شرح المقاصد في علم الكلام
الناشر
دار المعارف النعمانية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
1401هـ - 1981م
مكان النشر
باكستان
تصانيف
الثالث أن معنى كون المعدوم الممكن ثابتا في الخارج أن السواد المعدوم مثلا سواد في نفسه سواء وجد الغير أو لم يوجد وبيانه ظاهر لأنه لو كان كونه سوادا بالغير لزم ارتفاع كون السواد سوادا عند ارتفاع الغير واللازم باطل لأنه يستلزم أن لا يبقى السواد الموجود سوادا عند ارتفاع ذلك الغير الذي هو الموجب لكونه سوادا وهو محال والجواب أنا لانم استلزامه لذلك وإنما يلزم لو كان وجود السواد باقيا عند ارتفاع موجب السوادية وهو ممنوع لم لا يجوز أن يكون ارتفاع ذلك الغير كما يوجب ارتفاع سواديته يوجب ارتفاع وجوده لكونه العلة للوجود أو لازمها فإن قيل لو ارتفع عند ارتفاع ذلك الغير سوادية السواد لزم أن لا يكون السواد سوادا وهو بديهي الاستحالة قلنا إن أريد أنه يلزم السلب أي لبس السواد المعدوم سوادا فلانم استحالته وإن أريد العدول أي السواد المتقرر في نفسه لا سواد فلانم لزومه وإنما يلزم لو كان السواد متقررا في نفسه حينئذ فإن قيل الكل شيء ماهية هو بها هو مع قطع النظر عن كل ما عداه لازما كان أو مفارقا فيكون السواد سوادا سواء وجد غيره أو لم يوجد قلنا لا يلزم من هذا سوى أن يكون السواد سوادا نظر إلى الغير أو لم ينظر وقطع النظر عن الشيء لا يوجب انتفاءه ليلزم كون السواد سوادا وجد الغير أو لم يوجد وهذا كما أنه يكون موجودا مع قطع النظر عن الغير لا مع انتفائه قال هذا في الشيئية يعني أن ما ذكرنا من الاختلاف والاحتجاج إنما هو في شيئية المعدوم بمعنى ثبوته في الخارج وأما أنه هل يطلق عليه لفظ الشيء حقيقة فبحث لغوي يرجع فيه إلى النقل والاستعمال وقد وقع فيه اختلافات نظرا إلى الاستعمالات فعندنا هو اسم للموجود لما نجده شايع الاستعمال في هذا المعنى ولا نزاع في استعماله في المعدوم مجازا كما في قوله تعالى
﴿إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون﴾
وقوله تعالى
﴿وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا﴾
لا ينفي الاستعمال المجازي بل الحقيقي وما ذكره أبو الحسين البصري والنصيبي من أنه حقيقة في الموجود مجاز في المعدوم هو مذهبنا بعينه وعند كثير من المعتزلة هو اسم للمعلوم ويلزمهم أن يكون المستحيل شيئا وهم لا يقولون به اللهم إلا أن يمنع كون المستحيل معلوما على ما سيأتي أو يمنع عدم قولهم بإطلاق الشيء عليه فقد ذكر جار الله أنه اسم لما يصح أن يعلم يستوي فيه الموجود والمعدوم والمحال والمستقيم والذي لا قائل به هو كونه شيئا بمعنى الثبوت في الخارج وعند بعضهم هو اسم لما ليس بمستحيل موجودا كان أو معدوما وما نقل عن أبي العباس الناشي أنه اسم للقديم وعن الجهمية أنه اسم للحادث وعن هشام بن الحكم أنه اسم للجسم فبعيد جدا من جهة أنه لا يقبله أهل اللغة ولا تقوم عليه شبهة لا من جهة وقوع استعماله في غير ما ذكره كل منهم فإن له أن يقول هو مجاز كما نقول نحن في مثل قوله تعالى
﴿إنما قولنا لشيء﴾
وكون الأصل في الإطلاق هو الحقيقة مشترك الإلزام فلا بد من الرجوع إلى أمر آخر من نقل أو كثرة استعمال أو مبادرة فهم أو نحو ذلك ( قال احتج المثبتون للحال بوجوه
صفحة ٨٥