شرح المقاصد في علم الكلام
الناشر
دار المعارف النعمانية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
1401هـ - 1981م
مكان النشر
باكستان
تصانيف
الخامس أن التعين لو كان عدميا لكان عدما لما ينافيه ضرورة كالإطلاق والكلية والعموم وما يجري مجرى ذلك فإن كان عدما للإطلاق أو لما يساويه كالكلية والعموم وبالجملة مالا ينفك عدمه عن عدم الإطلاق كان التعين مشتركا بين الأفراد كعدم الإطلاق لأن التقدير أنه عدم لأمر لا ينفك عدمه عن عدم الإطلاق وعدم الإطلاق متحقق في جميع الأفراد فكذا التعين فلا يكون متميزا فلا يكون تعينا وإن لم يكن التعين عدما للإطلاق ولا عدما لما لا ينفك عدمه عن عدم الإطلاق لزم جواز الانفكاك بين عدم الإطلاق وبين ذلك العدم الذي هو التعين وذلك إما بأن يتحقق عدم الإطلاق بدون التعين فيلزم كون الشيء لا مطلقا ولا متعينا وفيه رفع للنقيضين وإما بأن يتحقق التعين بدون عدم الإطلاق فيلزم كون الشيء مطلقا ومتعينا وفيه جمع للنقيضين والجواب أنه إن أريد بالتعين الذي يجعله عدم الإطلاق مطلق التعين فلانم امتناع اشتراكه بين الأفراد كعدم الإطلاق وإنما يمتنع لو لم يكن تمايز الأفراد بالتعينات الخاصة المعروضة لمطلق التعين وإن أريد التعين الخاص فنختار أنه ليس عدما للإطلاق ولا لما لا ينفك عدمه عن عدم الإطلاق بل لأمر يوجد عدم الإطلاق بدون عدمه الذي هو ذلك التعين وهو لا يستلزم إلا كون الشيء لا مطلقا ولا معينا بذلك التعين ولا استحالة في ذلك لجواز أن يكون معينا بتعين آخر قال خاتمة تصور الشيء بوجه ما وإن كان كافيا في الحكم عليه في الجملة لكن خصوصيات الأحكام ربما تستدعي تصورات مخصوصة لا بد منها في صحة الحكم فلا بد في تحقيق أن التعين وجودي أو عدمي اعتباري أو غير اعتباري من بيان ما هو المراد من هذه الألفاظ فنقول الحقيقة النوعية المتحصلة بنفسها أو بما لها من الذاتيات قد يلحقها كثرة بحسب ما يعرض لها من الكميات والكيفيات والأوضاع والإضافات واختلاف المواد وغير ذلك وربما تنتهي العوارض إلى ما يفيد الهذية وامتناع الشركة كهذا الإنسان وذاك وتسمى العوارض المشخصة فلا بد في تحصيل موضوع القضية المطلوبة من بيان أن المراد بالتشخص هو تلك العوارض أو ما يحصل عندها من الهذية أو عدم قبول الشركة أو كون الحصة من النوع بهذه الحيثية أو نحو ذلك ثم لا بد لتحصيل معنى المحمول من بيان المراد بالوجودي والعدمي والاعتباري فقيل العدمي المعدوم وقيل ما يكون عدما مطلقا أو مضافا متركبا مع وجودي كعدم البصر عما من شأنه أو غير متركب كعدم قبول الشركة وقيل ما يدخل في مفهومه العدم ككون الشيء بحيث لا يقبل الشركة والوجودي بخلافه فهو الموجود أو الوجود مطلقا أو مضافا أو ما لا يدخل في مفهومه العدم والعبرة بالمعنى دون اللفظ حتى أن العمى عدمي واللاعدم وجودي وفي المواقف أن الوجودي ما يكون ثبوته لموصوفه بوجوده له أي بحسب الخارج نحو السواد لا أن يكون ذلك باعتبار وجودهما في العقل واتصاف موصوفه به فيه أي في العقل دون الخارج كالإمكان وهو أعم من الموجود لجواز وجودي لا يعرض له الوجود أبدا لكنه بحيث إذا ثبت للموصوف كان ذلك بوجوده له وهذا ما قال القاضي الأرموي إذا قلنا لشيء أنه وجودي لا نعني أنه دائم الوجود بل نعني أنه مفهوم يصح أن يعرض له الوجود الخارجي عند قيامه بموجود وعند قيامه بمعدوم لا يكون له وجود وكأنه يريد الأعم من