلخ؛ لأن جواب الشرط لا يكون إلا مستقبلا (قوله بالعلم) أي العلم الشرعي وآلاته (قوله من أفضل الطاعات) أي الطاعة المندوبة بل هو أفضل الطاعات لتعدي نفعه، وهو أفضل من النفع القاصر خلا الأوقات التي تطلب فيها الرواتب كما يدل عليه كلام بعض أئمة المذهب حيث قال ينبغي لطالب العلم أن يديم على الرواتب والطاعة هي امتثال الأمر عرف المطاع أو لا كالنظر المؤدي لمعرفته والقربة هي ما توقف على معرفة المتقرب إليه، وإن لم يتوقف على نية كالعتق والعبادة ما توقف على معرفة المعبود والنية (قوله وأولى) معطوف على أفضل (قوله نفائس الأوقات) أي الأوقات النفيسة أي المرغوب فيها باعتبار كونها ظرفا لطاعة الله تعالى أو ما يعين عليها فإذن هو وصف كاشف وفي الكلام استعارة بالكناية شبه الأوقات بما ينفق من ذهب وفضة واستعار اسم المشبه به للمشبه في النفس وإثبات الإنفاق تخييل أو أن إضافته نفائس للأوقات من إضافة المشبه به للمشبه وأراد بالنفائس ما كان مرغوبا فيه من الحسيات كما هو الحقيقة وربما يظهر ذلك من الإنفاق والإنفاق ترشيح للتشبيه (قوله علم الفقه) أي أخص علم الفقه خصوصا وإضافة علم إلى الفقه للبيان لا بيانية؛ لأن شرط البيانية أن يكون بين المضاف والمضاف إليه عموم وخصوص من وجه كخاتم حديد.
(قوله العذب) العذب والزلال مترادفان على ما في المصباح والمختار وعلى ما في القاموس فالزلال أخص من حيث إنه العذب البارد الصافي السهل السلس، ثم يجوز أن يكون من قبيل التشبيه البليغ أي كالماء العذب الزلال أو تجوز به عن المتشوفة إليه النفس لعلاقة اللزوم في الجملة؛ لأن الماء العذب يلزمه التشوف فتأمل إن كنت ذا تأمل (قوله المتكفل) أي المشتمل فشبه اشتماله على بيان الحلال والحرام بتكفل إنسان لإنسان في مال واستعير اسم المشبه به إلى المشبه واشتق من التكفل متكفل بمعنى المشتمل أو أنه مجاز عقلي (قوله ببيان) أي تبيين الحلال وأراد به ما لم ينه عنه نهي تحريم فيشمل ما عدا الحرام من الأحكام (قوله وقد كان) جملة حالية وقد لتقريب الماضي من الحال أو مستأنفة وقد للتحقيق (قوله وحقيقا) مرادف لما قبله أي مستحقا للوصف بذلك فلا يكون قصده إذن تمييز مذهبه بمزية لم توجد فيما سواه كما تقول فلان أهل للتدريس فلا ينافي أن غيره ممن اتصف بصفته كذلك ويجوز أن يكون مراده ذلك لما تقرر من أنه لم تضرب أكباد الإبل لأحد مثل ما ضربت له فكثر علمه في الأقطار وبث في جميع الأمصار، وهو في الحلال والحرام فكان بهذا الاعتبار أهلا وحقيقا بذلك أو لما علم من كون مذهبه سد الذرائع.
(قوله أعظم إلخ) خبر مقدم وقوله مختصر اسمها مؤخر هذا هو الأظهر أو أن أعظم اسمها وقوله مختصر خبر بادعاء أن هذا الأعظم أمر مقرر في النفوس مستحضر فيها والمحكوم به هل هو هذا المختصر أو غيره فأفاد أنه المختصر (قوله وأغنى) معطوف على كان أي وأخبر بأن مختصر مولانا أبي الضياء أعظم ما صنف فيه من المختصرات ومن للبيان مشوبة بتبعيض وأخبر بأنه أغنى عن كثير من المطولات (قوله كثير من المطولات) فيه إشارة إلى أنه لم يغن عن الكل، وهو كذلك لفوات كثير من المسائل المحتاج إليها الموجودة في بعض الكتب المطولات فلم يكن هذا المختصر مغنيا عنها وأراد بالمطول المطنب، وهو ما كانت الزيادة فيه لفائدة لا ما كانت الزيادة فيه غير معيشة لغير فائدة كقوله
وألفى قولها كذبا ومينا
(قوله مولانا) المولى الناصر كذا في كتب اللغة وأراد به معنى السيد أي الكامل المحتاج إليه أو أنه ناصرنا أي ناصر مذهبنا أو ديننا (قوله - رحمه الله -) جملة معترضة قصد بها الدعاء
صفحة ٧
<span class="matn">فكم كشف عن معضلات وأبرد الغليل وقد وضعت عليه شرحا يحل ألفاظه يحتوي على تقييداته وفوائد يصعب فهمها على المبتدئين وغير الممارسين، ثم أدركتني رحمة الضعاف فثنى عنان القلم إليهم حب الإسعاف حين طلب مني جماعة من الإخوان وجملة من الخلان شرحا آخر لا يكون قاصرا عن إفادة القاصرين خاليا عن الإطناب وعما يصعب فهمه من الإيجاز على المبتدئين ليعم نفعه العباد ويتعاطاه الحضري والباد فأجبتهم
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
قوله فكم) تعليل لقوله أعظم وهي خبرية للتكثير أي؛ لأنه كشف عن معضلات كشفا كثيرا (قوله معضلات) قال ياسين معضلات بفتح الضاد وكسرها من قولهم أمر معضل لا يهتدى لوجهه اه.
والفتح بمعنى الكسر وفي القاموس فيما رأيته من نسخة يظن بها الصحة بضبط القلم بكسرة تحت الضاد.
(قوله وأبرد الغليل إلخ) الغليل العطش أو شدته أو حرارة الجوف كذا في القاموس فإذا علمت ذلك فيكون في العبارة استعارة تصريحية شبه التحير والقلق الذي يقوم بالإنسان حين لا يدرك ما يريده من مسائل العلم بالغليل بأي معنى كان والجامع ظاهر واستعار اسم المشبه به للمشبه وقوله أبرد أي صيره باردا، وهو ترشيح أو مستعار لازال تأمل (قوله وقد وضعت) شروع في الاعتذار عن الاشتغال بهذا الشرح مع وجود الشرح الكبير (قوله يحل ألفاظه ) أراد به بيان ما يتعلق بالإعراب ويفهم المعنى المراد من اللفظ لا خصوص الأول وإسناد الحل للشرح مجاز عقلي؛ لأنه حقيقة في إسناده للشخص وإيقاع الحل على الألفاظ مجاز عقلي أيضا؛ لأنه حقيقة في إيقاعه على عقد الحبل أو شبه الألفاظ بحبل معقد على سبيل الاستعارة بالكناية ويحل قرينة (قوله تقييداته) جمع تقييد بمعنى مقيداته فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل مجاز (قوله وفوائد) جمع فائدة وهي لغة ما حصلته من علم أو مال أو غيرهما وعرفا المصلحة المترتبة على الفعل من حيث إنها ثمرته ونتيجته والمراد هنا المعنى اللغوي.
(قوله على المبتدئين) جمع مبتدئ، وهو من لم يصل إلى تصوير المسألة والمتوسط من وصل إليه دون استنباط المسائل والمنتهي من وصل لتصوير المسألة وقدر على الاستنباط وقوله وغير الممارسين من عطف اللازم أي وغير المعالجين أي الذين كثرت مطالعتهم وقراءتهم في الفن (قوله أدركتني رحمة الضعاف) أي لحقتني وفي العبارة استعارة بالكناية حيث شبه رقته على الضعاف في العلم بفارس مثلا طلب إنسانا لأمر ما فأسرع إليه فلحقه إشارة إلى سرعة هذه الرقة فإذن تكون ثم لمجرد الترتيب والضعاف جمع ضعيف أي في العلم (قوله فثنى إلخ) ثنى الشيء رد بعضه على بعض أي ترجيع بعضه على بعض فأطلقه هنا على مطلق الترجيع فقد ارتكب التجريد (قوله عنان القلم) العنان هو ما تقاد به الدابة فقد شبه القلم بدابة ذات عنان على طريق الاستعارة بالكناية وإثبات العنان تخييل أو أنه من إضافة المشبه به للمشبه أي القلم الشبيه بالعنان في مطلق التصرف في كل فتدبر (قوله إليهم) أي إلى ما يناسب حالهم مثل هذا الشرح وقوله حب الإسعاف فاعل مجاز عقلي أو استعارة بالكناية والإسعاف تبليغ المقصود أي أنه بعد أن كان موجها عنان القلم لغيرهم أي لغير مرادهم رجع حب الإسعاف عنان القلم إليهم أي إلى مرادهم وقوله حين ظرف لقوله أدركتني إلا أنك خبير بأن مفاد العبارة حينئذ أنه حين الطلب شرع في تأليف هذا الشرح فينكد عليه قوله بعد فأجبتهم إلخ كما هو ظاهر للمتأمل ويجاب بأن ذلك الشيء لما كان كالمحقق الوقوع حين الطلب؛ لأن مثله لا يخيب سائله نزل منزل الواقع بالفعل على حد قوله تعالى {أتى أمر الله} [النحل: 1] الآية.
(قوله طلب مني) لم يقل التمس تحدثا بنعمة المولى في أنه صار أهلا لأن يطلب منه ذلك والإخوان جمع أخ غلب في الأصحاب دون إخوة بخلاف إخوة فهو غالب فيمن كان من النسب والحاصل أن كلا من إخوان وإخوة جمع أخ إلا أن إخوان غلب في الأصحاب وإخوة غلب في النسب (قوله وجملة) مرادف لجماعة وغاير دفعا للثقل الحاصل من تكرار اللفظ (قوله الخلان) بضم الخاء جمع خليل ومصدوق الإخوان مصدوق الخلان فهم موصوفون بأنهم خلان وإخوان أو أراد بالخلان معنى أخص من الإخوان، وهو من اشتدت محبتهم، وإن لم يصلوا إلى مرتبة الخلة التي هي صفاء المودة (قوله لا يكون قاصرا) وصف ثان لشرحا (قوله القاصرين) أي الذين هم عبارة عن المبتدئين أي بخلوه عن الإطناب وعما يصعب فهمه من الإيجاز فقوله خاليا وصف ثالث كالعلة للوصف الثاني أو حال من اسم يكون كذلك.
