شرح فصول أبقراط
تصانيف
في تفسير الطبيعة. الطبيعة في عرف الطب تطلق على أربعة * معان (1332) . أحدها على القوة المدبرة للبدن التي من شأنها حفظ كمالاته. وثانيها على الهيئة البدنية كما قال أبقراط في * كتاب (1333) ابيديميا أن أكثر من يموت بالسل من كانت طبيعته متهيئة للسل أي من * كانت (1334) هيئة بدنه قابلة لذلك. وهو أن يكون مجنح الأكتاف بارز الحنجرة عاري الصدر طويل الرقبة نحيف البدن. وثالثها على المزاج الخاص بالشخص كما ذكر في هذا الفصل. فيقال: طبيعة قابلة لهذا أي مزاجه قابل لذلك. ورابعها على البراز فيقال طبيعة مجيبة أي برازه. غير أن مراده هاهنا بالطبيعة المزاج على ما * ذكرنا (1335) PageVW5P098A .
البحث الثالث
في بيان قلة خطر المرض المناسب وقوة خطر * المضاد (1336) . هذا الأمر الأطباء مختلفون فيه. فذهب الفاضل جالينوس إلى أن المرض المضاد لهذه أشد خطرا من المناسب لها. * قال (1337) وذلك لأنه لم يحدث إلا وسببه * قوي (1338) حتى قهر هذه وأوجب المرض. ثم قال: والتجربة تشهد بصحة هذا PageVW1P045B فإنه متى عرض حمتان محرقتان متساويتان في العظم أحدهما في الصيف والأخرى في الشتاء وجدت التي عرضت في الشتاء أجلب للهلاك من * التي (1339) عرضت في الصيف. فإن كان حصول الحمى عند حرارة الهواء ثم انتقل الهواء إلى البرد انتفع صاحب الحمى ببرد الهواء منفعة عظيمة، ويصير مزاجا الهواء له جيدين محمودين. أما الاأول فعلى طريق أنه علامة جيدة لما ذكرنا. وأما ألثاني فعلى طريق أنه * سبب جيد (1340) . فهذا ما لاح لنا في هذا * الجانب (1341) . وذهب ديقلس إلى أن المناسب أشد خطرا من غير المناسب. وقد تمسك في هذا بوجبه واحد وزدنا نحن من جهته وجوها خمسة. أحدها وهو ما ذكره أن الأشياء المتشابهة للأمراض تهيجها وتقويها والأشياء * المضادة (1342) تضعفها وتوهنها لأن شفاء الضد بالضد. وثانيها * لنا (1343) أن المرض المناسب للفصل والسن أشد أعراضا من غير المناسب. ويدل عليه الاستقراء اللطبي، فإن الحمى المحرقة إذا حصلت في الصيف لشاب محرور كانت أعراضها أشد منها إذا حصلت لشيخ مبرود في زمان الشتاء، والأعراض دالة على الأمراض. فشدتها وقوتها دالة على قوة المرض. فالمرض المناسب أقوى وأخطر من غير المناسب. وثالثها لنا أن توليد الخلط في الفصل والمزاج المناسبين أكثر من توليده في الفصل والسن * المضادين (1344) وحيث كان الخلط أكثر فالمرض الحادث عنه * أعظم (1345) وأقوى، وحيث كان المرض كذلك فهو أخطر. فالمرض المناسب * أخطر (1346) من غير المناسب. ورابعها لنا أن استعداد الجسم للانفعال عن المناسب أشد من انفعاله عن غير * المناسب (1347) ، وعند ذلك يكون الأثر عظيما. فالمرض المناسب للمزاج والسن والسخنة والوقت الحاضر أعظم من المضاد لهذه فيكون أخطر. وإنما قلنا إن انفعال الجسم من المناسب أشد من انفعاله من غير المناسب هو أنا إذا أخذنا جسمين قابلين للاحتراق متساويين في الماهية والتخلخل والتكاثف والرقة والغلظ وسخنا أحدهما بالنار أو بالشمس ثم أدنيناهما إلى النار، فإنا نرى الجسم المسخن أسرع احتراقا وأشد التهابا من غير المسخن. وما ذاك إلا أن الاستحالة من المناسب أسرع وأشد من غير المناسب. فالمرض المناسب أشد خطرا من غير المناسب. وخامسها لنا أن المناسب يكون فيه المزاج الأصلي والسن والوقت الحاضر مقاومة للمعالجة ومعاندة لها PageVW5P098B بخلاف المضاد. فإن الأمور المذكورة تكون معينة للمعالجة ومقاومة * للمرض (1348) . وما كان كذلك فهو أقل خطرا وأسرع برؤا. فالمرض المناسب أشد خطرا من غير المناسب. وسادسها لنا أن الشيخ إذا أحصل له فالج أو لقوة في زمان الشتاء يتعذر برؤهما، ولا كذلك إذا كان حصولهما لشاب