وجه وإلا فمن الموجود مالا يسمى وجوديا كالإنسان وغيره من المفهومات المستقلة وأما الاعتباري فهو ما لا تحقق له إلا بحسب فرض العقل وإن كان موصوفه متصفا به في نفس الأمر كالإمكان فإن الإنسان متصف به في نفس الأمر بمعنى أنه بحيث إذا نسبه العقل إلى الوجود يعقل له وصفا هو الإمكان ويقابله الحقيقي إذا تقرر هذا فلا خفاء في أن العوارض المشخصة وجودية والهذية اعتبارية وتميز الفرد عما عداه وعدم قبوله الشركة وكونه ليس غيره أو لا يقبل الشركة عدمية قال المبحث الثالث لا بد في التعين من كون المفهوم بحيث لا يمكن للعقل فرض صدقه على كثيرين وهذا معنى امتناع الشركة ذهنا ومعلوم أنه لا يحصل بانضمام الكلي إلى الكلي لأن كلا من المنضم والمنضم إليه والانضمام لكونه كليا يمكن للعقل فرض صدقه على كثيرين بل على مالا يتناهى من الأفراد وإن كان بحسب الخارج ربما لا يوجد منه الأفراد بل يمتنع تعدده كمفهوم الواجب فإن قيل حكم الكلي قد يخالف حكم كل واحد فيجوز أن يكون كل من المنضم والمنضم إليه كليا والمجموع جزئيا قلنا لا معنى للانضمام ههنا سوى أن العقل يعتبر مفهوما كليا كالإنسان ثم يعتبر له وصفا كليا كالفاضل ومعلوم بالضرورة أن الكلي الموصوف بالأوصاف الكلية لا ينتهي إلى حد الهذية حتى لو كان ذلك الوصف هو مفهوم الجزئية والتشخص وامتناع قبول الشركة كانت الكلية بحالها وقد يجاب بأن المراد أن انضمام الكلي إلى الكلي وتقيده به لا يستلزم الجزئية والتشخص وإن كان قد يفيدها فيكون حاصل الكلام أن المركبات العقلية مثل الجوهر المتحيز والجسم النامي والحيوان الناطق والإنسان الفاضل لا يلزم أن يكون جزئية بل قد يكون كلية وهذا من الوضوح بحيث لا ينبغي أن يخبر به فضلا عن أن يجعل من المطالب العلمية فإن قيل فعلى ما ذكرتم يلزم أن يكون ما ينضم إلى الكلي وتفيده الجزئية جزئيا وله لا محالة مفهوم كلي يفتقر إلى ما ينضم إليه ويجعله جزئيا ويتسلسل قلنا ليس هناك موجود هو الكلي وآخر ينضم إليه ويجعله جزئيا بل الموجود الأشخاص والعقل ينتزع منها الصور الكلية بحسب الاستعدادات والاعتبارات المختلفة والمقصود أن المعنى الذي بسببه امتنع للعقل فرض صدق المفهوم على الكثيرين لا يصلح أن يكون انضمام الكلي إلى الكلي بل التشخص يستند عندنا إلى القادر المختار كسائر الممكنات بمعنى أنه الموجد لكل فرد على ما شاء من التشخص وعند بعضهم إلى تحقق الماهية في الخارج للقطع بأنها إذا تحققت لم يكن إلا فردا مخصوصا لا تعدد فيه ولا اشتراك وإنما قبول التعدد والاشتراك في المفهوم الحاصل في العقل فإن قيل فيلزم أن لا يتعدد التعين لأن الوجود أمر واحد قلنا هو وإن كان واحدا بحسب المفهوم لكن تتعدد أفراده بحسب الأزمنة والأمكنة والمواد وسائر الأسباب فتتعدد التعينات وأعترض بأن الدور أن لا يفيد العلية فيجوز أن يكون الوجود ما معه التعين لا ما به التعين فإن قيل نحن نقطع بالتعين عند الوجود الخارجي مع قطع النظر عن جميع ما عداه قلنا قطع النظر عن الشيء لا يوجب انتفائه فعند الوجود لا بد من ماهية وأسباب فاعلية أو مادية وبالجملة أمر يستند إليه الوجود فيجوز أن يستند التشخص أيضا إليه ولو سلم فالوجود لا يقتضي إلا تعينا ما والكلام في التعينات المخصوصة فلا يثبت المط مالم يتبين أن وجود كل فرد يقتضي تعينه الخاص وذهبت الفلاسفة إلى أن التعين قد يستند إلى الماهية بنفسها أو بلوازمها كما في