* قال (1) موسى بن عبيد الله القرطبي الإسرائيلي (2) [1] B * ما أظن أحدا من العلماء الذين ألفوا الكتب ألف كتابا في نوع من أنواع العلوم وهو يقصد أن لا يفهم ما تضمنه كتابه حتى يشرح. ولو قصد هذا أحد من واضعي الكتب، لكان قد أبطل غاية تأليف كتابه (3)؛ * لأن المؤلف ما يؤلف تأليفه ليفهم نفسه ما تضمنه ذلك التأليف، وإنما يؤلف ما ألف ليفهم ذلك غيره، وإذا كان ما ألفه لا يفهم إلا بتأليف آخر، فقد أبطل غاية كتابه. وإنما الأسباب الداعية للمتاخرين إلى شرح كتب المتقدمين وتفسيرها عندي أحد أربعة أسباب: الأول منها: كمال فضيلة المؤلف، فإنه لجودة ذهنه يتكلم في أمور غامضة خفية بعيدة الإدراك بكلام وجيز، ويكون ذلك بين عنده لايحتاج إلى زيادة فإذا A رام المتأخر بعده فهم تلك المعاني من ذلك الكلام الوجيز، عسر ذلك عليه جدا، فيحتاج الشارح إلى بسط زائد في القول حتى يفهم المعنى الذي قصده المؤلف الأول. والسبب الثاني: حذف مقدمات الكتاب، وذلك أن المؤلف قد يؤلف كتابه معتمدا على أن يكون الناظر قد تقدم له علم المقدمات الفلانية، فإذا رام فهم ذلك الكتاب من لا علم له بتلك المقدمات لم ينفهم له شيء فيحتاج الشارح إلى إحضار تلك المقدمات وتثبيتها، أو ينبه على الكتب التي تثبت فيها تلك المقدمات ويرشد إليها. وبحسب هذا السبب أيضا يبين الشارح علل ما لم يذكر المؤلف علته. والسبب الثالث: ترجيح القول. وذلك أن أكثر الأقاويل في كل لغة تحتمل التأويل ويمكن أن ينفهم من ذلك القول معاني مختلفة (4) כי המחבר אינו (5) מחבר חבורו להבין לעצמו מה שיכלול החבור ההוא אבל יחבר מה שיחבר כדי (6) שיבין אותו זולתו וכאשר היה (7) מה שחבר בלתי מובן כי אם בחבור אחר הנה בטל עליו ספרו. [2] ואולם (8) הסבות המצריכות (9) האחרונים לבאר ספרי הראשונים (10) ולפרשם הם (11) אצלי אחת מארבעה סבות. הסבה (12) הראשונה שלמות מעלת (13) המחבר שהוא לטוב הבנתו ידבר בענינים עמוקים נסתרים (14) רחוקים להשיג (15) בלשון קצר ויהיה זה מבואר (16) אצלו לא יצטרך אל תוספת וכאשר בקש (17) הבא אחריו להבין אותם (18) הענינים מן (19) הלשון ההוא הקצר היה (20) קשה זה עליו מאד והוצרך (21) המפרש אל תוספת מלות במאמר (22) עד שיובן הענין אשר כונו (23) המחבר הראשון (24). [3] והסבה (25) השנית חסרון (26) הקדמות (27) הספר וזה (28) כי המחבר פעמים יחבר ספר חושב (29) שיהיה המעיין בו כבר קדם לו ידיעת ההקדמות אשר לא יובן לו דבר בלעדיהם ויצטרך המפרש לזכור בקצור אותם ההקדמות ולהישיר אליהם ולפי זאת הסבה גם כן יבאר המפרש חכמה אחת שלא זכר המחבר אותה. [4] והסבה השלישית אופני (30) המאמר וזה (31) כי רוב המאמרים בכל לשון יסבול (32) הסברות ויהיה אפשר שיובן מן המאמר ההוא ענינים מתחלפים [[1a]] بل بعضها متضادة (33)، بل متناقضة، فيقع الاختلاف بين الناظرين (34) في ذلك القول ويتأوله شخص تأويلا ما، ويقول (35): ما أراد به المؤلف إلا هذا المعنى (36)، ويتأوله شخص آخر تأويلا آخر، B فيحتاج الشارح لذلك القول إلى ترجيح (37) أحد التأويلات، والاستدلال على صحته، وتزييف (38) ما سواه. [5] والسبب الرابع: الأوهام الواقعة للمؤلف، أو الكلام المكرر (39)، أو ما (40) لا فائدة فيه أصلا. فيحتاج