البحث الثالث في غرض غير العارف من الزهد والعبادة وغرضه منهما ومن عرفانه الزهد والعبادة عند غير العارف معاملتان، اما الزهد فلان مطلوب غير العارف منه ان يشترى بمتاع الدنيا متاع الآخرة، واما العبادة فلان غرضه منها ان يأخذ الأجرة عليها في الآخرة، واما غرض العارف منهما فقد سبق بيانه، اما من الزهد فالتفات القلب عن (1) ما سوى الله لئلا يمنعه من الاستغراق في محبته، وترك أخس المطلوبين لأشرفهما واجب في أوائل العقول، واما من العبادة فان تصير القوى البدنية مراضة تحت قياد (2) - النفس في توجهها إلى مطلوبها الأصلي من الاستغراق في بحور الجلال لئلا يمنعها عن ذلك بالاشتغال بالأمور المضادة له، واما غرضه من عرفانه فليس الا الحق لذاته لا غيره حتى العرفان فإنه أمر إضافي يقال بالنسبة إلى المعروف فهو مغاير للمعروف لا محالة، فلو كان غرض العارف نفس العرفان لم يكن من مخلصي التوحيد لأنه قد أراد مع الحق غيره وهذه حال المتبجح بزينة في ذاته، فاما من عرف الحق وغاب عن ذاته كما ستعرف فهو لا محالة غائب عن العرفان واجد للمعروف فقط، وهو السابح لجة الوصول وهناك درجات التحلية بالأمور الوجودية التي هي النعوت الإلهية وهي غير متناهية واليها أشير في الكتاب العزيز: قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل ان تنفذ كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا (3) والله ولى الخلاص وله منتهى الاخلاص.
البحث الرابع في درجات حركات العارفين فالأولى من تلك الدرجات الحركة التي تسمى في عرف أهل الطريقة بالإرادة، وذلك أنه إذا حصل للانسان اعتقاد ان السعادة التامة بالاقبال على الله تعالى وبالاعراض عما سواه كان ذلك الاعتقاد برهانيا أو تقليديا أو بحسب الجبلة، فإنه
صفحة ٣٧