الواجب فينحصر في شخص والألزم تخلف المعلول عن علته لتحقق الماهية في كل فرد مع عدم تشخص الآخر وقد يستند إلى غيرها ولا يجوز أن يكون أمرا منفصلا عن الشخص لأن نسبته إلى كل الأفراد والتعينات على السواء ولا حالا فيه لأن الحال في الشخص لافتقاره إليه يكون متأخرا عنه ولكونه علة لتشخصه المتقدم عليه ضرورة أنه لا يصير هذا الشخص إلا بهذا التشخص يكون متقدما عليه وهو محال فتعين أن يكون محلا له وما ذكرنا من نسبة الحال والمحل إلى الشخص دون الماهية أو التشخص أقرب وأوفق بكلامهم والمراد بمحل الشخص معروضه في الأعراض ومادته في الأجسام ومتعلقه في النفوس على ما ذكروا من حدوث النفس بعد البدن وتعينها به فالعقول المجردة تستند تعيناتها إلى ماهياتها فينحصر كل في شخص لا إلى مجرد الإضافة كعقل الفلك الأول مثلا على ما قيل لأن هذه الإضافة متأخرة عن وجود الفلك المتأخر عن وجود العقل وتعينه والاستناد إلى المادة أعم من أن يكون بنفسها أو بواسطة ما فيها من الأعراض فلا يرد ما قيل أن غير المنفصل لا ينحصر فيما يكون حالا في الشخص أو محلا له لجواز أن يكون حالا في محله ولما اعترض بأن المادة التي يستند إليها الشخص تكون متشخصة لا محالة فتشخصها إما لماهيتها فلا تتعدد أفرادها أو للتشخص المعلول فيدور أو لمادة أخرى فيتسلسل أجيب بأنه لما فيها من الكميات والكيفيات والأوضاع وغير ذلك من الأعراض التي تتعاقب عليها بتعاقب الاستعدادات حتى لو ذهبت إلى غير النهاية لم يمتنع على ما هو رأيهم فيما لا يجتمع في الوجود كالحركات والأوضاع الفلكية وإذا استند التشخص إلى المادة تكثرت أفراد الماهية بتكثر المواد والمادة قابلة للتكثر بذاتها فلا تفتقر إلى قابل آخر وإنما تفتقر إلى فاعل يكثرها واعترض على ما ذكروا بعد تسليم مقدماته بأن تعين الأعراض الحالة التي في المادة إنما هو بتعين المادة على ما سيجيء فلو تعينت المادة بها كان دورا وأجيب بأن تعين المادة إنما هو بنفس الأعراض الحالة في المادة المعينة بتعين مالا بتعيناتها الحاصلة بتعين المادة وحاصله أن تعيناتها بتعينها وتعينها مع تعيناتها فلا يلزم الدور ولا حصول التشخص من انضمام الكلي إلى الكلي إلا أنه يرد عليه أنه إذا جاز ذلك فلم لا يجوز تكثر الماهية وتعين أفرادها بما لها من الصفات المتكثرة العارضة لها من غير لزوم مادة قال المنهج الثاني في الوجوب والامتناع والإمكان جعل الامتناع من لواحق الوجود والماهية نظرا إلى أن ضرورة سلب الوجود عن الماهية حال لهما أو إلى أنه من أوصاف الماهية المعقولة أو لكونه في مقابلة الإمكان أو لأن المراد بلواحقهما ما جرت العادة بالبحث عنه بعد البحث عنهما المبحث الأول قد تقرر في موضعه أن هل إما بسيطة يطلب بها وجود الشيء في نفسه أو مركبة يطلب بها وجود شيء لشيء فإذا نسب المفهوم إلى وجوده في نفسه أو وجوده لأمر حصل في العقل معان هي الوجوب والامتناع والإمكان لأن حمل الوجود على الشيء أو ربط الشيء بالشيء بواسطته قد يجب كما في قولنا الباري تعالى موجود والأربعة يوجد لها لزوجية وقد يمتنع كما في قولنا اجتماع النقيضين موجود والأربعة يوجد لها الفردية وقد يمكن كما في قولنا الإنسان موجود أو يوجد له الكتابة ولا خفاء في حصولها عند حمل العدم أو الربط بواسطته لكنه مندرج فيما ذكرنا من حمل الوجود أو الربط بواسطته لكونه أعم من الإيجابي والسلبي وتصورات هذه المعاني ضرورية