الشارح أن ينبه (41) عليها، وليستدل على بطلانها أو على كون ذلك القول غير مفيد أو مكرر؛ وهذا لا يسمى (42) شرحا بالحقيقة بل ردا وتنبيها. لكن (43) قد جرت العادة عند الناس أن ينظر الكتاب، فإن كان ما قيل فيه أكثره صواب، فيتعد التنبيه (44) على تلك المواضع القليلة من جملة الشرح، ويقال: وهم المؤلف في قوله كذا، والحق هو كذا؛ أو هذا (45) لا يحتاج إلى ذكره (46)، أو هذا تكرر القول فيه، وتبيين (47) ذلك كله. فأما إن كان ما قيل (48) في ذلك الكتاب أكثره خطأ، فيسمى التأليف الأخير الذي يكشف تلك الأغلاط ردا لا شرحا. وإذا ذكر في كتاب الرد شيء من الأقاويل الصحيحة التي ذكرت في التأليف (49) الأول قيل: أما قوله: كذا (50)، فصحيح. [6] فكل ما (51) شرح من كتب أرسطو إنما شرح بحسب السبب الأول A والثالث فيما ظهر لنا، وكل ما شرح من كتب التعاليم إنما شرح بحسب السبب الثاني. وقد تشرح بعض أقاويل تعليمية بحسب السبب الرابع أيضا، لأن هذا كتاب المجسطي (52) مع (53) جلالة مؤلفه (54) قد وقعت له في كتابه أوهام نبه (55) عليها جماعة من الأندلسيين، وقد ألفوا في ذلك (56). وكل ما (57) شرح أو يشرح من كتب أبقراط، فهو بحسب السبب (58) الأول والثالث والرابع أكثرها، وبعض أقواله (59) تشرح بحسب السبب الثاني. [7] إلا أن جالينوس يأبى ذلك ولا يرى بوجه أن في كلام أبقراط وهم، بل (60) يتأول ما لا يحتمل التأويل، ويجعل شرح القول ما لا يدل ذلك القول على شيء منه. [[1b]] كما نراه (61) فعل في شرحه لكتاب (62) الأخلاط، وإن كان قد شك جالينوس في كتاب الأخلاط، هل هو لأبقراط أو لغيره؟ ودعاه (63) لذلك ما هو (64) عليه ذلك الكتاب من اختلاط المعاني وكونها تشبه (65) تواليف أصحاب الكيمياء، أو أكثر (66) منها. وأحق التسميات (67) به عندي أن يسمى: كتاب الاختلاط. لكنه لشهرة (68) نسبته (69) لأبقراط شرحه ذلك الشرح B العجيب. وكل ما (70) قاله جالينوس في ذلك الشرح هو كله كلام صحيح بحسب صناعة الطب، لكن لا يدل شيء من (71) ذلك الكلام المشروح على شيء من الشرح. وما يسمى هذا شرحا على التحقيق؛ لأن الشرح هو إخراج ما هو (72) في ذلك الكلام بالقوة عند الفهم إلى الفعل، حتى أنك إذا رجعت وتأملت الكلام المشروح بعد ما فهمته من الشرح رأيت ذلك الكلام دالا على ما فهمته من الشرح. هذا عندي (73) هو الذي يسمى شرحا بالحقيقة، لا أن (74) يأتي الإنسان بأقاويل صحيحة ويقول: هذا (75) شرح قول القائل كذا، كما يفعل (76) جالينوس في بعض أقاويل أبقراط. وكذلك أيضا هؤلاء الذين ينتجون نتائج من كلام شخص ويسمون ذلك شرحا، ليس هذا عندي شرح، بل تأليف آخر، كأكثر شرح أوقليدس (77) للنيريزي (78)، فإني لا أسمي ذلك كله شرحا. [8] وكذلك نجد جالينوس أيضا في شروحه لكتب أبقراط، قد يشرح القول بضد مفهومه * حتى يجعل ذلك القول صوابا (79)، كما فعل في كتاب الأسابيع، حيث قال أبقراط: "إن الأرض تحيط بالماء"، فسر جالينوس هذا القول بأن قال: عسى أن يكون عنى بقوله A هذا أن الماء يحيط بالأرض. كل هذا (80) حتى لا يقول: إن أبقراط غلط (81) أو وهم في هذا القول. وإذا غلب في الأمر (82) ووجد قولا بين الخطأ ولا يتسع له فيه حيلة، قال: هذا منسوب لأبقراط ودخيل في كلامه، أو هو كلام أبقراط [[2a]] الفلاني