والفواخت إلى تلك الظلال، فيشربون ويأنسون بتغريدهن، ويقيمون ترجيع أصواتهن مقام المزامير والأوتار وأنا أسوق من المنظوم ما يوافق هذا النثر، كقول أبي صخر الهذليّ: [الطويل]
ولما دعت غوريّة الأيك سجّعت ... فسجّع دمعي يستهل ويستشري
يذكرني شجوى دعاء حمامة ... ويبعث لوعات الصّبابة في صدري
بكت حزنا رزء الهديل وشفّني ... فراق حبيب ضاق عن فقده صبري
وأنشد الأصمعي قال: [البسيط]
أيّها البلبل المغرّد في النّخ ... ل غريبا عن أهله حيرانا
أفراقا تشكوه أم ظلت تدعو ... فوق أفنان نخلة ورشانا!
هاج لي صوتك المغرّد شجوا ... ربّ صوت يهيّج الأحزانا
وقال آخر: [الوافر]
أحنّ إلى حوائط ذات عرق ... لتغريد الفواخت والحمام
ألمّ بها بكلّ فتى كريم ... من الفتيان مخلوع الزّمام
وقال آخر: [الوافر]
إذا غنّت على الأغصان ورق ... أجبناها بإعمال المدام
وقال آخر: [الوافر]
سيغنيك عن مزمار آل محرّق ... ومربعهم تغريد تلك الحمائم
بأيكة أطيار تجاوبن بالضحى ... على باسقات مائلات نواعم
وأنشد أبو عليّ عفا الله تعالى عنه: [الطويل]
ومن بستان إبراهيم غنّت ... حمائم بينها فنن رطيب
فقلت لها وقيت سهام رام ... ورقط الريش مطعمها الحبوب
كما هيّجت ذا حزن معنى ... على أشجانه فبكى الغريب
وقال نصيب: [الوافر]
لقد هتفت في جنح ليل حمامة ... تبكي على إلف وإني لنائم
كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا ... لما سبقتني بالبكاء الحمائم (١)
_________
(١) البيتان للمجنون في ديوانه ص ١٨٦، والأغاني ٢/ ٦٢، والمقاصد النحوية ٤/ ٤٧٣، ولنصيب في
1 / 30