محرور في زمان الصيف. فالمرض المناسب أشد خطرا من غير المناسب. فهذا ما لاح لنا في هذا الباب. * والحق في هذا الباب (1349) ما ذهب إليه الفاضل جالينوس فإن المرض المضاد للفصل والسن والمزاج يدل على قوة سببه وعظمه وقوة السبب تدل على شدة الخطر. فالمرض المناسب أقل خطرا من غير المناسب. ولنضرب لهذا مثالا * في (1350) الوجود الخارجي وهو أن الحطب إذا كان نديا وفي زمان الشتاء عند برد الهواء فإنه لا يحترق ويوقد إلا بنار قوية جدا بخلاف ما إذا كان يابسا متخلخلا وفي زمان الصيف وعند كون الهواء حارا فإنه يشتعل ويلتهب من أدنى نار. فإذا عرفت هذا فنقول: * الجواب (1351) عن ما تمسك به ديقلس قوله أن الأشياء المتشابهة للأمراض تهيجها وتقويها إلى آخره، نقول: لا شك أن المتشابهة للأمراض * تهيجها (1352) غير أن الأمراض في مثل * هذه (1353) الأوقات * لا تحتاج في حودوثها إلى سبب قوي بل أدنى سبب يحدثها ويثيرها فحصولها في مثل هذه الأوقات (1354) يدل على ضعف السبب، وضعف السبب يدل عليه قلة الخطر. فالمناسب * من المرض (1355) أقل خطرا من غير المناسب. وأما قوله إن ألأمور المذكورة متى كانت مضادة نفعت في المعالجة، قلنا: الأمور المذكورة لا * يخلو (1356) إما أن تكون حاصلة قبل حدوث المرض وإما أن تكون حاصلة بعد حدوث المرض. فإن كان الأول فحصول المرض في مثل هذا الوقت يدل على قوة سببه فهو أخطر. وإن كان الثاني فتكون نافعة في المعالجة ومعينة لها. ولأجل هذا قال أبقراط فيما بعد صاحب الصرع إذا كان حدثا فبرؤه منه يكون خاصة بانتقاله في السن والبلد والتدبير * والبلد (1357) . والجواب عما ذكرنا نحن ثانيا قولنا إن الأعراض في المناسب أشد منها في غير المناسب. وشدة الأعراض تدل على قوة المرض. قلنا: لا نسلم أن شدتها تدل على قوة المرض بل شدتها لأجل حصول ما يناسبها ويلائمها، غير أنه لا يدل على قوة السبب الفاعل للمرض كما ذكرنا * في (1358) أمر الحطب الندي في زمان الشتاء * في (1359) هواء بارد. فإنه لا يحترق ويشتعل إلا من نار قوية جدا. والجواب عما ذكرنا ثالثا قولنا: إن تولد الخلط في الفصل والسن المناسبين أكثر إلى آخره. نقول: هذا مما لا شك فيه، غير أن ورود الخلط في مثل هذه الأمور * المذكورة (1360) يدل على قوة سببه. وأيضا فإن الأعضاء والقوى تتالم به أكثر لأنه كالغريب منها. والجواب عما * ذكرناه (1361) رابعا PageVW5P099A قولنا: إن استعداد الجسم للانفعال من المناسب أشد * من انفعال (1362) غير المناسب، غير أن * الأمر (1363) الحادث من المناسب لم يكن عظيما بل يكن سريعا بخلاف * الأمر (1364) الحادث عن المضاد فإنه لا يكون إلا لأمر عظيم قوي في بابه كما ذكرنا في أمر الحطب الندى. والجواب عما ذكرناه خامسا قولنا إن السن والمزاج والوقت تكون في المضاد معينة في المعالجة إلى آخره. نقول: هذه إنما تكون معاندة إذا كان حصول المرض بعد حصولها فإنها في مثل هذا الوقت يكون * مضادا معينة المعالجة إلى آخره، نقول: إنما تكون معاندة إذا كان حصولها بعد حصول المرض فإنها في مثل هذا الوقت تكون معينة (1365) للمعالجة مقاومة للمرض. أما إذا كان * حصول المرض بعد حصولها (1366) أو في حال حصولها فإنها لم تكن في مثل * هذا (1367) الوقت معينة للمعالجة بل مقهورة مكسورة من ورود سبب المرض المحدث له. فإنه لن يحدث مع وجودها إلا وهو * قوي (1368) فالمرض المناسب أقل خطرا من غير المناسب. والجواب عما ذكرناه سادسا تعذر برؤ * الفالج (1369) واللقوة في سن الشيخوخة لا سيما في آخرها ليس هو لقوة المرض أو لقوة سببه بل لضعف الحرارة الغريزية والقوى الطبيعية عن نضج المادة الموجبة لها ودفعها عن البدن وسهولة برؤها في سن الشباب لضد ذكرنا.
