في هذه القوة وفى تحصيل المكتسبة مختلفة فمنهم من حصلها بشوق ينبعث عن النفس فتبعث على (1) الحركة الفكرية الشاقة (2) في طلب تلك العلوم وهؤلاء هم أصحاب الفكر، ومثال الفكر من الآية الشجرة الزيتونة، ووجه المناسبة كونها مستعدة لان تصير قابلة للنور بذاتها لكن بعد حركة شاقة ولان المفكرة ذات شعب وفنون كما أن الزيتونة ذات شعب وغصون ومنهم من يظفر بها من غير حركة اما مع شوق أولا معه وهو من (3) أصحاب الحدس، ومثاله، من الآية الزيت لكونه أقرب إلى الاشتعال من الزيتونة ومراتب صنفي (4) الحدس كثيرة والشريفة (5) من تلك المراتب قوة قدسية وهي من الآية (6) " " يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار " " لأنها تكاد تعقل بالفعل ولو لم يكن لها مخرج من القوة إلى الفعل.
المرتبة الثالثة وهي المناسبة للمثال الأخير تسمى عقلا بالفعل وهو ما يكون عند القدرة على استحضار المعقولات الثانية بالفعل متى شاءت النفس بعد الاكتساب بالفكر أو الحدس والمثال لهذا الاستعداد من الآية المصباح لأنه ينير بذاته من غير حاجة له إلى اكتساب نور، وحضور تلك المعقولات بالفعل للنفس تسمى عقلا مستفادا وهو من الآية " نور على نور " إذ النفس نور والمعقولات الحاصلة لها نور آخر، واما النار التي منها اشتعال ذلك المصباح فالعقل الفعال لان النفوس الانسانية وكمالاتها مستفادة منه فهذه مراتب القوة النظرية.
تنبيه - وإذ (7) ذكرنا الفكر والحدس فلابد من الفرق بينهما وذلك ببيان ماهيتهما، فالفكر حركة للنفس بالآلة المسماة بالمفكرة (8) تبتدئ (9) من المطالب طالبة بها (10) مبادئ تلك المطالب كالحدود الوسطى وما يشبهها إلى أن يجدها ثم يرجع منها إلى المطالب، واما الحدس فهو الظفر حال الالتفات إلى المطالب بالحدود الوسطى دفعة تتمثل منها (11) المطالب والحدود الوسطى معا في العقل من غير الحركتين المذكورتين سواء كان مع شوق أو لا معه.
صفحة ١٦