وقوله بسيء أراد بسيٍ فخفف، كما قالوا في هين هين وفي لين لين. وروى بعضهم: بسي والمعنى أنهم يزيدون في الحزاء على قدر الابتداء. وليس ذلك بشيء لأن سيء في مقابلة حسن، كما أن اللين في مقابلة الغلظ، وفي العدول عنه إلىسيٍ إخلال بالتقابل، والبيت إنما حسن به.
ولا تبلى بسالتهم وإنهم ... صلوا بالحرب حينًا بعد حين
يقال: بلي الثوب يبلى بلى وبلاء، ويستعار فيقال: لبست فلانًا وبليته، إذا اسيمتعت به وتمليته. وإنما يصفهم بلاستمرار على حالة واحدة في مزاولة الحرب، وأن شجاعتهم لاتنقص ولاتبلى عند امتداد الشر، واتصال البلاء. والبسالة توصف بها الأسد والرجال، يقال أسد باسل وبسول. كما يقال رجل باسل وبسول. قال امرؤ القيس:
ما غركم بالأسد الباسل
وصلوا هو من صليت بكذا أي منيت به، وهو من الفعل فعلوا بكسر العين، ولهذا انضم اللام من صلوا، ولو كان فعلوا بفتح العين لقيل صلوا، كما قيل دعوا ورموا. فإن قيل: فأين جواب الشرط في قوله وإن هم صلوا بالحرب؟ قيل: هو متقدم، والتقدير إن صلوا ومنوا بالحرب لم تخلق شجاعتهم. وفصل بين الفعل وإن ب هم، لأنه ماض لم يظهر فيه أثر إن بالجزم. ولو كان مستقبلًا لظهر الجزم فيه، ولما حسن الفصل بينه وبين إن بالإسم. يقبح أن يقال إن زيد يأتني أكرمه، وتقول إن الله أقدرني على زيد فعلت به كذا. وهذا شيء يجوز في إن دون سائر حروف الجزاء، لأنه الاصل في الجزاء والحرف الذي لايزول عنه. وروى بعضهم: ولا تبلى بسالتهم من بلوته إذا اختبرته، ويكون المعنى لا يمكن اختبار شجاعتهم فيعرف غورها ومنتهاها على مر الأزمان، واختلاف الأحوال.
هم منعوا حمى الوقبى بضرب ... يؤلف بين أشتات المنون
1 / 34