تخرج في إثرها سريعةً لما تولت. ومنه زهقت الراحلة: تقدمت. وزهق السهم: أسرع.
فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم ... لشيءٍ ولا أني من الموت أفرق
ترك الإخبار عنها وأقبل عليها يخاطبها، جريًا على عادتهم في التنقل والافتنان في التصرف. ومعنى تخشعت: تكلفت الخشوع. والخشوع في البصر كالخضوع في البدن. ويقال: اختشع فلانٌ، إذا طأطأ رأسه راميًا ببصره إلى الأرض وهو خاشع الطرف خاضع العنق. يقول مستهينًا بما اجتمع عليه من الحبس والتقييد، ومتبجحًا عندها بالصبر على الهوى والتهالك فيه - وبهذا دخلت الأبيات في الحماسة - لا تظني أني تكلفت الخشوع بعدكم لشيءٍ عارضٍ، ولا أني أخاف من الموت. والفرق: الخوف، وهو فرقٌ وفروقٌ وفروقة. وقال:
أنورًا سرع ماذا يا فروق
فإن قيل: فأين مفعول تحسبي؟ قلت: قد نابت الجملة، وهو قوله " أني تخشعت بعدكم " عن المفعولين. ألا ترى أن تقديره لا تحسبيني خاشعًا، فكما أن المفعولين يحصلان من دون " أن " كذلك إذا دخل " أن " في الكلام ينوب مع ما بعده عنهما، لأن اللفظ بالمفعولين قد حصل وإن كانا في صلة أن. وأن وما بعده في تقدير اسمٍ، وهذا كما تقول: لو أنك جئتني لأكرمتك، إذ كنت قد لفظت بالفعل في صلة أن، وإن كنت لا تقول لو مجيئك.
ولا أن نفسي يزدهيها وعيدكم ... ولا أنني بالمشي في القيد أخرق
الوعيد والوعد من أصلٍ واحدٍ، وإن كان أحدهما ضمانًا في الخير والآخر ضمانًا في الشر، لكنه فرق بين المعنيين بتغيير البناءين، كما فعلوا مثل ذلك في العدل والعديل، فجعلوا أحدهما في الأناسي والآخر في غيرهم. يقول: ولا تظني أن نفسي يستخفها تهددكم، ولا أنني ضجرت بالرسفان، وهو المشي في القيد. ويقال زهاه زهوًا وازدهاه، إذا استخفه. ويستعمل الزهو في الباطل والتزيد في القول. يقال: قال زهوًا، وفي الكبر يقال زهي لا غير، وهو مزهوٌ، والأصل الخفة. والأخرق: القليل
1 / 43