فقد علمت النسبة نوعا آخر من العلم وهو المسمى بالحكم والتصديق وحقيقته إذعان النفس وقبولها لوقوع النسبة أولا وقوعها ويعبر عنه بالفارسية بكر ويدن على ما صرح به ابن سينا وهذا ما قال في الشفاء التصور في قولك البياض عرض هو أن يحدث في الذهن صورة هذا التأليف وما يؤلف منه كالبياض والعرض والتصديق هو أن يحصل في الذهن نسبة هذه الصورة إلى الأشياء أنفسها أنها مطابقة لها والتكذيب يخالف ذلك وفي هذا الكلام إشارة إلى أن مدلول الخبر والقضية هو الصدق وإنما الكذب احتمال عقلي وليس فيه انحصار التصديق في المطابق كما توهم إذلا يلزم من حصول الشيء كالمطابقة مثلا في النفس تحققه في الواقع قوله والضرورة قاضية يعني أن كلا من التصور والتصديق ينقسم إلى النظري والضروري لأنا نجد في أنفسنا احتياج بعض التصورات والتصديقات إلى النظر كتصور الملك والجن والتصديق بحدوث العالم واستغناء بعضها عنه كتصور الوجود والعدم والتصديق بامتناع اجتماع النقيضين والمراد الاحتياج والاستغناء بالذات حتى يكون الحكم المستغنى في نفسه عن النظر ضروريا وإن كان طرفاه بالكسب على ما تقرر عند الجمهور من أن التصديق الضروري مالا يتوقف بعد تصور الطرفين على نظر وكسب وعبارة المواقف وهو أن البعض ضروري بالوجدان والبعض نظري بالضرورة ربما يوهم أن الثاني ليس بالوجدان لكن المراد ما ذكرنا وفسر القاضي أبو بكر العلم الضروري بما يلزم نفس المخلوق لزوما لا يجد إلى الانفكاك عنه سبيلا وقيد بالمخلوق لأن الضروري والنظري من أقسام العلم الحادث واعترض عليه بأن النفس قد تنفك عن العلم الضروري بأن يزول بعد الحصول لطريان شيء من أضداد العلم كالنوم والغفلة أو بأن لا يحصل أصلا لانتفاء شرط من شرائطه مثل التوجه وتصور الطرفين واستعداد النفس والإحساس والتجربة ونحو ذلك مما يتوقف عليه بعض الضروريات وأجيب بأن المراد أنه لا يقتدر على الانفكاك والانفكاك فيما ذكرتم من الصور ليس بقدرة المخلوق وهذا ما قال في المواقف أن عبارته مشعرة بالقدرة يعني يفهم من قولنا يجد فلان سبيلا إلى كذا أو لا يجد أنه يقتدر عليه أو لا يقتدر والحاصل إن إطلاق الضروري على العلم مأخوذ من الضرورة بمعنى عدم القدرة على الفعل والترك كحركة المرتعش ولذا قد يفسر بما لا يكون تحصيله مقدورا للمخلوق إلا أن قيد الحصول مراد ههنا بقرينة جعل الضروري من أقسام العلم الحادث ومصرح في عبارة القاضي ليخرج العلم بمثل تفاصيل الأعداد والأشكال مما لا قدرة للعبد على تحصيله ولا على الانفكاك عنه فإن قيل يرد على طرد العبارتين العلم الحاصل بالنظر إذ لا قدرة حينئذ على تحصيله ولا على الانفكاك عنه أجيب عنه بأن المعتبر في الضروري نفي القدرة دائما وفي النظري إنما تنتفى القدرة بعد الحصول
صفحة ٢٠