68

شرح كتاب السياسة الشرعية لابن تيمية

الناشر

مدار الوطن للنشر

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٧ هجري

مكان النشر

الرياض

العلم أكثر لخفاء الحكومات، قُدِّم العالم(١). وأكثر العلماء يقدمون ذا الدين، فإن الأئمة متفقون على أنه لابد في المتولي من أن يكون عدلاً أهلاً للشهادة، واختلفوا في اشتراط العلم: هل يجب أن يكون مجتهداً، أو يجوز أن يكون مقلدًا، أو الواجب تولية الأمثل فالأمثل كيفما تيسر؟ على ثلاثة أقوال، وبسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع(٢).


(١) فإذا كان عندنا عالم جيد يستطيع حلّ المشكلات، وآخر دون ذلك - وهو بالنسبة إليه جاهل - لكنّه أدين، فهنا ننظر: فإذا كانت الحاجة إلى الدين أكثر؛ لغلبة الفساد، قُدِّم الدَّيِّن. وإذا كانت الحاجة إلى العلم أكثر؛ لخفاء الحكومات؛ فإنه يقدِّم العالم. ومراده بالعالم هنا، الذي دون ذاك في الدِّين. حتى العالم الفاسق؛ إذا لم نجد إلاَّ علماء فسقة.

فإذا لم نجد من طلبة العلم إلاَّ من يحلقون لحاهم، أو يُطيلون ثيابهم، فلا نترك القضاء؛ لأنه لا يوجد إلا فاسق، ولا يمكن هذا، بل تولّي الأمثل فالأمثل.

فقول المؤلف ((وإن كانت الحاجة إلى العلم أكثر؛ لخفاء الحكومات قُدِّم العالم)) يعني: إذا كانت المسائل مشتبهة مشتبكة، تخفى، وتحتاج إلى عالم جيّد؛ فهنا يقدم العالم على الدّيِّن، وإذا كان الهوى والشرّ والفساد والرشوة فاشية؛ يقدَّم الدّيِّن على العالم، وكلٌّ منهما أهل للقضاء.

(٢) والصواب أن الواجب تولية الأمثل فالأمثل؛ لقول الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦]، وإذا طبَّقنا هذه الآية؛ فإننا ننظر الأمثل فالأمثل؛ فنوليه. ولكن كما قال شيخ الإسلام في الأوّل، قد تكون المراعاة للدين، وقد تكون المراعاة للعلم؛ بحسب القضايا، وبحسب أحوال الناس.

59