حاصلة لمن لم يمارس طرق الاكتساب إلا أنها قد تعرف تعريفات لفظية كالوجود والعدم فيقال الوجوب ضرورة الوجود أو اقتضاؤه أو استحالة العدم والامتناع ضرورة العدم أو اقتضاؤه أو استحالة الوجود والإمكان جواز الوجود والعدم أو عدم ضرورتهما أو عدم اقتضاء شيء منهما ولهذا لا يتحاشى عن أن يقال الواجب ما يمتنع عدمه أو ما لا يمكن عدمه والممتنع ما يجب عدمه أو مالا يمكن وجوده والممكن مالا يجب وجوده ولا عدمه أو ما لا يمتنع وجوده ولا عدمه ولو كان القصد إلى إفادة تصور هذه المعاني لكان دورا ظهر أو ظهر هذه المفهومات الوجود لكونه تأكد الوجود الذي هو أعرف من العدم لما أنه يعرف بذاته والعدم يعرف بوجه ما بالوجود والنزاع في أن مفهوم الوجوب والإمكان وجودي أو عدمي مبني على اختلاف مفهومات الخواص التي باعتبارها يطلقان على الواجب والممكن وأما في الواجب فكاقتضاء الوجود بحسب الذات والاستغناء عن الغير وعدم التوقف عليه وما به يمتاز الواجب عن الممكن والممتنع وأما في الممكن فكالاحتياج إلى الغير والتوقف عليه وعدم الاستغناء عنه وعدم اقتضاء الوجود أو العدم أو ما به يمتاز الممكن عن الواجب والممتنع قال المبحث الثاني كل من الوجوب والامتناع قد يكون بالذات وقد يكون بالغير لأن ضرورة وجود الشيء أو لا وجوده في نفسه أو ضرورة وجود شيء لشيء آخر أو لا وجوده له إن كانت بالنظر إلى ذاته كوجود الباري وعدم اجتماع النقيضين ووجود الزوجية للأربعة وعدم الفردية لها فذاتي وإلا فغيري وهو وإن لم ينفك عن علة لكن قد ينظر إلى خصوص العلة كوجوب الحركة للحجر المرمي وامتناع السكون له وقد ينظر إلى وصف لذات الموضوع كوجوب حركة الأصابع للكاتب وامتناع سكونها له وقد ينظرإلى وقت له كوجوب الانخساف للقمر في وقت المقابلة المخصوصة وامتناعه في وقت التربيع وقد ينظر إلى ثبوت المحمول له كوجود الحركة للجسم المأخوذ بشرط كونه متحركا وامتناع السكون له حينئذ قال والموصوف بالذاتي يعني إذا أخذ الوجود محمولا فالموصوف بالوجوب الذاتي يكون واجب الوجود لذاته كالباري تعالى وبالامتناع الذاتي يكون ممتنع الوجود لذاته كاجتماع النقيضين وإذا أخذ رابطة بين الموضوع والمحمول فالموصوف بالوجوب الذاتي يكون واجب الوجود لموضوعه نظرا إلى ذات الموضوع كالزوجية للأربعة وبالامتناع الذاتي يكون ممتنع الوجود له نظرا إليه كالفردية للأربعة فلازم الماهية كالزوجية مثلا واجب الوجود لذاتها أي واجب الثبوت للماهية نظرا إلى نفسها لا واجب الوجود لذاته بمعنى اقتضائه الوجود بالذات ليلزم الحال وبهذا يسقط ما ذكر في المواقف من أن الوجوب والإمكان والامتناع المبحوث عنها ههنا غير الوجوب والإمكان والامتناع التي هي جهات القضايا وموادها وإلا لكانت لوازم الماهيات واجبة لذاتها وذلك لأنه إن أراد كونها واجبة لذات اللوازم فالملازمة ممنوعة أو لذات الماهيات فبطلان التالي ممنوع فإن معناه أنها واجبة الثبوت للماهية نظرا إلى ذاتها من غير احتياج إلى أمر آخر وكأنه يجعل بعض القضايا خلوا عن كون الوجود فيه محمولا أو رابطة كقولنا الإنسان كاتب ويمتنع أن يكون معناه أنه يوجد كاتبا أو توجد له الكتابة بل معناه أن ما صدق عليه هذا يصدق عليه ذاك أو يحمل والمحققون على أنه لا فرق بين قولنا يوجد له ذاك ويثبت ويصدق عليه ويحمل ونحو ذلك إلا بحسب العبارة وما ذكرنا هو الموافق لكلام المحقق في التجريد قال والإمكان