شرح المقاصد في علم الكلام
الناشر
دار المعارف النعمانية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
1401هـ - 1981م
مكان النشر
باكستان
تصانيف
الأول أنه لو تسلسلت العلل والمعلولات من غير أن ينتهي إلى علة محضة لا يكون معلولا لشيء لكان هناك جملة هي نفس مجموع الممكنات الموجودة المعلول كل من آحادها لواحد منها وتلك الجملة موجودة ممكنة أما الوجود فلانحصار أجزائها في الموجود ومعلوم أن المركب لا يعدم إلا بعدم شيء من أجزائه وأما الإمكان فلافتقارها إلى جزأها الممكن ومعلوم أن المفتقر إلى الممكن لا يكون إلا ممكنا ففي جعلها نفس الموجودات الممكنة تنبيه على أنها مأخوذة بحيث لا يدخل فيها المعدوم أو الواجب لا يقال المركب من الأجزاء الموجودة قد يكون اعتباريا لا تحقق له في الخارج كالمركب من الحجر والإنسان ومن الأرض والسماء لأنا نقول المراد أنه ليس موجودا واحدا يقوم به وجود غير وجودات الأجزاء وإلا فقد صرحوا بأن المركب الموجود في الخارج قد لا يكون له حقيقة مغايرة لحقيقة الآحاد كالعشرة من الرجال وقد يكون إما مع صورة منوعة كالنبات من العناصر وإما بدونها بأن لا يزداد إلا هيئة اجتماعية كالسرير من الخشبات وإذا كانت الجملة موجودا ممكنا فموجدها بالاستقلال إما نفسها وهو ظاهر الاستحالة وإما جزء منها وهو أيضا محال لاستلزامه كون ذلك الجزء علة لنفسه ولعلله لأنه لا معنى لإيجاد الجملة إلا إيجاد الأجزاء التي هي عبارة عنها ولا معنى لاستقلال الموجد إلا استغناؤه عما سواه وأما أمر خارج عنها ولا محالة يكون موجدا لبعض الأجزاء وينقطع إليه سلسلة المعلولات لكون الموجد الخارج عن جميع الممكنات واجبا بالذات ولا يكون ذلك البعض معلولا لشيء من أجزاء الجملة لامتناع اجتماع العلتين المستقلتين على معلول واحد إذ الكلام في المؤثر المستقل بالإيجاد فيلزم الخلف من وجهين لأن المفروض أن السلسلة غير منقطعة وأن كل جزء منها معلول لجزء آخر وبما ذكرنا من التقرير يندفع نقض الدليل تفصيلا بأنه إن أريد بالعلة التي لا بد منها لمجموع السلسلة العلة التامة فلانم استحالة كونها نفس السلسلة وإنما يستحيل لو لزم تقدمها وقد سبق أن العلة التامة للمركب لا يجب بل لا يجوز تقدمها إذ من جملتها الأجزاء التي هي نفس المعلول فإن قيل فيلزم أن يكون واجبا لكون وجودها من ذاتها وكفى بهذا استحالة قلنا ممنوع وإنما يلزم لو لم يفتقر إلى جزئها الذي ليس نفس ذاتها سواء سمى غيرها أو لم يسم وإن أريد العلة الفاعلية فلانم استحالة كونها بعض أجزاء السلسلة وإنما يستحيل لو لزم كونها علة لكل جزء من أجزاء المعلول حتى نفسه وعلله وهو ممنوع لجواز أن يكون بعض أجزاء المعلول المركب مستندا إلى غير فاعله كالخشب من السرير سلمنا ذلك لكن لانم أن الخارج من السلسلة يكون واجبا لجواز أن توجد سلاسل غير متناهية من علل ومعلولات غير متناهية وكل منها يستند إلى علة خارجة عنها داخلة في سلسلة أخرى من غير انتهاء إلى الواجب ولو سلم لزوم الانتهاء إلى الواجب فلا يلزم بطلان التسلسل لجواز أن يكون مجموع العلل والمعلولات الغير المتناهية موجودا ممكنا مستندا إلى الواجب وإجمالا بأنه منقوض بالجملة التي هي عبارة عن الواجب وجميع الممكنات الموجودة فإن علتها ليست نفسها ولا جزأ منها لما ذكر ولا خارجا عنها لاستلزامه مع تعدد الواجب معلولية الواجب واجتماع المؤثرين إن كان علة لكل جزء من أجزاء الجملة وأحد الأمرين إن كان علة لبعض الأجزاء ووجه الاندفاع أنا قد صرحنا بأن المراد بالعلة الفاعل المستقل بالإيجاد وأخذنا الجملة نفس جميع الممكنات بحيث يكون كل جزء منها معلولا لجزء فلم يكن الخارج عنها إلا واجبا وأقل ما لزم من استقلاله بالعلية إن يوجد في الجملة جزء لا يكون معلولا لجزء آخر بل للخارج خاصة وهو معنى الانقطاع ولم يمكن أن يكون