شرح المقاصد في علم الكلام
الناشر
دار المعارف النعمانية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
1401هـ - 1981م
مكان النشر
باكستان
تصانيف
الأول أنها تكون حلا لأمور يمتنع حلولها في الماديات وكل ما هو كذلك يكون مجردا بالضرورة أما بيان كونها محلا لأمور هذا شأنها فلأنها تتعقلها وقد سبق أن التعلق إنما يكون بحلول الصورة وانطباع المثال والمادي لا يكون صورة لغير المادي ومثالا له وأما بيان تلك الأمور وامتناع حلولها في المادة فهو أن من جملة معقولاتها الواجب وإن لم يكن تعقله بالكنه والجواهر المجردة وإن لم نقل بوجودها في الخارج إذ ربما يعقل المعنى فيحكم بأنه موجودا وليس بموجود ولا خفاء في امتناع حلول صورة المجرد في المادي ومنها المعاني الكلية التي لا يمنع نفس تصورها الشركة كالإنسانية المتناولة لزيد وعمرو فإنها يمتنع اختصاصها بشيء من المقادير والأوضاع والكيفيات وغير ذلك ما لا ينفك عنه الشيء المادي في الخارج بل يجب تجردها عن جميع ذلك وإلا لم تكن متناولة لما ليس له ذلك والحاصل أن الحلول في المادي يستلزم الاختصاص بشيء من المقادير والأوضاع والكيفيات وغير ذلك والكلية تنافي ذلك فلو لم تكن النفس مجردة لم تكن محلا للصورة الكلية عاقلة لها واللازم باطل ومنها المعاني التي لا تقبل الانقسام كالوجود والوحدة والنقطة وغير ذلك وإلا لكان كل معقول مركبا من أجزاء غير متناهية بالفعل وهو محال ومع ذلك فالمط وهو وجود مالا ينقسم أصلا حاصل لأن الكثرة عبارة عن الوحدات وإذا كان من المعقولات ما هو واحد غير منقسم لزم أن يكون محله العاقل له غير جسم بل مجردا لأن الجسم والجسماني منقسم وانقسام المحل مستلزم لانقسام الحال فيما يكون الحلول لذات المحل كحلول السواد والحركة والمقدار في الجسم لا لطبيعة تلحقه كحلول النقطة في الخط لتناهيه وكحلول الشكل في السطح لكونه ذا نهاية واحدة أو أكثر وكحلول المحاذاة في الجسم من حيث وجود جسم آخر على وضع ما فيه وكحلول الوحدة في الأجزاء من حيث هي مجموع ومنها المعاني التي لا يمكن اجتماعها إلا في المجردات دون الجسم كالضدين وكعدة من الصور والأشكال فإنه لا تزاحم بينها في العقل بل نتصورها ونحكم فيما بينها بامتناع الاجتماع في محل واحد من المواد الخارجية حكما ضروريا وهذا الوجه من الاحتجاج يمكن أن يجعل وجوها أربعة بأن يقال لو كانت النفس جسما لما كانت عاقلة للمجردات أو للكليات أو للبسائط أو للمتمانعات والجواب أن مبنى هذا الاحتجاج على مقدمات غير مسلمة عند الخصم منها أن تعقل الشيء يكون بحلول صورته في الحال لا بمجرد إضافة بين العاقل والمعقول ومنها أن النفس لو لم تكن مجردة لكانت منقسمة ولم يجز أن تكون جوهرا وضعيا غير منقسم كالجزء الذي لا يتجزأ ومنها أن الشيء إذا كان مجردا كانت صورته الإدراكية مجردة يمتنع حلولها في المادي ولم يجز أن تكون حالة في جسم عاقل لكنها إذا وجدت في الخارج كانت ذلك الشيء المجرد ومنها أن صورة الشيء إذا اختصت بوضع ومقدار وكيفية لحلولها في جسم كذلك كان الشيء أيضا مختصا بذلك ولم يجز أن يكون في ذاته غير مختص بشيء من الأوضاع والكيفيات والمقادير ومنها أن الشيء إذا لم يقبل الانقسام كانت صورتها الحاصلة في العاقل كذلك ولم يجز أن تكون منقسمة بانقسام المحل العاقل مع كون الشيء غير منقسم لذاته ولا لحلوله في منقسم ومنها أن الشيئين إذا كانا بحيث يمتنع اجتماعهما في محل كالسواد والبياض كانت الصورتان الحاصلتان منهما في الجوهر العاقل كذلك وقد سبق أن صورة الشيء قد تخالفه في كثير من الأحكام ومنها أن اجتماعهما في العاقل لا يجوز أن يكون لقيام كل منهما بجزء منه ومنها أن انقسام المحل يستلزم انقسام الحال فيه لذاته ليمتنع حلول البسيط في العاقل الجسماني المنقسم البتة بناء على نفي الجزء الذي لا يتجزأ ولا يخفى أن بعض هذه المقدمات مما قامت عليه الحجة قال الثاني أي من الوجوه الاحتجاج على تجرد النفس أنها متصفة بصفات لا توجد للماديات وكل ما هو كذلك يكون مجردا بالضرورة بيان الأول أنها تدرك ذاتها وآلاتها وإدراكاتها ولا يلحقها بكثرة الإدراكات وضعف القوى البدنية ضعف وكلال بل ربما تصير أقوى وأقدر على الإدراك ولا شيء من القوى الجسمانية كذلك وهذا يمكن أن يجعل وجودها
أحدها أنها تدرك ذاتها وآلاتها وإدراكاتها والمدرك الجسماني ليس كذلك كالباصرة والسامعة والوهم والخيال لأنها إنما تعقل بتوسط آلة ولا يمكن توسط الآلة بين الشيء وذاته وآلته وإدراكاته
صفحة ٣٢