البحث الرابع
في تأييد ما ذهب إليه الفاضل جالينوس وهو أنا نقرض شخصين أحدهما محرور في درجة واحدة * والثاني (1370) * مبرود (1371) في درجة واحدة أيضا، ثم حصل لهما مرض * حار (1372) في درجة واحدة فإن المحرور خرج عن * مزاجه (1373) الطبيعي درجة واحدة والمبرود درجتين، درجة قابلت مزاجه * فاعتدل (1374) ، ودرجة أخرى أخرجته حتى * احترقت (1375) بفعله. فلذلك كان المرض المناسب أقل خطرا من غير المناسب.
البحث الخامس:
قال الفاضل جالينوس: وقد غلط قوم من المقسرين فقالوا إن المرض الملائم لطبيعة لمريض هو المضاد له في مزاجة لأن المزاج البارد ملائم للحار * لأن (1376) به شفاؤه. قال جالينوس: وقد حاد * هذا (1377) المفسر عن حقائق الأمور وعن رأي أبقراط. * وهذا (1378) المفسر * قد (1379) ذهب إلى ما ذهب إليه ديقلس وهو أن الملائم أشد خطرا من غير الملائم. وقد أبطلناه وفيه أمر وهو أنه قد خرج عن الاصطلاح المشهور بين الأطباء، فإن الحار لا شك أنه ملائم للحار * لا أن (1380) البارد ملائم له، بل هو ضده فإن الملائمة مجانسة ومماثلثة لا مضادة ومقابلة.
البحث السادس:
قال بعض المغفلين هذا الفصل يناقضه فصلان * قد (1381) ذكرها أبقراط أحدهما في هذا الكتاب والآخر في كتاب ابيديميا. أما المذكور في هذا الكتاب فهو قوله * إنما يعرض من (1382) البحوحة والنزل للشيخ الفاني * ليس (1383) يكاد ينضج فإن البحوحة والنزل من الأمراض المناسبة لسن الشيخوخة. وأما المذكور في كتاب ابيديميا * فهو (1384) قوله إن أكثر من يموت بالسل من كانت طبيعته مائلة إلى السل. ولا شك أن من كانت طبيعته كذلك كان السل موافقا * ومناسبا له (1385) . * قلنا (1386) : الجواب عن * الفصل (1387) الأول أن تعذر * برؤ (1388) البحوحة والنزل * العارضين (1389) للشيخ الفاني * ليس (1390) لأجل المناسبة بل PageVW5P099B لأجل ضعف قواه وحرارته الغريزية لا سيما للفاني وليس هذا خاص بالأمراض المناسبة له فقط بل وبغير المناسبة فإن الجميع يتعذر * برؤه (1391) في مثل هذا * السن (1392) ، أو نقول: فرق بين قولنا لا ينضج وبين قولنا * ذو (1393) خطر فالأمراض المذكورة لم يقل إنها خطرة بل قال * إنها (1394) عسرة النضج. وعند ذلك يحتمل أن لا يكون فيها خطر لأن المخطر هو المهلك. وأما الفصل الآخر فنقول: مرادا أبقراط * فيه بالطبيعة الهيئة البدنية فإن من كانت هيئة بدنه متهيئة للسل وقد ذكرناها فإنه كثيرا ما يموت بالسل وقد عرفت أن مراد بقراط بالطبيعة في (1395) هذا الفصل المزاج لا الهيئة البدنية فلا مناقضة بين الفصلين.
البحث السابع:
صفحة غير معروفة