(قوله الإطناب) الإتيان بالكلام الكثير لفائدة، وأما إذا لم يكن لفائدة فهو تطويل إن لم يتعين كقوله
وإلفي قولها كذبا ومينا
وإلا كان حشوا كقوله
واعلم علم اليوم والأمس قبله
فقبله حشو؛ لأنه متعين للزيادة بخلاف مين فإنه معطوف في منزلة المعطوف عليه فلم يتعين للزيادة، ثم لا يخفى أن الإطناب من صفة المؤلف لا من صفة الشرح فليؤول الإطناب باسم المفعول أي الكلام المطنب وكذا يقال في قوله من الإيجاز ومن في قوله من الإيجاز للتبعيض لا بيانية وإلا لاقتضى أن الإيجاز جميع أفراده يصعب فهمه وليس كذلك أو أن من للتعليل أي الإيجاز المخل (قوله على المبتدئين) أي الذين هم القاصرون (قوله ليعم نفعه العباد) تعليل لطلب الشرح على الوصف المذكور؛ لأن عموم نفعه بالخلو عن الأمرين معا (قوله العباد) أي المبتدئ وغيره بخلاف الكبير فإنه قاصر على المنتهي، ثم نفعه المبتدئ ظاهر والمنتهي ومثله المتوسط بالمذاكرة مع الإخوان وتذكار ما قد يغفل عنه (قوله الحضري) خلاف البادي وأراد بالحضري ما يشمل القروي (فأجبتهم إلخ) أتى بالفاء إشارة إلى أنه أجابهم فورا
صفحة ٨
<span class="matn">إلى ذلك واثقا بإقدار الكريم المالك
وها أنا أشرع في المراد راقما للشرح (ش) وللأصل (ص) فأقول ومن الله أستمد على حصول المأمول (ص) بسم الله الرحمن الرحيم (ش) افتتح كتابه بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز والآثار النبوية والإجماع لافتتاح الكتاب بها وقوله - عليه الصلاة والسلام - «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم كما في رواية فهو أبتر أو أقطع أو أجذم» أي ناقص وقليل البركة والباء للاستعانة
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
قوله واثقا) حال من التاء في أجبت وقوله بإقدار أي بكونه يقدرني أي يعطيني قدره أي لا واثقا بعلمي وفهمي (قوله الكريم المالك) لما كان الإقدار المذكور نعمة وهي لا تكون إلا من كريم مالك لا من خلافه ممن عدم فيه الوصفان أو أحدهما خصهما بالذكر
(قوله وها أنا أشرع إلخ) فيه شذوذ حيث أدخل ها التنبيه وليس الخبر اسم إشارة (قوله راقما) حال، وهو اسم فاعل معموله ص وش أي راقما علامة الشرح ش مختصرة من لفظ الشارح وص مختصرة من لفظ المصنف والظاهر قراءته بالمسمى لا بالاسم وفعل ذلك شفقة على فقراء الكتبة في ثمن المداد الأحمر (قوله فأقول) مقول القول افتتح ويحتمل أن معموله ص إلخ أي فأقول المصنف قال بسم الله الرحمن الرحيم فالمصنف مبتدأ وخبره محذوف وقوله ومن الله أي والحال أني أستمد من الله أي لا أطلب المدد إلا من الله، وهو الفهم الصائب (قوله على حصول المأمول) أي لأجل حصول المأمول أو أنه ضمن استمد معنى التقوي (قوله بالبسملة) هي في الأصل مصدر بسمل إذا قال بسم الله إلا أنها صارت حقيقة عرفية في بسم الله الرحمن الرحيم (قوله اقتداء) أي لأجل الاقتداء بالكتاب العزيز من حيث إنه ابتدئ بها، وإن لم تكن منه على مذهبنا والكتاب هو حقيقة عرفية في الألفاظ المخصوصة، وهو في الأصل مصدر كتب (قوله العزيز) أي العديم المثال فيكون من أسماء التنزيه أو القوي الغالب؛ لأنه يغلب كل من يريد معارضته فهو من صفات الجلال (قوله والآثار النبوية) جمع أثر والأثر يطلق على المروي سواء كان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو عن الصحابي كما هو المذهب المختار كذا قال النووي فقوله النبوية نسبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - مخصصة.
(تنبيه) : قوله والآثار النبوية أي وعملا بالآثار النبوية على حد
علفتها تبنا وماء باردا
أي وسقيتها إذ الآثار النبوية يناسبها العمل لا الاقتداء وقوله والإجماع أي وعملا بمقتضى إجماعهم الفعلي (قوله لافتتاح) راجع لقوله اقتداء إلخ.
وقوله ولقوله إلخ راجع لقوله والآثار والجمع باعتبار أبتر وأقطع وأجذم أو أراد جنس الآثار المتحقق في واحد وكان الأولى أن يزيد ما يرجع للإجماع فيقول لإجماع الأمة على الإتيان بها (قوله ذي بال إلخ) أي حال يهتم به شرعا أو قلب تشبيها بذي قلب على سبيل الاستعارة المكنية أعني ذكر المشبه، وهو هنا الأمر وشيء من لوازم المشبه به، وهو هنا القلب أو على أن هذا الأمر لشرفه كأنه ملك قلب صاحبه لاشتغاله به فنسب إليه وقال ذي ولم يقل كل أمر صاحب بال إلخ مع أنه بمعناه؛ لأن الوصف بذي أبلغ من الوصف بصاحب فإن ذي تضاف للتابع فتكون هي المتبوعة وصاحب يضاف إلى المتبوع فيكون تابعا تقول أبو هريرة صاحب رسول الله ولا تقول رسول الله صاحب أبي هريرة، وأما ذو فتقول ذو المال وذو الفرس فتجد الأول متبوعا (قوله لا يبدأ فيه) أي لا يبدأ ببسم الله فيه فالباء صلة يبدأ وفيه نائب الفاعل، ثم يحتمل أن يكون المراد لا يبدأ فيه بهذا اللفظ، وهو الظاهر ويحتمل أن يكون المراد باسم من أسماء الله فيكون كرواية ذكر الله وأورد على هذا الاحتمال أن النكرة إذا أضيفت إلى معرفة تعم فيكون المعنى كل أمر لا يبدأ فيه بجميع أسماء الله وهذا عسر جدا وأجيب بأن معنى قولهم النكرة إذا أضيفت إلى معرفة تعم أنها تصلح للعموم إذا دل عليه قرينة.
والقرينة هاهنا قائمة على عدم ذلك إذ العسر منتف عن هذه الأمة وقضية كلامه أنها ثلاث روايات في بسم الله الرحمن الرحيم بزيادة الباء والرحمن الرحيم والفاء والضمير وليس كذلك أما الرواية الأولى التي هي رواية أبتر فهي «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر» فهي بباءين على الحكاية وكذا رواية بعضهم ونسبه للخطيب، وأما الرواية الثانية فهي «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع» بدون الفاء والضمير هكذا في رواية الرهاوي بضم الراء، وأما الرواية الثالثة فهي «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم» والأبتر لغة ما كان من ذوات الذنب ولا ذنب له والأقطع من قطعت يداه أو إحداهما والأجذم لغة من به الداء المعروف وقيل من قطعت أصابع كفيه وجعله صاحب المصباح مساويا لأقطع. وأما القاموس فقد فسره بمن به الداء المعروف وبمن قطعت يده أطلق كل منها في الحديث على ما قلت بركته كما قال الشارح أو فقدت كما قال آخر تشبيها له بما فقد ذنبه الذي تكمل به خلقته أو بمن فقد يديه اللتين يعتمد بهما في البطش ومحاولة التحصيل أو بمن فقد أصابعه التي يتوصل بها إلى ما يروم تحصيله وحينئذ فهو إما من قبيل التشبيه البليغ أو الاستعارة التصريحية لناقص وقليل البركة على حد ما قيل في زيد أسد فقول الشارح أي ناقص وقليل البركة إما أنه المستعار له على الوجه الثاني وإما حاصل المعنى على الوجه الأول وبعضهم جعله استعارة بالكناية فنقول شبه الذي لا يبدأ فيه بالبسملة بالناقص الخلقة تشبيها مضمرا في النفس وأطلق اسم المشبه به على المشبه فتكون استعارة بالكناية ويرد عليه أن فيه جمعا بين الطرفين إلا أن يلاحظ خصوص الصفة التي هي البتر أو بناء على أن مدلول الوصف الصفة لا الذات مع الصفة.
(قوله وقليل البركة) عطف تفسير على قوله ناقص أي المراد بنقصانه قلة بركته، وإن كمل حسا (قوله والباء للاستعانة) أي فليست الباء للتعدية ولا للمصاحبة أي الباء
صفحة ٩
<span class="matn">متعلقة بمحذوف تقديره أؤلف ونحوه، وهو يعم جميع أجزاء التأليف فيكون أولى من افتتح ونحوه لإيهام قصر التبرك على الافتتاح فقط والله علم على الذات الواجب الوجود فيعم الصفات أيضا والرحمن المنعم بجلائل النعم كمية أو كيفية والرحيم المنعم بدقائقها كذلك وقدم الأول، وهو الله لدلالته على الذات، ثم الثاني لاختصاصه به ولأنه أبلغ من الثالث فقدم عليه ليكون له كالتتمة
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
في كلام المصنف، ثم نقول إن الأفضل جعلها للمصاحبة على وجه التبرك؛ لأن باء الاستعانة هي الداخلة على آلة الفعل نحو كتبت بالقلم فجعلها للاستعانة فيما نحن فيه يشعر بأن اسم الله آلة لغيره، وهو خلاف الأدب على أن مرجعها للأولى.
(قوله متعلقة بمحذوف) اعلم أنه إذا جعلت الباء للاستعانة ومثلها المصاحبة تكون متعلقة بمحذوف تقديره أؤلف مستعينا ببسم الله، ثم اختلف هل الحال هو المحذوف، وهو التحقيق أو المجرور، وهو المشهور فعلى الأول محل الجار والمجرور نصب بالحال المحذوف لا بالفعل المحذوف وعلى الثاني محله نصب من حيث المفعولية بالحال المحذوف ومن حيث الحالية بالفعل المحذوف إذا تقرر هذا تعلم أن قول الشارح متعلقة بمحذوف تقديره أؤلف لا يظهر إلا باعتبار التعلق باعتبار الحالية لا المفعولية على القول المشهور (قوله ونحوه) أي كأصنف (قوله من أفتتح ونحوه) أي كأبتدئ (قوله لإيهام قصر التبرك) أي إن التعبير بأفتتح ونحوه يوهم أي يوقع في الوهم أي الذهن على سبيل الرجحان قصر التبرك لا الطرف المرجوح فلا يرد ما يقال إنه راجح من التعبير بأفتتح لا مرجوح.
(قوله والله علم على الذات) أي علم شخص لا جنس وضعه مسماه تعالى على ذاته أو الغلبة التقديرية لا التحقيقية أو اعلم أنه قبل دخول أل يطلق على المعبود مطلقا، وأما بعد دخولها عليه فهو علم بالغلبة على الذات العلية لكنه قبل الحذف والإدغام غلبته تحقيقية وبعدهما غلبته تقديرية والفرق بينهما أن الغلبة التحقيقية اللفظ فيها أطلق بالفعل على غير ما غلب فيه من أفراده والتقديرية اللفظ فيها يصلح إطلاقه على غير ما غلب فيه من أفراده
(قوله الواجب الوجود) أي الذي اقتضت ذاته وجوده، فإن قلت هذا يقتضي أن الذات غير الوجود، وهو خلاف ما عليه الأشعري من أن وجود الشيء عينه.
أجاب ابن السبكي في منع الموانع بأن المراد بذاته المتصورة في الذهن أي بالآيات الدالة عليها وبوجوده ذاته الخارجية أي التي في الواقع أي إن ذاته الحاضرة في الذهن يكفي تصورها في الحكم بكونها خارجية وهذا أيضا رد لما يقال إذا كانت الذات سببا للوجود لزم تقدمها عليه والفرض أنها عينه هذا ما كتبه بعضهم على الناصر (وأقول) الأقرب أن معنى قوله الواجب الوجود الذي لا يقبل وجوده الانتفاء فتدبر (قوله فيعم الصفات أيضا) أي كما عم الذات، ثم أقول قضيته أن قوله " الواجب الوجود " من تمام الموضوع له، وهو رأي شيخ الإسلام، وهو ضعيف بل الحق أنه تعيين للموضوع له وإلا ورد أن الذات الواجب الوجود كلي فلا يكون الموضوع له معينا فلا يفيد لا إله إلا الله التوحيد، وهو خلاف ما أجمعوا عليه ويمكن الجواب بأن عمومه للصفات باعتبار أخذها تعيينا لمدلوله لا باعتبار كونها جزءا منه وأل في الصفات للجنس فيصدق بالواحدة إذ المأخوذ تعينا ليس جميع الصفات بل صفة واحدة وهي وجوب الوجود إلا أن يريد ولو بالاستلزام كما هو الظاهر فيصدق بها كلها إذ وجوب الوجود له في الواقع يستلزم جميع الصفات؛ لأن وجوب الوجود لا يكون إلا للإله والإله لا يكون إلا بصفاته المقررة في الأصول والظاهر أن مراد من يقول مدلوله الذات والصفات جميع الصفات معان ومعنوية وسلوب وأفعال (قوله فيعم) من عموم اللفظ لمدلوله.