لا أبقراط المشهور، كما فعل في شرحه لطبيعة الإنسان. وكل هذا تعصب لأبقراط، وإن كان أبقراط من أعظم (83) فضلاء الأطباء بلا شك، فليس التعصب فضيلة، ولو كان ذلك في حق فاضل. [9] ومعلوم أن كل كتاب شرح أو يشرح فليس كل ما (84) فيه يحتاج إلى الشرح، بل لا بد أن (85) يكون فيه قول بين (86) لا يحتاج إلى شرح. لكن أغراض (87) الشارحين (88) في شروحهم كطريقة المؤلفين في تواليفهم، لأن من المؤلفين من يقصد الإيجاز (89) الذي لا (90) يخل بالمعنى، حتى لو أمكنه الكلام فيما (91) قصد لتأليفه في مائة كلمة مثلا، لما جعلها مائة كلمة وكلمة. [10] وثم من قصده التطويل (92) والتكثير وتكبير حجم الكتاب وتكبير عدة أجزائه، وإن كان مجموع ذلك كله قليل المعاني. كذلك الشارحون (93) منهم من يشرح الشيء المحتاج للشرح بأوجز (94) ما يمكن، B ويترك ما سوى ذلك. ومنهم من يطول ويشرح ما لا يحتاج إلى شرح، أو ما يحتاج إلى شرح بأكثر مما يحتاج. [11] وقد كنت أظن أن جالينوس من المطولين في شروحه جدا كأكثر (95) تواليفه، حتى رأيته، أعني جالينوس، يقول في أول شرحه لكتاب النواميس لأفلاطون كلاما هذا نصه: قال: قد (96) رأيت بعض المفسرين فسر هذا القول من قول أبقراط وهو هذا: وإذا (97) بلغ (98) المرض منتهاه، فعند (99) ذلك ينبغي أن يكون التدبير في الغاية القصوى من اللطافة. فإنه فسر هذا في أكثر من مائة مجلد (100) بلا معنى ولا سبب. [12] قال موسى: فلما رأيت هذا الكلام لجالينوس عذرته (101) في تواليفه وشروحه وعلمت أنه قد أوجز فيها كثيرا، بالإضافة إلى تواليف أهل تلك الأعصار (102)، لكنها (103) على حال فيها تطويل لا يناكر في (104) ذلك إلا متعصب. وأنا (105) إنما أخاطب من يتعرى (106) عن الأهواء ويقصد الحق في كل شيء. وقد ذكر جالينوس في المقالة السادسة من حيلة البرء أن أصحابه استطالوا كلامه (107) في A تلك المقالات. [[2b]] [13] ولما (108) رأيت كتاب الفصول لأبقراط أعظم كتبه فائدة، رأيت (109) أن أشرحها، لأنها فصول ينبغي أن يحفظها كل طبيب، بل غير (110) الأطباء رأيتهم يحفظونها للصبيان في المكتب، حتى أن فصولا (111) كثيرة منها يحفظها من ليس بطبيب حفظ الصغر من المكتب. [14] وهذه فصول أبقراط منها فصول (112) مشكلة تحتاج إلى شرح، ومنها بينة بنفسها، ومنها مكررة، ومنها ما لا يفيد في صناعة الطب، ومنها وهم محض، لكن جالينوس -كما علمت- يأبى (113) هذه الأشياء، فيشرح كما يريد. أما أنا فأشرحها على طريق الإنصاف، وذلك أني لا أشرح إلا ما يحتاج إلى شرح، وأتبع (114) في ذلك أغراض (115) جالينوس، إلا في بعض فصول، فإني أذكر ما وقع لي فيها منسوبا إلي، وأما كل (116) شرح أذكره مطلقا فهو كلام جالينوس، أعني معانيه (117)، لأني لم ألتفت إلى المشاحة (118) على ألفاظه كما فعلت في المختصرات، وإنما كان قصدي في هذا (119) الشرح الإيجاز (120) فقط، ليسهل حفظ معاني B هذه الفصول المحتاجة إلى شرح، وأروم تقليل الكلام في ذلك جهدي، إلا في الفصل الأول فإني أطول فيه قليلا، ليس (121) أن ذلك على طريقة الشرح الحقيقي لذلك الفصل، بل لأفيد بعض فوائد سنحت (122) لي فيه، كان أبقراط قصدها أو لم يقصدها. وهذا (123) حين أبتدئ بالشرح
[المقالة الأولى]
(١)
[aphorism]
صفحة ١٢