المستقل بالعلية جزء من الجملة للزوم كونه علة لنفسه ولعلله تحقيقا بمعنى الاستقلال إذ لو كان الموجد لبعض الأجزاء شيئا آخر لتوقف حصول الجملة عليه أيضا فلم يكن أحدهما مستقلا وهذا بخلاف المجموع المركب من الواجب والممكنات فإنه جاز أن يستقل بإيجاده بعض أجزائه الذي هو موجود بذاته مستغن عن غيره وأما السرير ففاعله المستقل ليس هو النجار وحده بل مع فاعل الخشبات نعم يرد على المقدمة القائلة بأن العلة المستقلة للمركب من الأجزاء الممكنة علة لكل جزء منه اعتراض وهو أنه إما أن يراد أنها بنفسها علة مستقلة لكل جزء حتى يكون علة هذا الجزء هي بعينها علة ذلك الجزء وهذا باطل لأن المركب قد يكون بحيث يحدث أجزاؤه شيئا فشيئا كخشبات السرير وهيئته الاجتماعية فعند حدوث الجزء الأول إن لم توجد العلة المستقلة التي فرضناها علة لكل جزء لزم تقدم المعلول على علته وهو ظاهر وإن وجدت لزم تخلف المعلول أعني الجزء الآخر عن علته المستقلة بالإيجاد وقد مر بطلانه وإما أن يراد أنها علة لكل جزء من المركب إما بنفسها أو بجزء منها بحيث يكون كل جزء معلولا لها أو لجزء منها من غير افتقار إلى أمر خارج عنها وإذا كان المعلول المركب مترتب الأجزاء كانت علتها المستقلة أيضا مترتبة الأجزاء يحدث كل جزء منه لجزء منها يقارنه بحسب الزمان ولا يلزم التقدم ولا التخلف وهذا أيضا فاسد من جهة أنه لا يفيد المطلوب أعني امتناع كون العلة المستقلة للسلسلة جزأ منها إذ من أجزائها ما يجوز أن يكون علة بهذا المعنى من غير أن يلزم علية الشيء لنفسه أو لعلله وذلك مجموع الأجزاء التي كل منها معروض للعلية والمعلولية بحيث لا يخرج عنها إلا المعلول المحض المتأخر عن الكل بحسب العلية المتقدم عليها بحسب الرتبة حيث يعتبر من الجانب المتناهي ولذا يعبر عن ذلك المجموع تارة بما قبل المعلول الأخير وتارة بما بعد المعلول الأول ففي الجملة هي جزء من السلسلة تتحقق السلسلة عند تحققها ويقع بكل جزء منها جزء منها ولا يلزم من عليتها للسلسلة تقدم الشيء على نفسه فإن قيل المجموع الذي هو العلة أيضا ممكن محتاج إلى علة أجيب بأن علته المجموع الذي قبل ما فيه من المعلول الأخير وهكذا في كل مجموع قبله لا إلى نهاية فإن قيل ما بعد المعلول المحض لا يصلح علة مستقلة بإيجاد السلسلة لأنه ممكن يحتاج إلى علته وهكذا كل مجموع يفرض فلا توجد السلسلة إلا بمعاونة من تلك العلل ولأنه ليس بكاف في تحقق السلسلة بل لا بد من المعلول المحض أيضا قلنا هذا لا يقدح في الاستقلال لأن معناه عدم الافتقار في الإيجاد إلى معاونة علة خارجة وقد فرضنا أن علة كل مجموع أمر داخل فيه لا خارج عنه وظاهر أنه لا دخل لمعلوله الأخير في إيجاده فإن قيل إذا أخذت الجملة أعم من أن تكون سلسلة واحدة أو سلاسل غير متناهية على ما ذكرتم فهذا المنع أيضا مندفع إذ ليس هناك معلول أخير ومجموع مرتب قبله قلنا بل وارد بأن يجعل علتها الجزء الذي هو المجموعات الغير المتناهية التي قبل معلولاتها الأخيرة الغير المتناهية فإن قيل نحن نقول من الابتداء علة الجملة لا يجوز أن تكون جزأ منها لعدم أولوية بعض الأجزاء أو لأن كل جزء يفرض فعلته أولى منه بأن تكون علة للجملة لكونها أكثر تأثيرا قلنا ممنوع بل الجزء الذي هو ما قبل المعلول الأخير متعين للعلية لأن غيره من الأجزاء لا يستقل بإيجاد الجملة على مالا يخفى وعلى أصل الدليل منع آخر وهو أنا لانم افتقار الجملة المفروضة إلى علة غير علل الآحاد وإنما يلزم لو كان لها وجود مغاير لوجودات الآحاد المعللة كل منها لعلته وقولهم أنها ممكن مجرد عبارة بل هي ممكنات تحقق كل منها بعلته فمن أين يلزم الافتقار إلى علة أخرى وهذا كالعشرة من الرجال لا يفتقر إلى غير علل الآحاد وما يقال أن وجودات الآحاد غير وجود كل منها كلام خال عن التحصيل قال الثاني
صفحة ١٦٧