(قوله المنعم إلخ) فيه إشارة إلى أن الرحمن صفة فعل، وإن فسر بمريد الإنعام يكون صفة ذات (قوله كمية) أي كثرة أفراد مدلوله التضمني وعظمته في نفسه ولذلك ورد كما في ابن عبد الحق «رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما» فرحمن مدلوله التضمني الرحمة العظيمة كمية وكيفية كالإنعام بألف دينار وباعتبار الكمية باعتبار الإنعام بألف جديد من حيث كونها ألفا، وأما من حيث كونه جديدا لا دينارا يكون حقيرا كيفية فيكون الإنعام به باعتبار كونه مدلول الرحيم التضمني فلو أنعم بدينار واحد فالإنعام به من حيث الكيفية وهي الدينارية مدلول الرحمن التضمني ومن حيث الكمية وهي كونه واحدا فقط مدلول الرحيم التضمني فلو أنعم بجديد واحد فلا شك ولا ريب أن الجديد الواحد حقير كمية وكيفية فالإنعام به مدلول الرحيم التضمني، ثم لا يخفى أن العظم في الدنيا والآخرة ظاهر، وأما ضده من الحقارة فهو ظاهر في الدنيا ولا يظهر في الآخرة؛ لأنها كلها جسام والجواب أن الحقارة تكون ولو نسبية فما أعطى في الجنة لواحد من آحاد الناس ولو عظم هو حقير بالنسبة لما أعطى للأولياء (قوله أو كيفية) أو مانعة خلو تجوز الجمع كالإنعام بألف دينار (قوله بدقائقها) الضمير عائد على المقيد، وهو المنعم بدون قيدها.
(قوله لدلالته على الذات) التي هي الموصوفة بالرحمة والذات مقدمة تعقلا على الصفات ولا يخفى أن هذا يفيد أن المدلول للفظ الجلالة الذات فقط الذي هو القول المعتمد فينافي ظاهر ما تقدم له (قوله: ثم الثاني) ، ثم لمجرد الترتيب وقس عليه نظائره (قوله لاختصاصه به) الباء داخلة على المقصور عليه أي إن رحمن مختص بالله عز وجل لا يتجاوزه إلى غيره ولا يرد قول جماعة مسيلمة له رحمن اليمامة وقولهم
سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا ... وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
؛ لأن ذلك من تعنتهم في كفرهم على أن المختص بالله على التحقيق إنما هو المعرف دون المنكر الواقع في كلامهم.
(قوله: ولأنه أبلغ من الثالث) أي إن الثاني لكونه أبلغ من الثالث من المبالغة قدم على الثالث وإنما كان الرحمن أبلغ؛ لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى
صفحة ١٠
<span class="matn">والرديف.
(ص) يقول الفقير المضطر لرحمة ربه (ش) أتبع البسملة بالتعريف لنفسه ليعلم ذلك من يقف على كتابه فإنه من الأمور المهمة التي ينبغي تقديمها وجملة يقول مستأنفة وأصله يقول نقلت ضمة عينه إلى فائه والفقير فعيل صيغة مبالغة أو صفة مشبهة كرفيع من فقر ككرم بالضم من الفقر أي الحاجة أي المحتاج كثيرا أو الدائم الحاجة لرحمة ربه أو المضطر اسم مفعول من اضطر بضم الطاء بالبناء للمفعول وهذا اللفظ مما يتحد فيه اسم الفاعل واسم المفعول في
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
غالبا كما في قطع وقطع بتشديد أحدهما وتخفيف الآخر فإن القطع المدلول عليه بالمشدد أزيد من القطع المدلول عليه بالمخفف لزيادة حروف المشدد بتشديده على حروف المخفف وقلنا غالبا لئلا ينتقض بحذر وحاذر إلى آخر ما قالوا لكن قوله بعد فقدم الثاني على الثالث ليكون الثالث كالتتمة والرديف يفيد أن العلة غير الأبلغية فإذن يكون في العبارة مضاربة فالمناسب أن يقول وأتى بالرحيم ليكون كالتتمة والرديف أي التابع كعطشان نطشان فهو أي الرحيم ليس بتتمة ولا تابع بل كالتتمة كالتابع وإنما لم يكن تتمة ورديفا؛ لأنه لفظ مفيد معنى آخر وما كان تتمة أو رديفا ليس كذلك، وإنما أتى بهذه العلة تنبيها على أن الكل منه وأن عنايته شملت الخلائق كلهم وخلاصته أنه إنما لم يكن تتمة ورديفا للمغايرة والاستقلالية وكان كالتتمة والتابع؛ لأن المقصود بيان أن الكل منه ولا يأتي ذلك إلا بذكره لا خصوص النعمة العظيمة كما يتوهم ولم يعكسه بأن يقدم الرحيم على الرحمن؛ لأن الجليل هو الذي يكون متبوعا وغيره تابعا.
(قوله لرحمة ربه) تنازعه الفقير والمضطر وأعمل الثاني إذ لو أعمل الأول وأضمر في الثاني لكان يقول المضطر لها لرحمة ربه واللام بمعنى إلى ولا يجوز أن تكون للتعليل لفساد المعنى؛ لأن الرحمة علة للغني لا للفقير؛ لأن رحمته صفة جمال لا يصدر عنها الفقر وآثر اللام على إلى للاختصار؛ لأن الاضطرار والفقر يتعديان بإلى أي غاية فقره واضطراره إلى أن يلوذ برحمة ربه أي إرادة إنعامه أو إنعامه أو نعمة ربه والرب في الأصل مصدر بمعنى التربية، وهي تبليغ الشيء شيئا فشيئا إلى الحد الذي أراده المربي ثم أطلق على المالك الحقيقي الذي هو الله عز وجل فأفهم (قوله أتبع البسملة) ، فإن قلت من الظاهر أن المؤلف قصد ابتداء كتابه بكل من البسملة والحمدلة فلم وسط الحكاية بينهما وهلا قدمها على البسملة أيضا قلت لعله قصد التبرك بالبسملة في الحكاية أيضا قاله في ك (قوله بالتعريف لنفسه) أي بالإعلام بنفسه فاللام بمعنى الباء (قوله ليعلم ذلك) أي نفسه
(قوله فإنه من الأمور المهمة) تعليل لقوله أتبع مع علته التي هي قوله ليعلم إلخ وإنما كان من الأمور المهمة؛ لأنه إذا لم يعلم اسم صاحب الكتاب صار مجهولا لا يوثق بما فيه، وأما إذا علم اسم صاحب الكتاب فيثق من يطلع بما فيه لعلمه صاحبه وديانته وعلمه ومرتبته والإتيان بمن يشير إلى أن هناك أمورا مهمة غير ذلك، وهو كذلك؛ لأنه سيأتي أن ثلاثة واجبة وأربعة جائزة فإنها، وإن كانت جائزة لكنها راجحة.
(قوله وجملة يقول مستأنفة) لا حال من فاعل أؤلف بسم الله الرحمن الرحيم فلا يفيد كون البسملة بدا لذلك القول فلا تلحقه البركة وقد يقال المقارنة الحاصلة بالحالية تحصل البركة فتدبر قال في ك ومقول يقول إما جملة الحمد وما يتعلق بها أو جملة الحمد مع بقية الخطبة أو بعضها أو جميع الكتاب ولا يضر على هذا كون بعض الحكم ماضيا وبعضه آتيا؛ لأن التعبير بالمضارع بالنظر للماضي لاستحضار الصورة العجيبة انتهى.
(قوله نقلت إلخ) أي فسكنت العين كما سكنت في الماضي بأن صارت ألفا وحينئذ فعلة النقل المشاركة بين الماضي والمضارع؛ لأنها لما سكنت في الماضي سكنت في المضارع لكن في الماضي بعد قلبها ألفا وفي المضارع مع بقائها من غير قلب وقيل استثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى الساكن قبلها، وهو غير مستقيم؛ لأن الضمة على الواو وكذا على الياء إنما تكون ثقيلة إذا تحرك ما قبلها، وأما عند التسكين فلا استثقال ولذلك أعرب دلو وظبي بالحركات الظاهرة كذا قيل وقد يقال إنما ظهرت في الاسم لخفته، وأما الفعل فثقيل والثقيل لا يحتمل ما فيه ثقل فلذلك نقلت الضمة لأجل الثقل ك وإنما كان الفعل ثقيلا لتركب مدلوله من الحدث والزمان والنسبة (قوله كرفيع) ناظر للثاني، وهو جعله صفة مشبهة فالأولى حينئذ أن يأتي بنظير لصيغة المبالغة حينئذ (قوله من فقر) أي مأخوذ من فقر.
(قوله بالضم) متعلق بفقر وكون كرم بالضم ظاهر واحتاج لذلك إشارة إلى ما ذكره ابن مالك من قوله وأخذها من لازم وانظر هذا مع قول صاحب المصباح الفقير فعيل بمعنى فاعل يقال فقر فقرا من باب تعب إذا قل ماله قال ابن السراج ولم يقولوا فقر بالضم استغنوا عنه بافتقر انتهى (قوله أي الحاجة) تفسير للفقر والحاجة بمعنى الاحتياج؛ لأنه المصدر لا ما يحتاج إليه من أمتعة الدنيا أي لا من الفقر بمعنى اشتكى فقارة ظهره وفقارة الظهر الخرزة الجمع فقار بحذف الهاء مثل سحابة وسحاب (قوله أي المحتاج كثيرا) أي احتياجا كثيرا فكثيرا صفة لمفعول مطلق وقوله أو الدائم الحاجة أي الدائم الاحتياج في كل زمن وكل مكان ولا يخفى أن دائم الحاجة أبلغ من المحتاج كثيرا؛ لأنه لا يلزم من الاحتياج كثيرا دوام الاحتياج ويلزم من دوام الاحتياج الاحتياج الكثير؛ لأن الكثرة مقولة بالتشكيك إلا أن التألم أكثر في كثرة الاحتياج؛ لأن دائم الاحتياج تمرن عليه فيقل تألمه (قوله من اضطر) أي مأخوذ منه وحينئذ فقوله بضم الطاء بالبناء للمفعول في محله ودائرة الأخذ أوسع وكذا إن قدر مشتق وأجري كلامه على مذهب الكوفيين من أن أصل المشتقات الفعل، وأما إن أجري على مذهب البصريين من أن أصلها المصدر وقدر في الكلام مضاف أي من مصدر اضطر فلا يحتاج لقوله بالبناء للمفعول؛ لأن المصدر مشتق منه المبني للفاعل والمفعول معا وإنما كان بالبناء للمفعول على الأول؛ لأن المضطر اسم مفعول لا يبنى غالبا إلا من.
صفحة ١١
<span class="matn">اللفظ دون التقدير لزوال الحركة الفارقة بينهما بسبب الإدغام ووزنه مفتعل من الضرورة فأصله مضترر وتاء الافتعال تبدل طاء بعد أحد حروف الإطباق وهي الصاد والضاد والطاء والظاء ولا يجوز إدغام الضاد في الطاء لزوال استطالة الضاد بالإدغام ومعناه الملجأ اسم مفعول، وهو أخص من الفقير فيكون نعتا له ويوجد في بعض النسخ بقول العبد الفقير والعبد يقال على أضرب أربعة الأول عبد بحكم الشرع، وهو الإنسان الذي يصح بيعه الثاني عبد بالإيجاد وذلك ليس إلا لله وإياه قصد بقوله {إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا} [مريم: 93] الثالث عبد بالعبودية، وهو المقصود بقوله {واذكر عبدنا أيوب} [ص: 41] ومنه {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} [الإسراء: 1] .
