لأن مثل محاسنك تزل العفيف، وتنقل عن طبعه الحليم. وإن كنت المتعرض لك والجالب على نفسي ما شقيت به، فالعذر لك.
وقال آخر:
وفارسٍ في غمار الموت منغمسٍ ... إذا تألى على مكروهه صدقا
جعل للموت غمارًا على التشبيه بالماء، ثم جعله منغمسًا فيها فحسنت الاستعارة جدًا: وتألى وائتل وآلى من الألية. ولا حلف ثم، إنما يريد الحتم والإيجاب، فيقول: رب فارسٍ داخلٍ في شدائد الموت إذا حلف على ما يكره منه أو يكون كريهًا في نفسه بر ولم يحنث أنا فعلت به كذا. ويروي " مكروهةٍ " والمعنى خصلة تكره وتشق. فعلى هذا يكون صفةً مفردةً عن الموصوف. ويجوز أن يكون مصدرًا كالمصدوقة وما أشبهها من المصادر الجائية على زنة المفعول. وأضاف المكروه إذا رويت " مكروهه " إلى الفارس لوقوعه منه. والمنغمس: الداخل في الشيء، يقال غمسته في الماء وغيره، ورجلٌ مغامسٌ للذي يغشى الحرب ويتردد فيها. والغمار والغمرات جمع غمرةٍ، وهي في الماء والحرب والشر ترجع إلى الستر. ويقال رجل مغامرٌ، إذا ألقى نفسه في الغمرات والمهالك. وروى بعضهم " في غمار الموت " بضم الغين، وكسرها أجود مع ذكر المنغمس.
غشيته وهو في جأواء باسلةٍ ... عضبًا أصاب سواء الرأس فانفلقا
العضب: القطع، وتوسعوا فيه فقالوا: عضبه عن حاجته، أي حبسه، وامرأةٌ معضوبةٌ أي معضولة، وسيفٌ عضبٌ أي قاطع، كأنه وصف بالمصدر. والتغشي أصله الإتيان والملابسة، ومنه الغشاوة: الغطاء. وتوسعوا فيه حتى قيل تغشاهم بالعدل أو الجور. وفي القرآن: " إذ يغشيكم النعاس أمنةً منه ". فقوله غشيته، هو كما يقال قنعته، وهو جواب رب فارسٍ هكذا أنا ضربته وهو في جيشٍ تام السلاح كريه اللقاء، بسيف قاطع أصاب وسط رأسه فشقه. والسواء: الوسط ها هنا، وفي التنزيل: " في سواء الجحيم ". ويوضع موضع المصدر ثم يوصف به، وفي التنزيل: " سواء للسائلين ". وأصاب،
1 / 46