ذاتي لا غير إذ لو كان غيريا لكان الشيء في نفسه واجبا أو ممتنعا أي ضروري الوجود أو العدم بالذات ثم يصير لا ضروري الوجود والعدم بالغير فيرتفع ما بالذات وهو محال بالضرورة وهذا معنى الانقلاب قال وقد يؤخذ بمعنى سلب ضرورة الوجود الإمكان بمعنى سلب ضرورة الوجود والعدم هو الإمكان الخاص المقابل للوجوب والامتناع بالذات وقد يؤخذ بمعنى سلب ضرورة الوجود فيقابل الوجوب ويعم الإمكان الخاص والامتناع فيصدق على الممتنع أنه ممكن العدم وقد يؤخذ بمعنى سلب ضرورة العدم فيقابل الامتناع ويعم الإمكان الخاص والوجوب فيصدق على الواجب أنه ممكن الوجود وهذا هو الموافق للغة والعرف ولهذا سمي بالإمكان العامي فإن العامة تفهم منه نفي الامتناع فمن إمكان الوجود نفي امتناع الوجود ومن إمكان العدم نفي امتناع العدم وقد سبق إلى كثير من الأوهام أن للإمكان العام مفهوما واحدا يعم الإمكان الخاص والوجوب والامتناع هو سلب ضرورة أحد الطرفين أعني الوجود والعدم وهو بعيد جدا إذ لا يفهم هذا المعنى من إمكان الشيء على الإطلاق بل إنما يفهم من إمكان وجوده نفي الامتناع ومن إمكان عدمه نفي الوجوب ولهذا يقع الممكن العام مقابلا للممتنع شاملا للواجب كما في تقسيم الكلي إلى الممتنع وإلى الممكن الذي أحد أقسامه أن يوجد منه فرد واحد مع امتناع غيره كالواجب وبهذا ينحل ما يقال على قاعدة كون نقيض الأعم أخص من نقيض الأخص من أنه لو صح هذا لصدق قولنا كل ما ليس بممكن عام ليس بممكن خاص لكنه باطل لأن كل ما ليس بممكن عام ليس بممكن خاص لكنه باطل لأن كل ما ليس بممكن خاص فهو إما واجب أو ممتنع وكل منهما ممكن عام فيلزم أن كل ما ليس بممكن عام فهو ممكن عام قال وقد يعتبر بالنظر إلى الاستقبال بمعنى جواز وجود الشيء في المستقبل من غير نظر إلى الماضي والحال وذلك لأن الإمكان في مقابلة الضرورة وكلما كان الشيء أخلى عن الضرورة كان أحق باسم الممكن وذلك في المستقبل إذ لا يعلم فيه حال الشيء من الوجود والعدم بخلاف الماضي والحال فإنه قد تحقق فيهما وجود الشيء أو عدمه ومنهم من اشترط في الممكن الاستقبال العدم في الحال لأن الوجود ضرورة فيجب الخلو عنه ورد بأن العدم أيضا ضرورة فيجب الخلو عنه أيضا وتحقيقه أنه ممكن في جانبي الوجود والعدم وكما أن الوجود يخرجه إلى جانب الوجود ويشترط الخلو عنه كذلك العدم يخرجه إلى جانب الامتناع فيلزم اشتراط الخلو عنه أيضا فيلزم ارتفاع النقيضين بل اجتماعهما والظاهر أن من اشترط ذلك أراد بالإمكان الاستقبالي إمكان حدوث الوجود وطريانه في المستقبل وهو إنما يستلزم إمكان عدم الحدوث لا إمكان حدوث العدم ليلزم اشتراط الوجود في الحال بل لو اعتبر الإمكان الاستقبالي في جانب العدم بمعنى إمكان طريان العدم وحدوثه يشترط الوجود في الحال من غير لزوم محال قال وقد يعتبر إشارة إلى الإمكان الاستعدادي وهو تهيؤ المادة لما يحصل لها من الصور والأعراض بتحقق بعض الأسباب والشرائط بحيث لا ينتهي إلى حد الوجوب الحاصل عند تمام العلة ويتفاوت شدة وضعفا بحسب القرب من الحصول والبعد عنه بناء على حصول الكثير مما لا بد منه أو القليل كاستعداد الإنسانية الحاصل للنطفة ثم للعلقة ثم للمضغة وكاستعداد الكتابة الحاصل للجنين ثم للطفل وهكذا إلى أن يتعلم وهذا الإمكان ليس لازما للماهية كالإمكان الذاتي بل يوجد بعد العدم بحدوث بعض الأسباب والشرائط ويعدم بعد الوجود لحصول