شرح المقاصد في علم الكلام
الناشر
دار المعارف النعمانية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
1401هـ - 1981م
مكان النشر
باكستان
تصانيف
والثالثة وهي المبدأ لآثار وأفعال مختلفة لا على سبيل القصد والشعور وهي القوة النباتية والرابعة وهي مبدأ الأثر على نهج واحد بدون القصد والشعور هي القوة العنصرية وهذه كلها من أقسام العرض على ما يشعر به لفظ الصفة وهي المبادي القريبة للأفعال وإما أن لكل منها أو لبعضها مبادىء من قبيل الجواهر تسمى بالصور النوعية والنفوس فذلك بحث آخر وقد ينازع في إثبات القوى الفلكية والنباتية إذا أريد بها غير النفوس والصور إذا تقرر هذا فنقول اعتبر بعضهم في كون القوة قدرة مقارنتها للقصد والشعور ففسر القدرة بصفة تؤثر وفق الإرادة فخرج من الصفات ما لا يؤثر كالعلم وما يؤثر لا على وفق الإرادة كالقوى النباتية والعنصرية وأما النفوس والصور النوعية التي هي من قبيل الجواهر فلا تشملها الصفة واعتبر بعضهم اختلاف الآثار ففسر القدرة بصفة تكون مبدأ لأفعال مختلفة فالقوة الحيوانية تكون قدرة بالتفسيرين لمقارنتها القصد والاختلاف والقوة العنصرية لا تكون قدرة بشيء من التفسيرين لخلوها عن الأمرين والقوة الفلكية قدرة بالتفسير الأول دون الثاني والنباتية بالعكس وهذا ظاهر فبين التفسيرين عموم من وجه فإن قيل القدرة الحادثة غير مؤثرة عند الشيخ فلا تدخل في شيء من التعريفين قلنا ليس المراد التأثير بالفعل بل بالقوة بمعنى أنها صفة شأنها التأثير والإيجاد على ما صرح به الآمدي حيث قال القدرة صفة وجودية من شأنها تأتي الإيجاد والأحداث بها على وجه يتصور ممن قامت به الفعل بدلا عن الترك والترك بدلا عن الفعل والقدرة الحادثة كذلك لكن لم تؤثر لوقوع متعلقها بقدرة الله تعالى على ما سيجيء إن شاء الله تعالى وبهذا يندفع ما يقال لا بد من القول بكون فعل العبد بقدرته على ما هو مذهب المعتزلة أو بنفي قدرة العبد أصلا على ما ذهب إليه جهم بن صفوان مع الفرق الضروري بين حركتي الرعشة والبطش وحركتي الصعود والنزول والحاصل أنا قاطعون بوجود صفة شأنها الترجيح والتخصيص والتأثير ولا امتناع في أن لا يؤثر بالفعل لمانع والنزاع في أنها بدون التأثير بالفعل هل تسمى قدرة لفظي والقول بقدم قدرة الله تعالى مع حدوث المقدورات على ما هو رأينا وبثبوت القدرة الحادثة قبل الفعل على ما هو رأي المعتزلة يؤيد ما ذكرنا ( قال والوجدان يشهد ) تنبيه على أن طريق معرفة القدرة هو الوجدان على ما هو رأي الأشاعرة فإن العاقل يجد من نفسه أن له صفة بها يتمكن من حركة البطش وتركها دون الرعشة لا العلم بتأتي الفعل من بعض الموجودين وتعذره على الغير على ما ذهب إليه بعض المعتزلة لأن الممنوع قادر عندهم مع تعذر الفعل إلا أن يقال الفعل يتأتى منه على تقدير ارتفاع المنع لا يقال ويتأتى من العاجز على تقدير ارتفاع العجز لأنا نقول الفعل يتأتى من الممنوع وهو بحاله في ذاته وصفاته وإنما التغير في أمر من خارج بخلاف العاجز فإنه يتغير من