الرابع عبد الدنيا وأعراضها، وهو المعتكف على خدمتها وإياه قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله «تعس
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
فعل مبني للمفعول ويجوز بناؤه للفاعل ذكره التلمساني كما ذكره شرح الناصر
(قوله من الضرورة) أي مشتق من المصدر المجرد لا من المصدر المزيد الذي هو الاضطرار وظهر من هذا التقرير أن مضطر بالطاء مأخوذ من اضطر بالطاء ومضتر بالتاء مأخوذ من الضرورة فتأمل (قوله فأصله مضترر) مفرع على قوله ووزنه مفتعل وأشار إلى أن فيه ميما وتاء من حروف الزيادة التي يجمعها قولك سألتمونيها (قوله وتاء الافتعال) أي المزيد (قوله تبدل طاء) إنما قلبت طاء لتعسر النطق بالتاء بعد هذه الحروف واختير الطاء لقربها من التاء مخرجا (قوله حروف الإطباق) إنما سميت بذلك لانطباق طائفة من اللسان بها على الحنك إلا على عند النطق بها والمناسب التعبير بأحرف أي جمع قلة؛ لأنها أربعة، وهو من ثلاثة لعشرة وجمع الكثرة لما فوقها إلى ما لا نهاية له عند النحويين وأجيب بأنه يستعمل أحدهما في الآخر مجازا وبأن السعد صرح بما يفيد اشتراك الجمعين من ثلاثة إلى عشرة واختصاص جمع الكثرة بما لا نهاية له (قوله وهي الضاد) نحو مضطر.
(قوله والصاد) نحو مصطبر ويجوز فيه البيان والإدغام بقلب الثاني للأول دون عكسه؛ لأن به يزول صفير الصاد (قوله والطاء) المهملة نحو اطتلب فقلبت التاء طاء ويجب الإدغام حينئذ لاجتماع المثلين نحو المطلب بضم الميم وتشديد الطاء وفتح اللام (قوله والظاء) نحو اظطلم فيجوز فيه ثلاثة أوجه البيان أو عدم إدغام الصاد في الطاء والإدغام إما للأول في الثاني أو عكسه وقد روي بالأوجه الثلاثة قول الشاعر
هو الجواد الذي يعطيك نائله ... عفوا ويظلم أحيانا فيظطلم
(قوله لزوال استطالة الضاد) أي استطالتها في الفم لرخاوتها حتى اتصلت بمخرج اللام ولذا أدغمت اللام فيها نحو ولا الضالين واستطالتها عبارة عن امتداد هذا الحرف في مخرجه عند النطق به، وهو اللسان قيل من أوله إلى آخره وقيل من أوله إلى ما قبل آخره على خلاف عندهم (قوله ومعناه الملجأ) أي الشديد الحاجة المجهود الذي لا يرى لنفسه شيئا من الحول والقوة ولا يرى شيئا يعتمد عليه كالغريق في البحر والضال في القفر لا يرى لإغاثته إلا مولاه.
(قوله اسم مفعول) فهو بضم الميم وسكون اللام وفتح الجيم (قوله: وهو أخص من الفقير) أي أقل أفرادا كتب بعضهم ما نصه فيه أنه لم يشترط أحد أن النعت يجب أن يكون أخص من المنعوت أي يكون ما يطلق عليه لفظ النعت أقل أفرادا مما يطلق عليه لفظ المنعوت نعم إذا كانا معرفتين يجب أن يكون الثاني دون الأول في التعريف أو مساويا له فيه ولذلك أشار ابن الحاجب بقوله والموصوف أخص أو مساو والمعنى بقوله النعت دون المنعوت أو مساو له أي كقولك جاءني الرجل العاقل وهذا مثال للمساوي ومثال الدون أكرمت هذا الرجل ومثال الأخص الغير الجائر جاءني الرجل هذا، هذا حاصل ما قيل (وأقول) معنى كلامه أن مفهوم المضطر أخص من مفهوم الفقير ولا شك أن مفهوم النعت أخص من مفهوم المنعوت ولو خصوصا وجهيا فصح قوله فيكون نعتا له فتدبر.
(قوله ويوجد في بعض النسخ) على هذه النسخة يجوز لنا وجهان، وهو أن يكون المضطر نعتا لعبد وأن يكون نعتا للفقير كما قاله السمين من أن الشيء إذا نعت بنعت وأتي بعده بنعت أخص جاز أن يكون نعتا للأول أو الثاني وعلى النسخة التي ليس فيها ذلك يتعين أن يكون نعتا للفقير وفي والتعبير بيوجد إلخ إشارة إلى قلة هذه النسخة (قوله والعبد يقال على أضرب أربعة) أي يحمل على أنواع أربعة أو على جزئياتها زاد في القاموس خامسا، وهو الإنسان ذكرا كان أو أنثى (قوله عبد بحكم الشرع) أي رقيته سببها حكم الشرع بها أي حكم الشارع (قوله عبد بالإيجاد) أي رقيته ومملوكيته ثبتت له بسبب إيجاده أي إخراجه من العدم إلى الوجود.
(قوله عبد بالعبودية) أي رقيته للمولى أو مملوكيته له ليس سببها الإيجاد بل سببها إظهار تذلله له وذلك يكون في الله وغيره (قوله {واذكر عبدنا أيوب} [ص: 41] أي واذكر مملوكنا بسبب عبوديته لنا؛ لأن المقام مقام مدح لا بسبب إيجادنا له لوجودها في الكافر وكذا يقال فيما بعد (قوله عبد الدنيا) لم يضف فيما تقدم بخلاف هذا فأضاف ووجه ذلك أن ما جعل سببا في العبدية لا يوصف بالمالكية إذ المالك في الإيجاد والعبودية لله تعالى والمالك في الرق السيد بخلاف الدنيا فإن من اشتغل بها عن طاعة مولاه تتصف الدنيا بأنها مالكة له فلذلك أضافه لها وفيه أن ذلك ممكن في عبد العبودية ويفرق بينهما بقصد التنفير عن الدنيا وأعراضها والدنيا الدينار والدرهم في هذا المقام، وإن كان لها اطلاق على غير ذلك فقيل إنها كل المخلوقات وقيل غير ذلك.
(قوله وأعراضها) أي ما يعرض بها من التلاهي بسببها (قوله المعتكف) أي المواظب على خدمتها، ثم لا يخفى أن خدمتها ترجع إلى التلاهي فإذن فالأفضل أن يقتصر الشارح على الدنيا فيقول: الرابع عبد الدنيا ولا يزيد وأعراضها (قوله «تعس» )
صفحة ١٢
<span class="matn">عبد الدينار والدرهم» فالعبودية إظهار التذلل والعبادة أبلغ منها؛ لأنها غاية التذلل ولا يستحقها إلا من له غاية الأفضال، وهو الله سبحانه وتعالى ولعل المؤلف أراد بالعبد المعنى الثاني أو الثالث (ص) المنكسر خاطره (ش) أي المتألم قلبه فكل منهما مجاز مرسل فإنه أطلق الانكسار، وهو التفرق على التألم المتسبب عنه والخاطر، وهو الهاجس على القلب الذي هو محله فالعلاقة السببية والمسببية والحالية والمحلية أي فالعلاقة غير المشابهة فلذلك كان كل منهما من المجاز المرسل، ثم
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
بفتح العين وكسرها معناه هلك وسقط كما نقل عن البرماوي (قوله إظهار التذلل) أي إظهار أي جزئي من جزئيات التذلل أو إظهار الحقيقة في أي جزئي من جزئياتها فيستحقها إذن الشيخ والوالد ونحوهما وفي التعبير بإظهار إشارة إلى أن التذلل قلبي ويحتمل أن المراد تحصيل التذلل.
(قوله أبلغ منها) أي أبلغ من جميع أفرادها ما عداها فالعبادة أخص وخلاصته أن العبادة الفرد الأعلى من العبودية (قوله: لأنها غاية التذلل) أي أعلى أفراد التذلل ولا يخفى أن هذا الأعلى يلاحظ واحدا نوعيا كما هو ظاهر لمن تأمل (قوله الإفضال) أي غاية الإحسان أي النوع الأعلى من أنواع الإحسان ليس إلا للمولى تبارك وتعالى والظاهر أن يراد بالنوع الأعلى منه ما لا يتعلق به قدرة العبد (قوله ولعل إلخ) الترجي بالنسبة لأحدهما معينا، وأما أحدهما لا بعينه فهو متعين، ثم أقول لا يخفى أن إرادة عبد العبودية تنكد على قوله المنكسر خاطره لقلة العمل والتقوى فلا تظهر إرادته تأمل والظاهر صحة إرادة عبد الدنيا تواضعا بجعل نفسه غير قائمة بشكر مولاها بتلاهيها بالدنيا وحظوظها كما هو شأن الأكابر؛ لأنهم يرون أنفسهم مقصرة مستحقة لأن يفعل بها كل مكروه.
(قوله خاطره) فاعل بالمنكسر وسوغ ذلك وقوعه صلة لأل فلم يحتج لمسوغ فتدبر وقوله أي المتألم قلبه إسناد التألم للقلب مجاز عقلي (قوله فإنه أطلق الانكسار إلخ) فيه دليل على أنه كما تجري الاستعارة في المصدر قبل جريانها في المشتقات كذلك المجاز المرسل الجاري في المشتقات وبذلك صرح علماء المعاني فلذلك عدل عن المنكسر الواقع في المتن إلى المصدر أي الانكسار إشارة لذلك (قوله على التألم المتسبب عنه) أي في الجملة وإنما قلنا في الجملة؛ لأن هذا التألم القائم به ليس سببه الانكسار الذي هو تفرق أجزاء ما كان صلبا كالحجر والتألم هو الوجع الناشئ عن الضرب أو الجرح مثلا.
(قوله: وهو الهاجس إلخ) فيه نظر فإنه فوق الهاجس ولعله أطلقه عليه مجازا للمجاورة واعلم أن ما يقع في النفس مراتب الأول الهاجس، وهو ما يلقى في القلب ولا يدوم تردده عليه ولا يؤاخذ به إجماعا؛ لأنه ليس من فعل العبد وإنما هو وارد لا يستطيع دفعه الثاني الخاطر، وهو جريانه في القلب ودوام تردده عليه، وهو مرفوع أيضا والثالث حديث النفس، وهو تردده هل يفعل أو لا، وهو مرفوع أيضا لقوله - صلى الله عليه وسلم - «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل» الرابع الهم، وهو ترجيح الفعل أو الترك وهذا يفترق فيه الحسنة والسيئة فيؤاخذ به في الحسنات دون السيئات.
الخامسة العزم، وهو قوة القصد والجزم به بحيث يصمم القلب فيه على الفعل ويؤاخذ به في الحسنات والسيئات وهل إذا عمل يكون عليه وزران وزر العمل ووزر العزم قطعا أو يجري القولان الآتيان في حديث النفس والهم والظاهر الأول، وإن كان بعيدا وحرر.
(فوائد) الأولى: هل يتنزل العزم على المعصية منزلة المعصية في الكبر والصغر والحقارة والعظم فالعازم على الزنا مثلا يأثم إثم الزاني أو لا يتنزل بل العزم عليها مطلق ذنب وسيئة أخرى وليس هذا الذنب كفعلها المعزوم عليه هكذا تردد الباقلاني وجزم غيره بأنه غير فعل المعزوم عليه وإنما هو مطلق سيئة، وهو ظاهر (أقول) وظاهر هذا أنه صغيرة (الثانية) قوله في الحديث ما لم تتكلم به أو تعمل أي، فإن تكلمت به أو عملت بما حدثت به النفس في المعصية لم يتجاوز عنه وهل يكتب عليه وزران وزر حديث النفس ووزر التكلم أو العمل وربما يشهد له ظاهر الحديث أو إنما يكتب عليه وزر واحد، وهو وزر الكلام أو العمل فقط قولان والثاني هو الظاهر.