الشيء بالفعل قال وعروض الإمكان يعني أن الماهية إذا أخذت مع وجودها أو وجود علتها كانت واجبة بالغير وإذا أخذت مع عدمها أو عدم علتها كانت ممتنعة بالغير وإنما يعرض لها الإمكان الصرف إذا أخذت لا مع وجودها أو عدمها أو وجود علتها أو عدمها بل اعتبرت من حيث هي هي واعتبرت نسبتها إلى الوجود فحينئذ يحصل من هذه المقايسة معقول هو الإمكان فالإمكان ينفك عن الوجوب بالغير والامتناع بالغير بحسب التعقل بأن لا يلاحظ للماهية ولا لعلتها وجود أو عدم لا بحسب التحقق في نفس الأمر لأن كل ممكن فهو إما موجود فيكون واجبا بالغير أو معدوم فيكون ممتنعا بالغير اللهم إلا على رأي من يثبت الواسطة قال والغيريان يعني أن الوجوب بالغير والامتناع بالغير يتشاركان في اسم الضرورة إلا أن الأول ضرورة الوجود والثاني ضرورة العدم وهذا معنى تقابل المضاف إليه وإذا أخذ الوجوب والامتناع متقابلي المضاف إليه بأن يضاف أحدهما إلى الوجود والآخر إلى العدم صدق كل منهما على ما صدق عليه الآخر بطريق الاشتقاق بمعنى أن كل ما يجب وجوده بالغير يمتنع عدمه بالغير وبالعكس وكل ما يجب عدمه بالغير يمتنع وجوده بالغير وبالعكس وإذا أضيف كل منهما إلى الوجود أو إلى العدم امتنع صدق أحدهما على الآخر إذ لا شيء مما يجب وجوده يمتنع وجوده ولا شيء مما يجب عدمه يمتنع عدمه وهو ظاهر فبينهما لمنع الجمع دون الخلو إذ لا يصدق شيء منهما على الواجب بالذات أو الممتنع بالذات لكن جزء هذه المنفصلة المانعة الجمع أعني قولنا إما أن يكون الشيء واجبا بالغير أو ممتنعا بالغير مما يجوز انقلاب أحدهما إلى الآخر بأن ينعدم الموجود الواجب بالغير لانتفاء علته فيصير ممتنعا بالغير ويوجد الممتنع المعدوم بالغير لحصول علته فيصير واجبا بالغير بخلاف الوجوب الذاتي والامتناع الذاتي فإن بينهما أيضا منع الجمع ضرورة امتناع كون الشيء واجبا وممتنعا بالذات دون الخلو لارتفاعهما عن الممكن لكن يمتنع انقلاب أحدهما إلى الآخر لأن ما بالذات لا يزول وكذا بين الوجوب بالذات والوجوب بالغير وبين الامتناع بالذات والامتناع بالغير منع الجمع دون الخلو مع امتناع الانقلاب أما منع الجمع فلأن الواجب بالغير أو الممتنع بالغير لا يكون إلا ممكنا وهو ينافي الواجب بالذات أو الممتنع بالذات ولأنهما لو اجتمعا لزم توارد العلتين المستقلتين أعني الذات والغير على معلول واحد هو الوجود أو العدم وأما عدم منع الخلو فلارتفاع الوجوب بالذات والوجوب بالغير عن الممتنع بالذات أو بالغير وارتفاع الامتناع بالذات والامتناع بالغير عن الواجب بالذات أو بالغير وأما امتناع الانقلاب فظاهر وقد يستدل على امتناع كون الواجب بالذات واجبا بالغير بأنه لو كان كذلك لارتفع بارتفاع الغير فلم يكن واجبا بالذات وفيه نظر لأنا لا نسلم أنه لو كان واجبا بالغير لارتفع بارتفاعه وإنما يلزم لو لم يكن واجبا بالذات وهو ظاهر وبين الإمكان والوجوب الذاتي والامتناع الذاتي انفصال حقيقي بمعنى أن كل مفهوم فهو إما واجب أو ممتنع أو ممكن لأنه إما أن يكون ضروري الوجود أو لا والثاني إما أن يكون ضروري العدم أو لا فالثلاثة لا تجتمع ولا ترتفع وهذان في التحقيق منفصلتان كل منهما مركبة من الشيء ونقيضه وكذا كل منفصلة تكون من أكثر من جزئين فهي متعددة على ما تقرر في موضعه والاعتراض بضروري الوجود والعدم ليس بشيء لأنه مفهوم إذا لاحظه العقل لم يكن إلا ضروري العدم