بيان الأول ان الزهد الحقيقي (1) هو اعراض النفس عما يشغل سرها عن التوجه إلى (2) القبلة الحقيقية وظاهر كونه معينا على الغرض الأول، واما كون المواظبة على العبادات معينا على الغرض الثاني فظاهر أيضا لأنها رياضة ما لقوى العابد العارف المدركة والمحركة لتجرها بالتعويد عن الجنبة السافلة إلى جناب (3) القدس (4) وكسر الهمة المتعلقة بما يضاد الكمال الذاتي، وإنما اعتبرنا الزهد الحقيقي دون الظاهري لان الاعراض عن المشتهيات البدنية إذا كان بحسب الظاهر فقط مع ميل القلب إليها لم ينتفع به لقوله صلى الله عليه وآله ان الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم، نعم وإن كان لابد للسالك في مبدء الامر من الزهد الظاهري لان الزهد الحقيقي مشروط به أولا وقد اتفق على أن:
الرياء قنطرة الاخلاص، واما العبادات فأجملها (5) ما كان مشفوعا بالفكر المناسب وفائدة ذلك أن الغرض من العبادة تذكر المعبود الحق والمجردين (6) من الملائكة وذلك مما لا يتأتى الا بالفكر فلا جرم وجوب كونها مشفوعة به، وإن كان لتلك الأغراض متممات اخر ومعينات كالكلام الواعظ من قائل زكى معتقد فيه، والألحان المناسبة البريئة عن التعود بمخالطة اللذات الخسيسة، وعن الايقاع في مجالس الأنذال واجتماعاتهم لقبيح ما يفعل، وغير ذلك مما هو مذكور في مظانه فقد لاح لك حينئذ الغرض من الزهد والعبادة وكيفية تأديهما إلى المطلوب الأصلي.
صفحة ٣٦