صفة إلى صفة ولا العلم بصحة الشخص وانتفاء الآفات منه على ما ذهب إليه الجبائي لأن النائم كذلك وليس بقادر إلا أن يقال اليوم آفة ثم الوجدان كما يدل عليها يدل على أنها صفة زائدة على المزاج الذي هو وآثارها من الكيفيات المحسوسة وليست بطريق القصد والاختيار وعلى سلامة البنية وليست من قبيل الأجرام على ما نسب إلى ضرار وهشام من أن القدرة على البطش هي اليد السليمة وعلى المشي هي الرجل السليمة وهذا ما قالا القدرة بعض القادر وإن فسر بأنها صفة في القادر فهو مذهب الجمهور وما قيل أنها بعض المقدور فإنما يصح في القدرة بمعنى المقدورية أي كون الفعل بحيث يتمكن الفاعل منه ومن تركه وذهب بشر بن المعتمر إلى أنها عبارة عن سلامة البنية من الآفات وإليه مال الإمام الرازي واعترض على ما ذكره القوم من أنا نميز بالضرورة بين حركتي البطش والرعشة وما ذاك إلا بوجود صفة غير سلامة البنية توجد لبعض الأفراد دون البعض كالقدرة على الكتابة لزيد دون عمرو وعلى بعض الأفعال دون البعض كقدرة زيد على القراءة دون الكتابة بأن الاختيار قبل الفعل باطل عندكم ومعه ممنوع لامتناع العدم حال الوجود وأيضا حصول الحركة حال ما خلقها الله تعالى ضروري وقبله محال فأين الاختيار وأيضا حصول الفعل عند استواء الدواعي محال وعند عدم الاستواء يجب الراجح ويمتنع المرجوح فلا تثبت المكنة والجواب أن الضروري هو التفرقة بمعنى التمكن من الفعل والترك بالنظر إلى نفس حركة البطش مع قطع النظر عن الأمور الخارجية بخلاف حركة المرتعش وحاصله أن الوجوب أو الامتناع بحسب أخذ الفعل مع وصف الوجود أو العدم أو بحسب أن الله تعالى خلقه أو لم يخلقه أو بحسب ترجح دواعي الفعل أو الترك لا ينافي تساوي الطرفين بالنظر إلى نفس القدرة ( قال المبحث الثاني ) اختلفوا في أن الاستطاعة أي القدرة الحادثة على الفعل تكون قبله أو معه فذهبت الأشاعرة وغيرهم من أهل السنة إلى أنها مع الفعل لا قبله وأكثر المعتزلة إلى أنها قبل الفعل ثم اختلفوا في أنه هل يجب بقاؤها إلى حال وجود المقدور لنا وجوه
الأول أن القدرة عرض والعرض لا يبقى زمانين فلو كانت قبل الفعل لانعدمت حال الفعل فيلزم وجود المقدور بدون القدرة والمعلول بدون العلة وهو محال ولا يرد النقض بالقدرة القديمة لأنها ليست من قبيل الأعراض وأجيب بعد تسليم امتناع بقاء العرض بأن المحال هو وجود المعلول بدون أن يكون له علة أصلا واللازم هو وجوده بدون مقارنة العلة بل مع سبقها واستحالة ذلك نفس المتنازع ولو سلم فيجوز أن تنعدم القدرة ويحدث مثلها فيكون لها بقاء بتجدد الأمثال على الاستمرار في حال الفعل كما هو شأن العلم والميل والتمني ونحو ذلك مما لا نزاع في جواز سبقها على متعلقاتها وفيه نظر لأن وجود المقدور حينئذ إما بالقدرة الزائلة فيعود المحذور أو الحاصلة وهو المطلوب ثم لا يخفى أن الكلام إلزامي على من يقول بتأثير القدرة الحادثة
الثاني أن الفعل حال عدمه ممتنع لا استحالة اجتماع الوجود والعدم ولا شيء من الممتنع بمقدور وفاقا
صفحة ٢٤٠