(الثالثة) قولنا إن الهم بالسيئة لا يكتب عليه أي ما لم يتكلم بتلك السيئة أو يعمل، فإن تكلم بها أو عمل تكتب عليه بالأولى من المرتبة الثالثة ويجري في ذلك القولان.
(الرابعة) قولنا في المرتبة الرابعة أيضا إن الهم لا يكتب عليه سيئة أي ثم يظهر إن تركها خوف الناس أو عدم شهوة لم تكتب له حسنة، وإن تركها خوفا من الله كتبت له حسنة وما قلناه من أن الهم لا يكتب عليه ظاهره ولو في الحرم وقوله تعالى {ومن يرد فيه بإلحاد} [الحج: 25] يراد بالإرادة العزم المصمم أولا ويحمل على فعل الظلم بالفعل وما قلنا من أنه هل يتنزل العزم على المعصية إلخ، وأما العزم على الحسنة فهو كفعلها لكن هل يساوي حينئذ العزم عليها الهم بها الوارد في خبر «ومن هم بها فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة» وفي الواعظ الفتح إن معنى قوله كاملة غير ناقصة أي في عظم القدر لا التضعيف إلى العشر فلم يظهر من ذلك فرق بين العزم على الحسنة والهم بها نعم إن ثبت أن العزم عليها يكتب عشرا افترق مع الهم ويسأل حينئذ ما الفرق بين العزم عليها وبين فعلها الذي فيه عشر حسنات والحاصل أن العزم على الحسنة، وإن كتب حسنة واحدة ساوى الهم على الحسنة، وإن كتب عشرا ساوى فعلها وانظر ما هو الصريح في ذلك نقلا (قوله فالعلاقة إلخ) اختلف فقيل العلاقة ما ذكره الشارح وقيل السببية وقيل المسببية والراجح أن العلاقة فيما نحن فيه السببية وصف المنقول عنه (قوله والحالية والمحلية) فيه ما تقدم والراجح أن العلاقة في ذلك الحالية
صفحة ١٣
<span class="matn">علل الانكسار بقوله
(ص) لقلة العمل والتقوى (ش) وهي لغة قلة الكلام والحجز بين الشيئين واصطلاحا امتثال أمر الله واجتناب نواهيه وإنما ذكر ذلك - رحمه الله تعالى - تواضعا منه وإلا فعمله وتقواه ودينه مشهور وكان من أهل الكشف كشيخه وهضم النفس شأن أهل العلم والدين قال تعالى {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} [النجم: 32] ويقال من رضي بدون قدره رفعه الله فوق قدره (ص) خليل بن إسحاق (ش) خليل فعيل من الخلة وهي صفاء المودة، ثم سمي به المؤلف - رحمه الله - ثم يجوز هنا أن يكون مستعملا في معناه العلمي، وهو الظاهر
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
(قوله قلة العمل) أي الصالح والقرينة عليه المنكسر خاطره؛ لأن انكسار الخاطر لا يكون إلا لفوات العمل الصالح لا لفوات مطلق العمل أو أن الألف واللام فيه للكمال والعمل الكامل هو العمل الصالح والعمل أخص من الفعل؛ لأن الفعل ينسب للبهائم كما ينسب لذوي العقول، وأما العمل فلا يقال إلا فيما كان عن فكر وروية (قوله والتقوى) من تقيت والأصل وقيا قلبت الواو تاء كما في تراث، ثم الياء واوا فصار تقوى، وهو غير منصرف؛ لأن ألفه للتأنيث
(قوله قلة الكلام إلخ) مناسب للمعنى الاصطلاحي؛ لأن قلة الكلام قد تكون من متعلقات الأمر وأيضا يلزم من قلة الكلام في الجملة امتثال الأمر كما هو معلوم وعند أهل المعارف مفهوم (قوله والحجز) كذا في نسخة شيخنا عبد الله المغربي وفي تت وفي بعض النسخ الحاجز إلخ والمناسبة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي ظاهرة وذلك لقوله في ك فكأن المتقي جعل امتثال أمر الله والاجتناب عما نهاه الله حاجزا بينه وبين العذاب (قوله امتثال أمر الله واجتناب نواهيه) أي امتثال أوامر الله قال تت ومن الأوامر الإخلاص والصبر والرضا والزهد والقناعة والتوكل وشكر المنعم والنصيحة ومحبة أهل العلم ما لا بد منه من أمور الدين ومن النواهي الحقد والحسد والبغي والغضب لغير الله والغش والخديعة والمكر والكبر والعجب.
اعلم أن للمتقي كما قال ناصر الدين اللقاني ثلاث مراتب الأولى التوقي عن العذاب المخلد بالتبري عن الشرك وعليه قوله تعالى {وألزمهم كلمة التقوى} [الفتح: 26] والثانية التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر عند قوم، وهو المتعارف باسم التقوى في الشرع، وهو المعنى بقوله تعالى {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا} [الأعراف: 96] والثالثة أن يتنزه عما يشغل سره عن الحق ويتبتل إليه بشري شره أي نفسه وجسمه، وهو التقوي الحقيقي المطلوب بقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} [آل عمران: 102] إلخ فالتقوى في المتن إن أريد بها المعنى الثاني فالعمل مغايرها مفهوما ويلزمها وجودا إن أريد بها المعنى الثالث فهو يغايرها مفهوما وينفك عنها وجودا أي يوجد بدونها انتهى فإذا علمت هذا كله فنقول قد أراد المصنف بالتقوى المعنى الثاني أو الثالث ولا تصح إرادة المعنى الأول.
وقول الشارح امتثال الأمر إن قصر على أمر الوجوب والنهي على نهي التحريم فهو إشارة للمعنى الثاني، وإن عمم في الأمر والنهي حتى يشمل نهي التحريم ونهي الكراهة ونهي خلاف الأولى فيكون إشارة لها بالمعنى الثالث (قوله نواهيه) جمع نهي بمعنى منهياته (قوله تواضعا إلخ) أي فسلك مسلك هضم النفس وكسرها لا مسلك التحدث بالنعمة وللعلماء في ذلك طريقان فمنهم من سلك المسلك الأول ومنهم من سلك المسلك الثاني وكلا المسلكين حسن والأول مسلك الصوفية والثاني مسلك الفقهاء والأصوليين والمحدثين قاله يوسف الفيشي (قوله وإلا فعمله) أي، وإن لم نقل إلخ فلا يصح؛ لأن عمله وتقواه وقوله دينه أي عبادته.
(قوله وكان من أهل الكشف إلخ) فقد مر بشواء بين يديه خروف شواه فناداه وأمره بطرحه للكلاب ودفع له مبلغا فكان قدر ثمنه وقال لا تعد فسئل الشواء عن ذلك فقال اشتريته بخمسة دراهم فمات من الليل وليس عندي شيء فشويته ميتا لأبيعه فكاشفني وقد تبت على يديه وكان جنديا يلبس زي الغزاة المتقشفين ولما أراد الكفار أخذ إسكندرية فبعث السلطان إليها جندا لدفعهم فكان - رحمه الله - من جملتهم (قوله كشيخه) أي الذي هو الشيخ عبد الله المنوفي ومكاشفاته ظاهرة كثيرة منها مكاشفته عليه حين اشتغل في صغره بسيرة البطال ونحوها فكاشفه فقال له من أعظم الآفات السهر في الخرافات (قوله {فلا تزكوا أنفسكم} [النجم: 32] أي تزكية فخر أو تزكية تحدث بالنعمة فيكون إشارة للطريق الأولى طريق الصوفية ويجوز أن يراد فلا تزكوا أنفسكم تزكية فخر لا تزكية تحدث بالنعمة فيكون إشارة للطريق الثانية.
(قوله ويقال من رضي بدون قدره) أي قولا أو فعلا فما نحن فيه من قبيل القول، وأما فعلا فكان لا يجلس في الصدر والحال أنه من أهله أي رضي بمرتبة دون المرتبة التي يقتضيها قدره وقوله رفعه الله فوق قدره أي رفعه الله مرتبة فوق المرتبة التي يقتضيها قدره وحاصل ما أشار له القرطبي أن التواضع إن كان لله أو لرسوله أو الشيخ أو الوالد أو السلطان أو الحاكم فواجب ولسائر الناس مندوب ما لم يكن لأجل دنياهم أو ظلمهم فحرام إلا لخوف (قوله خليل) بدل من الفقير أو المضطر أو عطف بيان عليه؛ لأن نعت المعرفة إذا تقدم عليها أعرب بحسب العوامل وأعربت هي بدلا أو عطف بيان وصار المتبوع تابعا ونعت النكرة إذا تقدم عليها نصب على الحال كقوله تعالى {ولم يكن له كفوا أحد} [الإخلاص: 4] (قوله خليل فعيل) أي على وزن فعيل.
(قوله من الخلة) أي بضم الخاء، وأما بفتحها فبمعنى الحاجة وقد تقدم بيانه (قوله المودة) أي المحبة الصافية أي الخالصة من مشاركة الأغيار (قوله ثم سمى به المؤلف) أي أنه في الأصل صفة مشبهة، ثم سمي المؤلف به هذا بحسب الواقع وبعد فيجوز في المقام أمران إلخ (قوله: ثم يجوز) خلاصته أنه يجوز إبقاؤه على علميته ويجوز أن يقصد تنكيره (قوله في معناه العلمي)
صفحة ١٤
<span class="matn">والقصد بما بعده إزالة ما عرض له من الإبهام بالاشتراك. وقوله ابن إما نعت لخليل أو عطف بيان أو خبر لمبتدأ محذوف أي هو ابن إسحاق والجملة إما استئناف جواب سؤال مقدر كأنه قيل ومن خليل أو حال لازمة ويجوز أن يكون منكرا أي شخص ما سمي بخليل وعليه فابن خبر مبتدأ محذوف أي هو ابن إسحاق والجملة نعت لخليل والقصد بها تخصيصه وتعيينه (ص) ابن يعقوب المالكي (ش) ابن بالجر نعت لإسحاق ويوجد في بعض النسخ بن إسحاق بن موسى، فإن قلت وعلى كل فإن هذه الكنية لا تميزه لاشتراكها بينه وبين بعض الناس قلت هذا الإلباس مما لا يضر هنا؛ لأنه ليس المقصود نسبته إلى أبيه بل مجرد تمييزه بهذه الكنية وقد غلبت هذه الكنية عليه دون غيره ودون نسبته إلى غير جده كأبيه وذكر ابن حجر في الدرة الكامنة أنه يكنى بأبي محمد ويلقب بضياء الدين انتهى وكان والده حنفيا يلازم أبا عبد الله بن الحاج والشيخ عبد الله المنوفي فشغل ولده مالكيا فقوله المالكي ليس نعتا للمضاف إليه؛ لأن إسحاق والده كان حنفي المذهب
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
أي في معناه المنسوب للعلم من حيث كونه مدلولا له فهو من نسبة المدلول للدال (قوله بالاشتراك) اللفظي؛ لأن خليلا مشترك اشتراكا لفظيا (قوله إما نعت لخليل إلخ) لا يخفى أن النعت يكون بالمشتق وشبهه كما أشار له ابن مالك بقوله
وانعت بمشتق كصعب وذرب
إلخ.
