شرح المقاصد في علم الكلام
الناشر
دار المعارف النعمانية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
1401هـ - 1981م
مكان النشر
باكستان
تصانيف
والثالثة العلم التفصيلي وهو حضور صورة المركب بحيث تعرف أجزاؤه متميزا بعضها عن بعض ملاحظا كل منها على الانفراد وذلك كما إذا نظرنا إلى الصحيفة دفعة فلا شك أنا نجد حالة إجمالية من الإبصار ثم إذا حدقنا النظر وأبصرنا كل حرف حرف على الانفراد حصلت لنا حالة أخرى مع أن الإبصار حاصل في الحالين فالأولى بمنزلة العلم الإجمالي والثانية بمنزلة العلم التفصيلي وبهذا يتبين معنى كلامهم أن العلم بالماهية يستلزم العلم بأجزائها لكن إجمالا لا تفصيلا واعترض الإمام بأن الحاصل في العلم الإجمالي إما أن يكون صورة واحدة فيلزم أن يكون للحقايق المختلفة صورة واحدة مطابقة لكل منها على أنها متساوية لها بل نفس ماهيتها وإما أن يكون صورا متعددة لتلك المختلفات فيكون العلم التفصيلي بها حاصلا وغاية التفرقة أن يقال أن حصول الصور إن كان دفعة واحدة فعلم إجمالي وإن كان على ترتيب زماني بأن يحضر واحد بعد واحد فتفصيلي لكن على هذا لا يكون الإجمالي مرتبة متوسطة بين القوة المحضة والفعل المحض التفصيلي على ما زعموا ويمكن الجواب بأن الحاصل في الإجمالي صورة واحدة تطابق الكل من غير ملاحظة لتفاصيل الأجزاء وفي التفصيلي صور متعددة يطابق كل منها واحدا من الأجزاء على الانفراد وفهم بعضهم من العلم الإجمالي مجرد تميز الشيء عند العقل ومن التفصيلي ذلك مع العلم بتميزه وقد سبق الكلام في أن العلم بالشيء هل يستلزم العلم بالعلم به وفي أنه على تقدير الاستلزام هل يلزم من العلم بشيء واحد علوم غير متناهية بناء على تغاير العلم بالامتياز وبامتياز الامتياز وهكذا إلى غير النهاية ( قال المبحث الرابع ) قال الإمام لا يجوز انقلاب العلم البديهي كسبيا وبالعكس لأن كون تصور الموضوع والمحمول كافيا في جزم الذهن بالنسبة بينهما أو مفتقرا إلى النظر أمر ذاتي له والذاتي لا يزول وهذا مع ظهور المنع على مقدمته الأولى مختص بالأوليات وذكر الآمدي وغيره أن انقلاب النظري ضروريا جائز اتفاقا بأن يخلق الله تعالى في العبد علما ضروريا متعلقا بما يتعلق به علمه النظري والمعتزلة عولوا في الجواز على تجانس العلوم ومنعوا الوقوع فيما يكون مكلفا به كالعلم بالله وصفاته المقدسة لئلا يلزم التكليف بغير المقدور وأنه قبيح يمتنع وقوعه من الله تعالى فإن قيل فاللازم نفي الجواز دون مجرد الوقوع قلنا ليس معنى كلامهم أن في العلم بالله الانقلاب جائز وليس بواقع بل أنه جائز نظرا إلى كونه علما وإنما امتنع وقوعه لعارض من خارج هو كونه مكلفا به وأما انقلاب الضروري نظريا فجوزه القاضي وبعض المتكلمين لأن العلوم متجانسة أي متماثلة متفقة الماهية بناء على كون التعلق بالمعلومات والتشخص الحاصل بواسطة الخصوصيات من العوارض التي ليست مقتضى الذات وإذا كانت متماثلة وحكم الأمثال واحد جاز على كل منها ما جاز على الآخر كما جاز على الإنسانية التي في زيد ما جاز على التي في عمرو بالنظر إلى نفس الإنسانية فإن قيل قد سبق أن التصور والتصديق مختلفان بالحقيقة قلنا لعله أراد بالعلم ما هو أحد أقسام التصديق على ما اشتهر فيما بين المتكلمين أو ادعى أن حقيقة الكل هي الصفة الموجبة للتميز على ما سبق أو أراد أن التصورات متماثلة وكذا التصديقات فيجوز على الضروري من كل منهما أن ينقلب إلى النظري منه والجواب بعد تسليم التجانس أنه إن إريد بالجواز عدم الامتناع أصلا فمجرد التجانس لا يقتضيه لجواز أن يمتنع بواسطة العوارض والخصوصيات على البعض ما يجوز للبعض الآخر وإن أريد عدم الامتناع نظرا إلى ماهية العلم فغير متنازع وما ذكر الآمدي من أنه لو سلم التجانس فلا شك في الاختلاف بالنوع والشخص فلعل التنوع أو التشخص يمنع ذلك مبني على أنه فهم من التجانس الاشتراك في الجنس على ما هو مصطلح