وهذا كما يقال على قولنا كل مفهوم إما ثابت أو منفي يفرض مفهوما هو ثابت ومنفي فيجتمعان أو ليس بثابت ولا منفي فيرتفعان فنقول هذا المفهوم منفي لا غير وفيما بين الواجب والممتنع والممكن الانقلاب محال لأن ما بالذات لا يزول فإن قيل لم لا يجوز أن يخلتف مقتضى الذات بحسب الأوقات قلنا لأنه حينئذ لا يكون مقتضى الذات بل مع دخل للأوقات فإن قيل الحادث ممتنع في الأزل لأن الأزلية تنافي الحدوث ثم ينقلب ممكنا فيما لا يزال وكون الحادث مقدورا ممكن قبل وجوده ثم ينقلب بعد وجوده ممتنعا ضرورة امتناع القدرة على تحصيل الحاصل أجيب عن الأول بأن قولكم في الأزل إن كان قيدا للحادث فلا نسلم أنه يصير ممكنا فيما لا يزال بل الحادث في الأزل ممتنع أزلا وأبدا وإن كان قيدا للممتنع فلا نسلم أن الحادث ممتنع في الأزل بل هو ممكن أزلا وأبدا فأزلية الإمكان ثابتة للحادث وإمكان الأزلية منتف عنه دائما ولا انقلاب أصلا وعن الثاني بأنا لا نسلم أن مقدورية الشيء بعد وجوده تصير ممتنعة بالذات بل إنما تمتنع بالغير لمانع هو الحصول حتى لو ارتفع لبقي مقدورا كما كان قال المبحث الثالث إذا جعل الوجود رابطة بين الموضوع والمحمول فالكيفية الحاصلة لتلك النسبة من الوجوب والامتناع والإمكان كما في قولنا الإنسان حيوان أو حجر أو كاتب من حيث أنها الثابتة في نفس الأمر تسمى مادة القضية ومن حيث أنها تتعقل أو تتلفظ تسمى جهة القضية سواء طابقت المادة بأن تكون نفسها كقولنا الإنسان حيوان بالوجوب وحينئذ تصدق القضية أو لم تطابقها بأن تكون أعم منها أو أخص أو مباينا وح قد تصدق القضية كقولنا الإنسان حيوان بالإمكان العام وقد تكذب كقولنا الإنسان حيوان بالإمكان الخاص وإنما لم يقتصروا على المواد بل تجاوزوا إلى الجهات بما لها من التفاصيل لأن الغرض من معرفة القضايا تركيب الأقيسة لاستخراج النتائج وهي لا تحصل من المقدمات بحسب موادها الثابتة في نفس الأمر بل بحسب جهاتها المعتبرة عند العقل ثم كلامهم متردد في أن المعتبر في المادة هو الربط الإيجابي حتى تكون مادة نسبة الحيوان إلى الإنسان هو الوجوب سواء قلنا الإنسان حيوان أو ليس بحيوان أو أعم من الإيجابي والسلبي حتى تكون المادة في قولنا الإنسان حيوان هو الوجوب وفي قولنا الإنسان ليس بحيوان هو الامتناع والأظهر الأول ثم المحققون على أن في كل قضية الوجود واللاوجود رابطة والوجوب والامتناع والإمكان جهة سواء صرح بها أو لم يصرح وسواء كان المحمول أحد هذه الأمور أو غيرها حتى أن قولنا الباري تعالى واجب وموجود في معنى يوجد واجبا ويوجد موجودا وقولنا اجتماع النقيضين ممتنع ومعدوم في معنى يوجد ممتنعا ومعدوما أو لا يوجد ممكنا وموجودا وقولنا الإنسان ممكن وموجود في معنى يوجد ممكنا وموجودا فإذا كان المحمول أحد هذه الأمور تتعدد الاعتبارات أي يعتبر وجود هو المحمول وآخر هو الرابطة ووجوب أو امتناع أو إمكان هو المحمول وآخر هو الجهة وتكون نسبة كل من الوجوب والامتناع والإمكان إلى موضوعاتها بالوجوب إذا أخذت ذاتية وإذا أخذ الوجوب والامتناع غير بين فبالإمكان وممكن الوجود لغيره يجب أن يكون ممكن الوجود في نفسه وممكن الوجود في نفسه قد يجب وجوده للغير كلوازم الماهية وقد يمتنع كالذوات المستقلة وقد يمكن كسواد الجسم وهذا معنى قولنا كل ممكن الوجود لغيره ممكن الوجود في نفسه من غير عكس قال المبحث الرابع لا خفاء في أن امتناع