ولا يخفى أن ابن ليس واحدا من المشتق ولا من شبهه كما يعلم من شرح الأشموني وأيضا أن كونه بيانا يقتضي الجمود والنعتية تقتضي الاشتقاق وبينهما تناف فجعله نعتا بناء على ملاحظة تأويله بمنسوب، وإن خالف ما تقدم وجعله بيانا بناء على عدم تأويله ومن المعلوم أن ما صح أن يكون بيانا يصح أن يكون بدلا كما هو معلوم فلا يعترض ويقال الأولى أن يزيد أو بدل (قوله ومن خليل) لا يقال كان الأولى أن يقول وابن من خليل؛ لأنا نقول لا يلزم هذا إلا لو أريد تعيينه بكونه ابن من ليس كذلك بل القصد تمييزه بأي شيء كان والتمييز بجزئي لا يتعين أن يكون السؤال عن ذلك الجزئي (قوله أو حال لازمة) لا يخفى أنه لا يظهر أن يكون حالا لازمة؛ لأنه حيث كان لفظ خليل مشتركا اشتراكا لفظيا فلا يكون بنوة إسحاق لازمة له كما هو ظاهر.
(قوله ويجوز أن يكون منكرا) أي علم قصد تنكيره بحيث صار المراد به بعد التنكير ذاتا ما مسماة بخليل أي مسمى مصدوقها أي مسمى كل واحد من مصدوقاتها بخليل فهو تنكير طارئ لا أصلي؛ لأن الأصالة إنما هي للصفة لا العلمية ولا التنكير (قوله وعليه فابن خبر) أي ولا يصح أن يكون نعتا ولا عطف بيان لكونه يشترط موافقة المنعوت للنعت والمبين للبيان في التعريف والتنكير وخليل حينئذ نكرة وابن إسحاق معرفة، ثم نقول إنه اعترض على هذا الاحتمال بأن المصنف قصد به تعريف نفسه كما تقدم، وهو ينافي التنكير، ثم قال ولا يقال الوصف يحصل به التعيين؛ لأنا نقول ما لا يحوج تقدم مراعاته على ما يحوج انتهى.
والظاهر صحة كل، وإن كان الأول أولى؛ لأن الوصف لا بد منه في التمييز سواء جعل علما أو اسما منكرا أي قصد تنكيره؛ لأنه إذا جعل علما حصل فيه الاشتراك (قوله تخصيصه وتعيينه) اعلم أن التعيين والتخصيص مترادفان لغة فقد قال الجوهري تعيين الشيء تخصيصه (قوله نعت لإسحاق) فيه ما تقدم (قوله يوجد في بعض النسخ) قال تت ابن موسى ووهم من قال ابن يعقوب والقائل به هو ابن غازي وما قاله تت هو الذي قاله الحافظ ابن حجر في الدرة الكامنة في أبناء المائة الثامنة وقد وجد بخط المؤلف نحو ذلك كما قاله محشي تت (قوله فإن هذه الكنية) التي هي ابن يعقوب على النسخة الأولى أو ابن موسى على الثانية.
(تنبيه) : ليست هذه كنية وقول بعضهم ما صدر بابن أو بنت فهو مخصوص بأعلام الأجناس كابن عرس أو بنت عرس (قوله لا تميزه) أي أن تلك الكنية التي هي ابن يعقوب أو ابن موسى (قوله هذا الإلباس) المناسب هذا الاشتراك، وإن صح أن يراد بالإلباس المترتب على الاشتراك (قوله: لأنه ليس المقصود إلخ) أي ليس المقصود نسبته إلى أبيه في تحصيل التمييز أي ليس العلة في التمييز نسبته إلى أبيه أي أبيه الأعلى والأولى إلى جده وقوله بل مجرد أي بل المقصود تمييزه مجردا عن كونه العلة فيه النسبة إلى جده؛ لأنه قد غلبت أي القصد التمييز والعلة فيه الغلبية لا النسبة المذكورة، ثم إن هذا كله لا يأتي إلا لو قال خليل بن يعقوب (قوله وقد غلبت) أي؛ لأنه قد غلبت، وإن كان معها اشتراك (قوله دون غيره) محترز قوله عليه وقوله ودون نسبته محترز قوله هذه الكنية أي إن الذي غلب عليه إنما هو ابن يعقوب دون ابن إسحاق (قوله كأبيه) تمثيل لقوله غير جده ولعل الأحسن في الجواب إن قلت وعلى كل فإن تلك النسبة التي هي ابن إسحاق بن يعقوب أو ابن موسى لا تميز لوجود الاشتراك قلت هذا الاشتراك لا يضر هنا؛ لأن تلك النسبة قد غلبت عليه دون غيره بحيث إذا أطلق خليل بن إسحاق بن يعقوب لا ينصرف إلا لهذا الإمام نفعنا الله به.
(قوله ابن حجر) أي الحافظ الذي هو العسقلاني لا الهيتمي (قوله في الدرة الكامنة) أي في أبناء المائة الثامنة أنه يسمى محمدا ويلقب بضياء الدين كذا في خط المصنف أن اسمه محمد وتلقيبه بضياء الدين على ما قال ابن حجر وفي نسخة يكنى بأبي محمد ويلقب بضياء الدين ولكن بعد أن عرفت نسخته فلا ينبغي أن يسمى بخليل فقط؛ لأنه المنقول عن أهل مذهبه وهم أعلم باسمه من غيرهم (قوله فشغل ولده مالكيا) أي بملازمته محبة هؤلاء العلماء العاملين (قوله كان حنفي المذهب) وذكر المصنف أن والده كان من الأولياء الأخيار وذكر له مكاشفات وذكر عن نفسه أنه في صغره قرأ سيرة البطال، ثم شرع في غيرها من الحكايات ولم يطلع عليه أحد من الطلبة فقال له الشيخ عبد الله يا خليل من أعظم الآفات السهر في
صفحة ١٥
<span class="matn">ص) - رحمه الله - (ش) هي جملة خبرية قصد بها الدعاء له عملا بما يلزم في مكارم الأخلاق من الثناء والدعاء للمؤلف لاعترافه له بالفضل وأتى بها فعلية لحدوث المسئول بها وأتى بها خبرية تفاؤلا بالإجابة، وإن كان أصل الدعاء بلفظ الأمر كاغفر لنا وخص الرحمة لأنها تجمع كل خير، مات - رحمه الله - في ثالث عشر ربيع الأول سنة سبع وستين وسبعمائة وذكر بعض أن بعض الطلبة رأى المؤلف بعد وفاته وأخبره أن الله غفر له ولمن صلى عليه.
(ص) الحمد لله (ش) لما افتتح بالبسملة افتتاحا حقيقيا افتتح بالحمدلة افتتاحا إضافيا، وهو ما تقدم على الشروع في المقصود بالذات جمعا بين حديثي البسملة والحمدلة والحمد لغة هو الثناء باللسان
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
الخرافات.
قال فعلمت أن الشيخ علم بحالي وانتهيت من ذلك الحين وذكر ابن غازي أنه كان مشتغلا بما يعنيه حتى أنه أقام بمصر عشرين سنة لم ير النيل وأنه جاء لمنزل بعض شيوخه فوجد الكنيف مفتوحا ولم يجد الشيخ فقيل له إنه شوشه هذا الكنيف فذهب ليأتي بمن ينقيه فقال الشيخ خليل أنا أولى بتنقيته فشمر ونزل فجاء الشيخ فوجده على تلك الحال والناس قد حلقوا عليه تعجبا من فعله فقال من هذا قالوا خليل فاستعظم ذلك ودعا له عن قريحة صادقة فنال بركة ذلك ووضع الله البركة في عمره (قوله - رحمه الله -) لم يقل رحمني الله؛ لأن خليل اسم ظاهر من قبيل الغيبة فناسب ضمير الغائب (قوله له) أي لنفسه (قوله في مكارم) في بمعنى من مقدمة من تأخير والتقدير عملا بالذي يلزم أو بشيء يلزم أي يتأكد من الدعاء والثناء للمؤلف حالة كون ذلك معدودا من مكارم الأخلاق أي محاسن الأخلاق، وهو من إضافة الصفة للموصوف أي الأخلاق المحاسن أي الحسنة (قوله من الثناء والدعاء) لا يخفى أنه دعاء فقط لا ثناء ويجاب بأنه، وإن كان دعاء صريحا فهو ثناء ضمنا (قوله للمؤلف) المقام للإضمار ونكتة الإظهار التحدث بالنعمة من حيث كونه موصوفا بالتأليف (قوله لاعترافه) أي الداعي له أي للمؤلف بالفضل أي بالإحسان من تأليفه ذلك المختصر الذي هو نعمة ومنة لم تساوها منة، ثم لا يخفى أن هذا يفيد أن جملة - رحمه الله - من وضع بعض الطلبة لا أنها من كلامه - رحمه الله -، وهو بعيد ويمكن أن يقال أنها من كلامه - رحمه الله - وقصد بذلك الإشارة إلى أن القارئ إذا جاء لتلك الجملة يلاحظ إنشاء الدعاء له (قوله لحدوث المسئول بها) أي الذي تدل عليه الفعلية لا ثبوته ودوامه الذي تدل عليه الاسمية والأمر في ذلك ظاهر فلا حاجة إلى الإطالة بالبيان والمسئول هو الرحمة (قوله تفاؤلا بالإجابة) أي ترقبا للإجابة أي فكأن الرحمة حصلت بالفعل وصار يخبر بها.
(قوله وخص الرحمة؛ لأنها تجمع كل خير) جواب عما يقال هلا قال غفر الله له وحاصل الجواب أنه لو قال مثلا غفر الله له لكان قاصرا على سؤال محو الذنب فلا يشمل طلب نعم أخرى من نعم الآخرة أي والرحمة بمعنى الإنعام تشمل محو الذنب وغيره، فإن قلت إن الإنعام حقيقة في تعلق القدرة بشيء منعم به يثبت له وجود في الخارج فلا يشمل سؤال العفو فلا يظهر قوله تجمع قلت نعم إلا أن الرحمة تعورفت فيما يشمل محو الذنب فالشمول باعتبار العرف (قوله سبع وستين) بسين وباء كما هو بخطه - رحمه الله - خلافا لما يوجد في بعض النسخ من أنه بالتاء فإنه ليس موجودا في خط الشارح وكذا هو موجود في تت في صغيره وكبيره بتقديم السين وبعدها باء موحدة وقال ابن حجر في الدرة الكامنة سنة تسع بتقديم التاء على السين ونحوه للشيخ تقي الدين الفاسي والشيخ أحمد زروق وبعضهم عزا ذلك لتت ولعله وقع في نسخته كذلك وفي ابن غازي سنة ست وسبعين ونحوه لابن مرزوق قائلا حدثني بذلك القاضي الفقيه ناصر الدين الإسحاقي المصري، وهو من أصحاب المصنف ومن حفاظ هذا المختصر كما أشار لذلك محشي تت (قوله ولمن صلى عليه) أي غفر لمن صلى عليه الذنوب الماضية فقط وبعدها معرضون لإصابتها أو والمستقبلة على تقدير وقوعها وفضل الله واسع أو الماضية فقط ويحفظون بعد وقوعها والمراد صلى عليه جنازته.
(قوله حقيقيا) نسبة للحقيقة أي حقيقة الافتتاح فهو من نسبة الشيء إلى نفسه مبالغة أو أن تلك النسبة ليست مراده والمراد من هذا اللفظ ما هو معلوم من أن المراد به الابتداء الذي لم يسبقه شيء (قوله: وهو ما تقدم إلخ) فيه إشارة إلى أن الابتداء الإضافي أعم أي إن الافتتاح الإضافي هو الافتتاح المتقدم على الافتتاح في المقصود فبان بذلك ظهور كلام الشارح من أن فيه تقديم افتتاح على افتتاح (قوله بالذات) أي قصده جاء له من ذاته لا من غيره بخلاف البسملة والحمدلة فإنهما، وإن كانتا مقصودتين إلا أن القصدية لم تحصل لهما من نفسهما بل من غيرهما، وهو المقصود بالذات (قوله جمعا إلخ) علة لقوله لما افتتح بالبسملة إلخ (قوله بين حديثي) أي بين العمل بحديثي البسملة والحمدلة قد تقدم في الشارح حديث البسملة وورد في الحمدلة «كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم» رواه أبو داود وغيره وحسنه ابن الصلاح وغيره ك وحاصل ما في ذلك أنه قد تقدم الحديث المتعلق بالابتداء بالبسملة وورد في الحمدلة «كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم» رواه أبو داود فجاء التعارض فدفع الشارح التعارض بأن حمل حديث البسملة على الابتداء الحقيقي والحمدلة على الابتداء الإضافي ولم يعكس لموافقة القرآن العزيز ولقوة حديث البسملة على حديث الحمدلة وهناك أجوبة لا حاجة للإطالة بذكرها.