الفلاسفة ولا أدري كيف ذهب عليه مصطلح المتكلمين وأن مثل القاضي لا يجعل الاشتراك في الجنس دليلا على أن يجوز على كل من المتشاركين ما يجوز على الآخر والجمهور على أن الضروري لا يجوز أن ينقلب نظريا وإلا لزم جواز خلو نفس المخلوق عنه مع التوجه والالتفات وسائر شرائط حصول الضروريات لأن ذلك من لوازم النظريات وعلى هذا لا يرد الاعتراض بأن الضروري قد لا يحصل لفقد شرط أو استعدادا لا أنهم إنما عولوا في استحالة الخلو عن الضروري على الوجدان وفيه ضعف لأن غايته الدلالة على عدم الخلو دن استحالته سلمنا لكن لا خفاء في أن الخلو عن الضروري إنما يمتنع ما دام ضروريا وبعد الانقلاب لا يبقى هذا الوصف وذهب إمام الحرمين وهو أحد قولي القاضي إلى أنه لا يجوز في ضروري هو شرط لكمال العقل الذي به يستأصل لاكتساب النظريات لأنه لو انقلب نظريا لزم كونه شرطا لنفسه وهو دور فإن قيل هذا التفصيل مشعر بأن القول الآخر للقاضي هو الجواز مطلقا أي في كل ضروري وفساده ظاهر لظهور استحالة النظري بدون ضروري ما قلنا هذا إنما يمنع جواز اجتماع الكل على الانقلاب بحيث لا يبقى شيء من الضروريات لا جواز انقلاب كل على الانفراد ( قال والخلاف ) قد اختلفوا في أن العلم الضروري هل يستند إلى النظري أم لا تمسك المانع بأنه لو استند أي ابتنى وتوقف على النظري المتوقف على النظر لزم توقفه على النظر فيكون نظريا لا ضروريا هف وتمسك المجوز بأن العلم بامتناع اجتماع الضدين ضروري ويتوقف على العلم بوجودهما لأن الاجتماع واللااجتماع فرع الوجود والجواب بمنع تعلق العلم بامتناع اجتماع الضدين ضعيف لأنه إن أريد أنا لا نتصور اجتماعهما ولا تجزم بامتناعه فمكابرة بل مناقضة لأن الحكم بعدم تصوره وعدم الجزم بامتناعه حكم يستدعي تصوره وإن أريد أنا لا نتصور شيئا هو اجتماع الضدين وإنما ذلك على سبيل التشبيه كما سبق نقلا عن الشفاء فلا يضر بالمقصود لأن حكمنا بأن الاجتماع الواقع فيما بين السواد والحلاوة لا يمكن مثله فيما بين السواد والبياض يتوقف على العلم بوجودهما بل الجواب منع ذلك فإن كون الاجتماع واللااجتماع فرع الوجود على تقدير حقيته لا يستدعي توقف العلم بامتناع الاجتماع على العلم بالوجود بل على تصور الضدين بوجه وهو لا يلزم أن يكون بالنظر نعم ربما يكون التصديق المستغني عن النظر فيه مفتقرا إلى النظر في تصور الطرفين فإن سمى مثله ضروريا كان مستندا إلى النظري فمن ههنا قيل أن هذا نزاع لفظي يرجع إلى تفسير التصديق الضروري أنه الذي لا يفتقر إلى النظر أصلا أو لا يفتقر إلى النظر في نفس الحكم وإن كان طرفاه بالنظر والحق أن مراد المتكلمين بالعلم ما هو من أقسام التصديق وبالضروري منه مالا يكون حصوله بطريق الاستدلال عليه والمتنازع هو أنه هل يجوز أن يبتنى على علم حاصل بالاستدلال ( قال المبحث الخامس ) اتفق القائلون بأن العلم القديم على أنه واحد يتعلق بمعلومات متعددة واختلفوا في الحادث فذهب الشيخ وكثير من المعتزلة إلى أن الواحد منه يمتنع أن يتعلق بمعلومين وهذا هو المعنى بقولنا يتعدد العلم بتعدد المعلوم وذهب بعض الأصحاب إلى أنه يجوز وجعل الإمام الرازي الخلاف مبنيا على الخلاف في تفسير العلم أنه إضافة فيكون التعلق بهذا غير التعلق بذاك أو صفة ذات إضافة فيجوز أن يكون للواحد تعلقات بأمور متعددة كالعلم القديم ومحل الخلاف هو التعلق بالمتعدد على التفصيل ومن حيث أنه كثير فلا يكون التعلق بالمجموع المشتمل على الأجزاء من هذا القبيل مالم يلاحظ الأجزاء على التفصيل ويرد على الإمام أن الجواز الذهني أعني عدم الامتناع عند العقل بالنظر إلى كون العلم صفة ذات إضافة لا يستلزم الجواز الخارجي أعني عدم الامتناع في نفس الأمر على ما هو المتنازع لجواز أن يمتنع بدليل من خارج كما قيل وإن كان ضعيفا أنه ليس عدد أولي من عدد فلو تعلق بما فوق الواحد لزم تعلقه بما لا نهاية له وكما قال أبو الحسن الباهلي أنه يمتنع