شرح كتاب السياسة الشرعية لابن تيمية
الناشر
مدار الوطن للنشر
الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٧ هجري
مكان النشر
الرياض
تصانيف
مذاهب أخرى
الفصل الثالث
[قلة اجتماع الأمانة والقوة في الناس]
اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، ولهذا كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: اللَّهم أشكو إليك جَلَدَ الفاجر، وعجز الثقة(١). فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها. فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة، والآخر أعظم قوة، قُدَّم أنفعهما لتلك الولاية، وأقلهما ضررًا فيها، فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع وإن كان فيه فجور، على الرجل الضعيف العاجز، وإن كان أمينًا.
كما سئل الإمام أحمدُ: عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو، أحدهما قويًّ فاجر، والآخر صالح ضعيف، مع أيهما يُغزى؟ فقال: أمَّا الفاجر القوي، فقوته للمسلمين، وفجوره على نفسه،
(١) يقول: اللَّهم أشكو إليك جَلَدَ الفاجر وعجز الثقة. الأول: قوَّةً بلا أمانة. والثاني: أمانة بلا قوَّةً.
هذا في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يشكو إلى الله جَلَدَ الفاجر، وعجز الثقة. وهذا مشاهد حتى يومنا هذا. تجد الذي ليس أهلاً للولاية من حيث الأمانة، عنده نشاط وقوّة، وإنجازٌ للأعمال. وتجد الرجل الأمين قد يفقد هذا، فربما يكون فيه هذا، لكن قد يفقدُهُ. فلذلك تجد الذين يولّون الناس، يختارون الذي ينجز أعمالهم حتى وإن لم يكن أمينًا.
47