شرح حديث عمار بن ياسر ﵁ -
محقق
أبي مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني
الناشر
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
تصانيف
في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ (١).
وإن كان غنيًا لم يحمله غناه عَلَى السرف والطغيان؛ بل يكون مقتصدًا أيضًا، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ (٢).
وإن كان المؤمن في حال غناه يزيد عَلَى نفقته في حال فقره، كما قال بعض السلف: إِنَّ المؤمن يأخذ عن الله أدبًا حسنًا، إذا وسع الله عليه، وسع عَلَى نفسه، وإذا ضيق عليه، ضيق عَلَى نفسه، ثم تلا قوله تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ (٣) لكن يكون في حال غناه مقتصدًا غير مسرف، كما يفعله أكثر أهل الغنى الذين يخرجهم الغنى إِلَى الطغيان، كما قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ (٤).
كان علي ﵁ يعاتب عَلَى اقتصاده في لباسه في خلافته فيقول: هو أبعد عن الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم (٥).
وعوتب عمر بن عبد العزيز في خلافته عَلَى تضييقه عَلَى نفسه فَقَالَ: إِنَّ أفضل القصد عند الجدة، وأفضل العفو عند المقدرة.
يعني أفضل ما اقتصد الإنسان في عيشه وهو واجد قادر، وهذه حال النبي ﷺ وخلفائه الراشدين، لم تغيرهم سعة الدُّنْيَا والملك ولم يتنعموا في الدُّنْيَا.
وقد روي عن سليمان ﵇، أنه كان يأكل خبز الشعير ويلبس الصوف.
وسئل الحسن ﵁ عن رجل آتاه الله مالًا، فهو يحج منه ويتصدق، أله أن يتنعم فيه منه؟ قال: لا، لو كانت له الدُّنْيَا ما كان له إلا الكفاف.
_________
(١) الإسراء: ٢٩.
(٢) الفرقان: ٦٧.
(٣) الطلاق: ٧.
(٤) العلق: ٦ - ٧.
(٥) أخرجه الضياء في "المختارة" (٢/ ٢١) برقم (٤٥٩، ٤٦٠) وقال: إسناده حسن.
1 / 168