(قوله لغة) أي في لغة العرب أي حال كونه معدودا في الألفاظ الموضوعة المستعملة للعرب، وهو حال من الحمد؛ لأنه في الحقيقة مضاف إليه والتقدير وتفسير الحمد حالة كون الحمد لغة فلا يرد ما يقال إنه حال من المبتدأ، وهو قول ضعيف (قوله باللسان) بمعنى آلة النطق ولو غير المعهودة فيشمل
صفحة ١٦
<span class="matn">على الجميل الاختياري على جهة التعظيم سواء كان في مقابلة نعمة أم لا واصطلاحا فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما سواء كان ذلك الفعل اعتقادا بالجنان أو قولا
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
الثناء المنطوق به بغيرها خرقا للعادة وخرج به الثناء بغيره كالحمد النفسي وحمد الجماد إن لم يكن لفظيا خرقا للعادة فليس حمدا لغة حقيقة بل مجازا، وإن كان ثناء حقيقة بناء على أن الثناء الإتيان بما يدل على اتصاف المحمود بالصفة الجميلة ولو بغير اللسان، وهو الراجح المفهوم من كلام الجوهري وغيره ذكره ابن عبد الحق فلا يكون قيد اللسان مستدركا.
(قوله على الجميل الاختياري) أي لأجل الفعل الجميل الاختياري تعليل للثناء وهذا الفعل الموصوف بما ذكر هو المحمود عليه، وأما المحمود به فإنه لا يشترط فيه الاختيار وقد دل عليه في التعريف بلفظ الثناء فإنه كما تقدم الإتيان بما يدل على اتصاف المحمود بالصفة الجميلة التي مصدوقها المحمود به وإذا كان المحمود عليه يشترط فيه أن يكون اختياريا يكون الحمد مختصا بالفاعل المختار بخلاف المدح فإنه يعم الاختياري وغيره قاله في ك والمراد بالجميل الأمر الحسن أعم من أن يكون حسنا في حد ذاته، وهو ظاهر أو بحسب اعتقاد المحمود كقولك للذي تصفه بصفة دنيئة لكنها حسنة في اعتقادك أو اعتقاد مخاطبك أنت كناس وأورد على قيد الاختياري أنه يلزم عليه عدم صحة حمدا لله سبحانه على صفاته الذاتية كالعلم والقدرة والإرادة؛ لأن تلك الصفات المقدسة ليست بأفعال ولا يوصف ثبوتها بالاختيار وأجيب بأنها لما كانت مبدأ لأفعال اختيارية كان الحمد عليها باعتبار تلك الأفعال فالمحمود عليه فعل اختياري في المآل انتهى فخلاصته أن المراد ما كان اختياريا بنفسه أو بأثره.
(تنبيه) : الحمد يتوقف على أمور خمسة فهي أركان له محمود به ومحمود عليه وحامد ومحمود وصيغة فالمحمود به هو المعنى الذي دل عليه الصيغة كقولك زيد عالم فالصيغة هي هذا اللفظ ومدلولها، وهو ثبوت العلم لزيد هو المحمود به، وأما المحمود عليه فهو ما كان الوصف بالجميل في مقابلته، ثم أنهما قد يختلفان بالذات كمن أعطاك شيئا فكان باعثا لك على وصفك له بالعلم أو الحلم وقد يختلفان بالاعتبار بأن يكون الشيء الواحد محمودا به ومحمودا عليه لكن باعتبارين مختلفين وذلك بأن يكون الباعث على الوصف بصفة اتصافه بتلك الصفة كمن رأيته يفعل فعلا جميلا وصار ذلك باعثا لأن تظهره فتقول هو صلى أو أنعم فهذه الصفة من حيث إنها باعثة على إظهارك اتصافه بها محمود عليها ومن حيث إنك وصفته بها وأظهرت أنها من صفاته محمود بها، وأما الحامد فهو الواصف الذي يتحقق منه الوصف، وأما المحمود فهو الفاعل المختار إما حقيقة أو حكما ليدخل حمدا لله على صفاته، وأما الصيغة فهي اللفظ الذي يدل على المحمود به كما تقدم.
(قوله على جهة التعظيم) أي حالة كونه مصاحبا لجهة التعظيم لا للتعظيم فلا يشترط بل المشترط جهته وهي عدم منافاة القلب والجوارح للسان والحاصل أن الموافقة لا تشترط بل المشترط عدم المنافاة لهما، ثم نقول أخرج به الوصف بالجميل تهكما نحو {ذق إنك أنت العزيز الكريم} [الدخان: 49] ، وهو مستدرك؛ لأنه ليس ثناء بالجميل بل وصف للمتهكم به بما ليس متصفا به حقيقة بل مجازا إما باعتبار ما كان في الدنيا أو باعتبار ضد حال المتهكم به فيها؛ لأن كونه في النار ينفي عنه العزة والكرم ولم يقل مع التعظيم بل قال على جهة إشارة إلى أنه لا يشترط موافقة القلب والجوارح للسان بل المشترط عدم منافاتها للسان كما هو ظاهر وما أفاده الشارح من كونه يحتاج إلى قوله على جهة التعظيم فقد رددناه كما هو مبين فيما كتبناه على ابن عبد الحق فليراجع (قوله سواء كان في مقابلة نعمة) أي إنعام أم لا هو بمعنى قولهم سواء تعلق بالفضائل أو بالفواضل الأولى: جمع فضيلة، وهي المزية القاصرة على من صدرت عنه، والثانية جمع فاضلة وهي المزية المتعدية كالإنعام وفي العبارة حذف همزة التسوية وهي بمعنى إن الشرطية وقوله سواء خبر مبتدأ محذوف، وهو الأمران والجملة جواب الشرط والتقدير إن كان في مقابلة نعمة أو لا فالأمران سواء قال في ك وتخصيص الفضائل بالتي لا تتعدى والفواضل بالتي تتعدى ليس بحسب أصل اللغة؛ لأن أصل اللغة لا يفرق بينهما فلعل التخصيص اصطلاح لبعض العلماء أو لغوي لكن لا بحسب أصل اللغة انتهى. وخلاصته أن هذا التعميم تنويع في الجميل الاختياري ولو قال وسواء كان هذا الجميل نعمة أم لا لكان أوضح.
(تنبيه) : قد استشكل ما ذكر بأنه إن أريد تعدي ذوات الملكات فليس شيء من الملكات تتعدى ذاته، وإن أريد تعدي أثرها فالعلم والقدرة يتعدى أثرهما للغير والتحقيق في الجواب أن المراد تعدي الأثر ولكن المزية المتعدية ما يتوقف تحققها على تعدي الأثر مثال كونه في مقابلة نعمة أن تحمده على إكرامه للغير الحامد أو غيره ومثال الثاني أن تحمده على حسن خطه مثلا (قوله ينبئ عن تعظيم) أي يشعر في حد ذاته بحيث لو اطلع عليه علم تعظيمه ولا ريب في تحقق هذا المعنى في الشكر الجناني ولا يقدح فيه الجهل بالمنبئ كما لا يقدح في دلالة اللفظ الموضوع لمعنى الجهل بالوضع وعدم الاستعمال فاندفع ما يقال لا يصح أن يكون اعتقاد الجنان من أقسام الشكر لعدم الإنباء فيه إذ لا معنى لإنبائه بالنسبة إلى المعتقد، وأما غيره فلا يطلع ولو اطلع بقول أو فعل فذلك المطلع به هو الشكر؛ لأنه المنبئ لا الاعتقاد كذا قيل وفي ك.
وقوله فذلك المطلع إلخ ممنوع بل هناك شكران أحدهما منبئ عن الآخر وكل منهما فعل ينبئ عن التعظيم (قوله بسبب إلخ) متعلق بقوله فعل أي هذا الفعل الموصوف بما ذكر بسبب كونه منعما وهذا أحسن من الذي قررنا سابقا من أنه يجوز تعلقه بينبئ وتعلقه ب " تعظيم " مراعى فيه غيره (قوله سواء كان ذلك الفعل اعتقادا بالجنان) بأن يعتقد اتصافه بصفة الكمال والمراد من الاعتقاد التصديق جاز ما أو راجحا ثابتا أو لا وقيل
صفحة ١٧
<span class="matn">باللسان أو عملا وخدمة بالأركان أي الأفعال الظاهرة والمدح والشكر مذكوران في الشرح الكبير مع فوائد نفيسة وكذلك هل الأداة في الحمد للاستغراق أو للجنس أو للعهد أقوال مبسوطة في الأصل أيضا وذكر مع الحمد الاسم الكريم الجامع لمعاني الأسماء والصفات إذ يضاف إليه غيره ولا يضاف إلى غيره فيقال الرحمن مثلا اسم الله ولا يقال الله اسم الرحمن إشارة لاستحقاقه تعالى الحمد لذاته ولصفاته (ص) حمدا يوافي ما تزايد من النعم (ش) حمدا
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
المراد الجزم وقوله بالجنان تأكيد؛ لأن الاعتقاد لا يكون إلا به كقوله نظرت ببصري وقوله أو قولا باللسان أما أن يجعل كالأول لكون المتبادر القول اللساني أو مخصص بناء على عمومه للقول اللساني والنفساني وأراد بالفعل ما قابل الانفعال فيصدق بالكيف الذي التصديق من أفراده (قوله أو عملا وخدمة بالأركان) أي بهذا الجنس المتحقق في واحد ومعناه أن يتعب نفسه في طاعته وانقياده قال في ك وعطف الخدمة على العمل في التعريف إشارة إلى أن العمل إنما يكون شكرا إذا كان على جهة الخدمة دون الأجرة كذا قيل وفيه نظر إذ في التعريف ما يدل على أنه في مقابلة الأجرة؛ لأنه قال بسبب كونه منعما انتهى (وأقول) إنما قال وخدمة إشارة إلى أن ذلك العمل إنما يكون حمدا حقيقة إذا كان على وجه الذل والمسكنة التي هي صفة الخديم، وأما إذا لم يكن بتلك الصفة فلا يقال له حمد حقيقة.
