من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون}(الروم:20) إلى آخر الآيات راجع إلى هذا الاعتبار. وإن اعتبرت سلسلة الوجود كتبا متعددة وتصانيف متكثرة يكون كل عالم كتابا مستقلا له أبواب وآيات وكلمات باعتبار المراتب والأنواع والأفراد.
وكان قوله تعالى: {ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}(الأنعام:59) بحسب هذا الإعتبار. وإن جمعنا بين الاعتبارين يكون الوجود المطلق كتابا له مجلدات، كل جلد كتاب له أبواب وفصول وآيات بينات.
في الكلمات التامات الالهية
تبيين وتوضيح
يجب عليك أن تعلم أن تمامية كل شيء بحسبه، فتمامية العلم بأن يكون كشفه للحقايق تاما لا يخلطه الجهل والسترة والحجاب، وتمامية النور بأن لا يخلطه الظلمة والكدورة. وبعبارة أخرى. خلوصه عما يقابله ومحوضته في حيثيات نفسه وكمالاته. وبذاك القياس يمكن لك أن تعرف تمامية الكلام والكلمة وأتميتهما وأن التمامية فيهما باعتبار وضوح الدلالة وعدم الإجمال والتشابه وبالأخرة خلوصهما عما عدى جنس الكلام والكلمة. فهذا الكتاب الإلهي بعض كلماته تام وبعضها أتم وبعضها ناقص وبعضها أنقص، والتمام فيه بإعتبار المرآتية لعالم الغيب الإلهي والسر المكنون والكنز الخفي. فكل ما كان تجلى الحق في مرآت ذاته أتم كان على العالم الغيب أدل. فعالم العقول المجردة والنفوس الإسفهبدية لتنزهها عن ظلمة المادة وتقدسها عن كدورة الهيولى وخلوصهما عن غبار تعين الماهية كلمات تامات إلهية.
ولكن لكون كل واحد منهما مرآت صفة واحدة أو إسم فارد إلهي ناقص، كما قال: فمنهم ركع لا يسجدون ومنهم سجد لا يركعون. والإنسان الكامل لكونه كونا جامعا ومرآتا تاما لجميع الأسماء والصفات الإلهية أتم الكلمات الإلهية، بل هو الكتاب الإلهي الذي فيه كل الكتب الإلهيه.كما عن مولانا أمير المؤمنين وسيد الموحدين صلوات الله وسلامه عليه:
أتزعم أنك جرم صغير......وفيك انطوى العالم الأكبر
وأنت الكتاب المبين الذي ... بأحرفه يظهر المضمر ***94]
صفحة ٩٤