اعتبار عقلي وكذاالوجوب والإمكان عند المحققين لأن الوجوب مثلا لو كان موجودا لكان واجبا ضرورة أنه لو كان ممكنا لكان جائز الزوال نظرا إلى ذاته فلم يبق الواجب واجبا وهو محال لما سبق من امتناع الانقلاب والواجب ما له الوجوب فينقل الكلام إلى وجوبه ويلزم التسلسل في الأمور المرتبة الموجودة معا وهو محال وكذا الإمكان ولما كان هذا الدليل بعينه جاريا في الوجود والبقاء والقدم والحدوث والوحدة والكثرة والتعين والموصوفية واللزوم ونحو ذلك جعله صاحب التلويحات قانونا في ذلك فقال كل ما يكون نوعه متسلسلا ومترادفا أي كل ما يتكرر نوعه بحيث يكون أي فرد يفرض منه موصوفا بذلك النوع فيكون مفهومه تارة تمام حقيقته محمولا عليه بالمواطأة وتارة وصفا عارضا به محمولا عليه بالاشتقاق يلزم أن يكون اعتباريا لئلا يلزم التسلسل في الأمور الموجودة ولهذا لم تكن الأمور الموجودة متصفة بمفهوماتها فلم يكن السواد أسود والعلم عالما والطول طويلا ونحو ذلك فإن قيل لم لا يجوز أن يكون وجوب الوجوب مثلا عينه ونفس ماهيته لا أمرا زائدا عليه قائما به كبياض الجسم ليلزم التسلسل وكذا البواقي قلنا لأنه لو كان كذلك لكان محمولا عليه بالمواطاة ضرورة واللازم باطل لأن الوجوب إذا كان واجبا كان حمل الوجوب عليه بالاشتقاق دون المواطأة لأنه لا معنى للواجب إلا ما له الوجوب وأما إذا أريد أن الوجود موجود بمعنى أنه وجود والوجوب واجب بمعنى أنه وجوب والإمكان ممكن بمعنى أنه إمكان إلى غير ذلك فلم يكن له فائدة ولم يتصور فيه نزاع نعم يصح ذلك في الأمور الاعتبارية بأن يعتبر العقل له أوصافا متعددة تنقطع بانقطاع الاعتبار من غير تعدد في الخارج وقدره في المطارحات بوجه آخر يندفع عنه هذا المنع وهو أن الوجوب والإمكان والوجود والوحدة والكثرة والتعين ونحو ذلك حالها واحد في أنها أمور موجودة عندكم اعتبارية عندنا وكل موجود فله وحدة وتعين ووجوب أو إمكان وقدم أو حدوث فلو كان الإمكان مثلا موجودا لكان له وحدة موجودة لها إمكان موجود له وحدة موجودة وهلم جرا فيلزم التسلسل في وحدات الإمكان وإمكانات الوحدة التي هي أمور مترتبة مجتمعة في الوجود مع القطع بأن ليست الوحدة نفس الإمكان وكذا يلزم سلسلة من وجودات الإمكان وإمكانات الوجود وأخرى من تعينات الإمكان وإمكانات التعين وعلى هذا فقس ولما كان ههنا مظنة إشكال وهو أنا قاطعون بأن الباري تعالى موجود وواجب ومتعين وواحد وقديم وباق في الخارج لا في الذهن فقط وكذا إمكان الإنسان وحدوثه وكثرته ونحو ذلك أشار إلى الجواب بأن هذا لا يقتضي كون الوجوب والإمكان وغيرهما أمورا متحققة في الخارج لها صور عينية قائمة بالموضوعات كبياض الجسم لأن معنى قولنا الباري تعالى واجب في الخارج أنه بحيث إذا نسبه العقل إلى الوجود حصل له معقول هو الوجوب ومعنى قولنا الإنسان ممكن أنه إذا نسبه إلى الوجود حصل له معقول هو الإمكان ومعنى قولنا الشيء متعين أو واحد أو كثير أو قديم أو حادث في الخارج أنه بحيث إذا نسبه العقل إلى هذه المفهومات كانت النسبة بينهما الإيجاب لا السلب وهذا ما يقال أن انتفاء مبدأ المحمول في الخارج لا يوجب انتفاء الحمل في الخارج كما في قولنا زيد أعمى ( قال وقد يستدل ) كون الامتناع وصفا اعتباريا لا تحقق له في الأعيان مما لا نزاع فيه ولا حاجة إلى الاستدلال وأما الوجوب والإمكان فقد استدل على كونهما اعتباريين بوجوه
صفحة ١٢٠