(قوله أي الأفعال الظاهرة) لا يستقيم إلا بتقدير مضاف أي آلات الأفعال الظاهرة فبين الحمد اللغوي والحمد الاصطلاحي العموم والخصوص الوجهي يجتمعان في ثناء بلسان في مقابلة إنعام وينفرد الحمد اللغوي في ثناء بلسان لا في مقابلة إنعام كأن يقع في مقابلة قراءته قراءة جيدة (قوله والمدح) أي المدح لغة الثناء باللسان على الجميل سواء كان اختياريا أم لا على جهة التعظيم وعرفا فعل من المادح ينبئ عن تعظيم الممدوح يدل على اختصاص الممدوح عنده عن غيره ولو كان اختصاصا نسبيا بنوع من الفضائل أو الفواضل سواء كان ذلك الفعل الدال على ما ذكر باللسان أم بالجنان أم بالأركان
(قوله والشكر) الشكر لغة هو الحمد اصطلاحا فهما مترادفان إذا لم تقيد النعمة في الشكر بإيصالها إلى الشاكر وإلا فبينهما العموم والخصوص المطلق وعرفا صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه إلى ما خلق لأجله (قوله وكذلك) حاصله أن أل تحتمل أن تكون للاستغراق كما عليه الجمهور فيكون مفادها بالمطابقة أن كل فرد من أفراده مختص في الحقيقة به أي مقصور عليه لا فرد منه في الحقيقة لغيره، وإن كان له في الظاهر إذ ما من محمود عليه إلا، وهو منه بوسط أو بغيره وأن تكون للجنس كما عليه الزمخشري فيكون مفادها ذلك بالالتزام؛ لأن مفادها بالمطابقة جنس الحمد مختص بالله وما ذكر لازم له إذ يلزم من اختصاص جنس الحمد بالله اختصاص كل فرد من أفراده به وإلا لم يكن الجنس مختصا به لتحققه في الفرد المفروض ثبوته له هذا خلف وحكي عن الشيخ أبي العباس المرسي - رحمه الله - أنه قال قلت لابن النحاس النحوي ما تقول في الألف واللام في الحمد لله أجنسية هي أم عهدية فقال يا سيدي قالوا إنها جنسية فقلت له الذي أقول إنها عهدية وذلك أن الله تعالى لما علم عجز خلقه عن كنه حمده حمد نفسه بنفسه في الأزل نيابة عن خلقه قبل أن يحمدوه، ثم أمرهم أن يحمدوه بذلك الحمد فقال يا سيدي أشهدك أنها عهدية وهذا معنى حسن. (قوله الاسم الكريم) أي النفيس العزيز كما يفيده المصباح (قوله الجامع لمعاني الأسماء والصفات) لا يخفى أن ما عدا الاسم الكريم كله صفات أي ألفاظ دالة على ذات وصفة كالوهاب الفتاح العليم فليس فيها اسم دال على الذات فقط كما هو ظاهر لفظه فلا مخلص إلا بأن يجعل العطف للتفسير تنبيها على أنه ليس المراد بالأسماء ما دل على مجرد الذات بل المراد بها ما دل على الذات والصفة وتلك الجمعية من جمعية الدال للمدلول أي دلالته عليه، ثم إذن يكون ظاهرا في المرور على طريقة شيخ الإسلام أن المدلول للفظ الجلالة الذات مع الصفة (قوله إذ يضاف إليه غيره) أي إذ ينسب إلى معناه غيره، وهو علة لقوله الجامع إلخ ولا يضاف إلى غيره أي ولا ينسب إلى معنى غيره (قوله فيقال الرحمن مثلا اسم الله) أي اسم مدلول الله، فإن قلت مدلول الله الذات وجميع الصفات والرحمن إنما مدلوله الذات والرحمة فلا يظهر إذن كون الرحمن اسم الذات وجميع الصفات ويمكن أن يجاب بأن معنى الاسمية له أنه مما يطلق على ذلك باعتبار تحقق مدلوله فيه من تحقق الجزء في الكل (قوله ولا يقال الله اسم الرحمن) أي ولا يقال الله اسم الذات مع الرحمة؛ لأن مدلوله أي الله، وهو الذات مع كل الصفات ليس متحققا في مدلول الرحمن بخلاف مدلول الرحمن فهو متحقق في مدلول الله هذا ما ظهر للفقير ولم يره، ثم أقول ويمكن جريان هذا على التحقيق المتقدم بتكلف وقد تقدم الإشارة إليه فتدبر (قوله إشارة) تعليل لقوله وذكر إلخ (قوله لذاته ولصفاته) أي لذاته وكل صفاته ذاتية وفعلية ولو قال الحمد للعليم أو الخالق مثلا لكان حمدا لذاته وبعض صفاته لا ذاته وكل صفاته وخلاصته أنه حيث قال الحمد لله فهو حمد على الذات وجميع الصفات لكون لفظة الجلالة دالة على ذلك كله بخلاف نحو العالم والقادر مثلا ويجوز أن يراد بالصفات الذاتية ويكون في العبارة حذف والتقدير الحمد لذاته وصفاته الذاتية كما يستحقه لصفاته الفعلية، ثم قوله إشارة إلخ ظاهر في كون الذات وجميع الصفات محمودا عليه ولا يتم ذلك إلا إذا كانت اللام في لله للتعليل وتقديرهم مختص أو مملوك أو مستحق ينافيه؛ لأن مفاده أن الذات وكل الصفات محمودة إذا كانت للاختصاص أو الاستحقاق أو الملك من حيث كونه محمودا أو حامدة إذا كانت للاختصاص مثلا من حيثية كونه حامدا (قوله من النعم)
صفحة ١٨
<span class="matn">منصوب بفعل مقدر أي أحمده حمدا لا بالحمد المذكور لفصله عنه بالخبر، وهو أجنبي منه كما هو مبين في الشرح الكبير.
والمعنى أحمد الله حمدا يفي بما تزايد من نعم الله ويأتي عليها ولما كانت النعم لا تحصى لزم من ذلك أن آحاد هذا الحمد لا تحصى إذ ما لا يتناهى لا يفي به إلا مثله وفي قولنا يفي به مسامحة لإيهامه الانقضاء وإنما المراد عدمه فكأنه قال حمدا لا نهاية له وجاء بيوافي بصيغة المفاعلة لإفادة المبالغة بما في الصيغة من المغالبة وما يغالب به يؤتى به على أقوى ما يمكن ذكره الزمخشري في بعض الاحتمالات عند قوله تعالى {يخادعون الله} [البقرة: 9] فالنعم لتزايدها كأنها أبدا تغالب الحمد والحمد الذي يغالبها كأنه يريد أن لا يفوته شيئا منها اه.
ولما كانت النعم جمع نعمة والنعمة تطلق على الإنعام الذي هو إيصال المنعم به إلى المنعم عليه، وهو هنا فعل من أفعال الله وعلى الشيء المنعم به نبه الحطاب بقوله بمعنى إنعام أو بمعنى منعم به على جواز إرادة كل منهما وهي
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
بيان لما أي يوافي النعم التي من شأنها الزيادة وعدم الوقوف على حد فلا حاجة إلى الإطالة بما قيل هنا (قوله لفصله عنه بأجنبي) أي، وإن كان مرفوعا بالمبتدأ على الصحيح؛ لأن للحمد جهتين جهة ابتدائية وبها يعمل في الخبر وجهة مصدرية وبها يعمل في المفعول المطلق فلو عمل النصب فيما بعد الخبر لكان عاملا بها ولزم فصل معموله أي، وهو حمدا باعتبار جهة وهي جهة المصدرية بمعموله أي، وهو الخبر باعتبار جهة الخبر وهي الابتدائية تنزيلا لتغاير الجهتين منزلة تغاير الذاتين فتأمل كما أشار إلى ذلك الناصر اللقاني لكن ظاهر كلامهم أن الذي يضر الفصل بالأجنبي المحض الذي لا يكون معمولا للمصدر أصلا ويؤيد ذلك أن الفصل بما أضيف إليه المصدر لا يضر مع أنه معموله من حيث عمل الجر فيه باعتبار جهة إضافته لا باعتبار جهة مصدريته فليتأمل وقد يقال لو سلمنا أن اختلاف جهة العمل بمنزلة اختلاف الذات فالقائل بأنه منصوب بالحمد المذكور لم يبال بذلك الفصل لأنه لما كان الخبر ظرفا ضعف الفصل به على أنه يمكن أن يقال إن المبتدأ طالب هنا للخبر من الجهة التي طلب بها حمدا بحسب المعنى؛ لأنه في المعنى مفعول الحمد انتهى ك.
(تنبيه) : مراده بالخبر، وهو لفظة لله بناء على أن الجار والمجرور هو الخبر (قوله ويأتي عليها) تفسير لقوله يفي ومعنى الإتيان أنه لا يكون فرد من النعم إلا وفي مقابلته حمد فلا تخرج نعمة عن كونها في مقابلتها حمد (قوله لا تحصى) أي لا تتناهى يدل عليه التعليل وكذا يقال فيما بعد (قوله آحاد هذا الحمد) فيه أنه حمد جزئي صادر من المصنف فكيف تكون له أفراد ويجاب بأن هذا على المبالغة وقوله؛ لأن ما لا يتناهى أي ما لا يقف عند حد لا يفي به إلا مثله أي حمد لا يقف عند حد وليس المراد أن النعم المحمود عليها الموجودة في الخارج لا نهاية لها في نفسها؛ لأن ما دخل في الوجود من الحوادث فهو متناه إلا أنك خبير بأن الحمد لا يكون إلا على ما دخل في الوجود إلا أن يكون ذلك كناية عن كثرة النعم الموجودة جدا حتى صارت كأنها لا نهاية لها أو أنه لاحظ أن هذه النعم غير الموجودة لما كانت في قوة الموجود لقوة الرجاء في الله لاحظ أن الحمد واقع في مقابلتها أيضا (قوله فكأنه قال حمدا لا نهاية له) قد يقال إن المعنى وأصفك بالجميل وصفا لا نهاية له ولا يخفى ما فيه؛ لأن وصفه منقض ومنعدم فأين عدم النهاية والجواب أن يقال عدم النهاية تخييل لا تحقيق (قوله وجاء يوافي) كذا في نسخة الشارح فإذن يكون قوله يوافي فاعل جاء (قوله بصيغة المفاعلة) ؛ لأن يوافي مأخوذ من الموافاة أي جاء يوافي حال كونه مرتبطا بصيغة المفاعلة وهي حال مؤكدة، فإن قلت يلزم عليه ارتباط الشيء بنفسه قلت يلاحظ أن المرتبط المادة والمرتبط به الهيئة (قوله لإفادة المبالغة) أي المبالغة في الوفاء وقوله بما في الصيغة أي بسبب ما في الصيغة أي صيغة يوافي من المبالغة وقوله وما يغالب به أي فيه أي وما يقع المغالبة فيه يؤتى به على أقوى ما يمكن مثلا تقصد أن تغالب إنسانا في الكرم فإنك تحب أن تأتي بكرم على أقوى ما يمكنك وقوله ذكره الزمخشري في بعض الاحتمالات لم يذكره في واحد من الاحتمالات التي ذكرها إلا أن يقال إن المعنى ذكره في عقب بعض الاحتمالات (قوله لتزايدها) أي لأجل تزايدها (قوله تغالب الحمد) أي تريد أن تغالب الحمد أي تفوق عليه بأن يوجد من النعم ما يزيد على الحمد (قوله والحمد الذي يغالبها) الأولى أن يقول والحمد لقوته ومغالبته لها هو أن لا يوجد نعمة إلا ويكون مقابلها الحمد لا أن المراد وأن الحمد يزيد على النعم (قوله كأنه يريد إلخ) هو معنى مغالبته لها (قوله تطلق على الإنعام) رأيت لبعض أن إطلاقه على الإنعام اصطلاح فإذن فهي حقيقة في المنعم به ومجاز في الإنعام، وإن صار اصطلاحا فيه (قوله إيصال المنعم به) الإيصال يرجع لتعلق القدرة بالمنعم به (قوله: وهو هنا) ، وأما غير ما هنا فهو فعل من أفعال العبد أي صورة وإلا فالأفعال كلها لله (قوله وهي إلخ) هي مبتدأ وقوله كل خبر وقوله حقيقة حال من هي وقوله بالمعنى الثاني الباء بمعنى في والتقدير، وهي في حال كونها حقيقة في المعنى الثاني كل ملائم، وأما في المعنى الأول فهو مجاز ويحتمل أن المعنى وهي في حالة كونها بالمعنى الثاني حالة كون المعنى الثاني معنى حقيقيا أي ما حقه أن يكون نعمة في نفس الأمر كل ملائم تحمد عاقبته، وأما إذا كان مجازيا فهو مطلق ملائم، وإن لم تحمد عاقبته والمجازي ما ليس كذلك
صفحة ١٩