في المعلومين النظريين وإلا يلزم اجتماع النظرين في علم واحد ضرورة أن النظر المؤدي إلى وجود الصانع غير المؤدي إلى وحدته وأجيب بمنع اللزوم لجواز أن يكون المعلومان بعلم واحد حاصلين بنظر واحد إذ لا امتناع في أن يحصل بنظر واحد أمور متعددة كالنتيجة ونفي المعارض وكون الحاصل علما لا جهلا وكما قال القاضي وإمام الحرمين أنه يمتنع إن كان المعلومان بحيث يجوز انفكاك العلم بأحدهما عن العلم بالآخر وإلا يلزم جواز انفكاك الشيء عن نفسه ضرورة أن العلم بهذا نفس العلم بذاك والتقدير جواز انفكاكهما وأجيب بأنه يكفي في جواز الانفكاك كونهما معلومين بعلمين في الجملة وهذا لا ينافي معلوميتهما بعلم واحد في بعض الأعيان وحينئذ لا انفكاك فإن قيل الإمكان للممكن دائم فيجوز الانفكاك دائما وفيه المطلوب قلنا نعم إلا إنه لا ينافي الامتناع بالغير وهو المعلومية بعلم واحد فإن عند تعلق العلم الواحد بهما جواز الانفكاك بحاله بأن يتعلق بها علمان فإن قيل نفرض الكلام في المعلومين بجواز انفكاكهما في التعقل كيف ما علمنا قلنا إمكان معلومين بهذه الحيثية نفس المتنازع وقد يستدل بأنه لو جاز كون الصفة الواحدة مبدأ للأحكام المختلفة كالعالمية بالسواد والعالمية بالبياض لجاز كونهما مبدأ للعالمية والقادرية ويلزم استغناء الأشياء عن تعدد الصفات باستناد آثارها إلى صفة واحدة ويجاب بأنه تمثيل بلا جامع كيف والأحكام ههنا متجانسة بخلاف مثل العالمية والقادرية وأما فيما لا يجوز الانفكاك كالمجاورة والمماثلة والمضادة وغير ذلك فيجوز أن يتعلق علم واحد بمعلومين بل ربما يجب كما في العلم بالشيء مع العلم بالعلم به فإن هناك معلومات غير متناهية لأن العلم بالشيء مستلزم للعلم بالعلم به ضرورة وهو العلم بالعلم به وهكذا لا إلى نهاية فلو لم يكن عدة من هذه المعلومات حال عدم الحادث بالنسبة إلى وجوده لأنا نقول إنما جاز ذلك من جهة أن الأمس اسم للزمان المأخوذ مع التقدم المخصوص وأما في نفس أجزاء الزمان فلا بل غايته لزوم التقدم والتأخر فيما بينها لكونها عبارة عن اتصال غير قار ولو سلم فالحادث من حيث الحدوث أيضا كذلك إذ لا معنى له سوى ما يكون وجوده مسبوقا بالعدم ولو سلم فالمقصود منع انحصار السبق في الأقسام الخمسة مستندا إلى السبق فيما بين أجزاء الزمان فإنه ليس زمانيا بمعنى أن يوجد المتقدم في زمان لا يوجد فيه المتأخر ولا يضرنا تسميته زمانيا بمعنى آخر وقد سبق تحقيق ذلك في موضعه
( قال هذا والتحقيق 2 )
يريد أن الزمان عندنا أمر وهمي يقدر به المحدات وبحسبه يكون العالم مسبوقا بالعدم وليس أمرا موجودا من جملة العالم يتصف بالقدم أو الحدوث فإن أثبت الفلاسفة وجود الزمان بمعنى مقدار الحركة لم يمتنع سبق العدم عليه باعتبار هذا الأمر الوهمي كما في سائر الحوادث وبهذا يظهر الجواب عن استدلالهم على قدم العالم بأن وجود الباري إما أن يكون متقدما على وجود العالم بقدر غير متناه أو لا فعلى الأول يلزم منه قدم الزمان لأن معنى لا تناهي القدر وجود قبليات وبعديات متصرمة لا أول لها وهو معنى قدم الزمان ويلزم منه قدم الحركة والجسم لكونه مقدارا لها وعلى الثاني يلزم حدوث الباري أو قدم العالم لأن عدم تقدمه على العالم بقدر غير متناه أما بأن لا يتقدم عليه أصلا وذلك بأن يحصل معه في وقت حدوثه فيكون حادثا أو يحصل العالم معه في الأزل فيكون قديما وأما بأن يتقدم عليه بقدر متناه وذلك بأن لا يوجد قبل ذلك القدر فيكون حادثا وهو محال
( قال الفصل الثاني فيما يتعلق بالأجسام على التفصيل 4 )
مثل البحث عن خصوص أحوال البسايط الفلكية أو العنصرية أو المركبات المزاجية أو غير المزاجية أو حال ما هو من أقسام بعض هذه الأربعة
( قال جزؤه المقداري )
احتراز عن الجزء العقلي كالجنس والفصل أو العيني كالهيولي والصورة فإنه لا يكون مثل الكل في الاسم والحد لا في البسيط ولا في المركب
( قال والمأخوذ في كل 3 )
صفحة ٢٣٤