وهو لوقوع الشئ لوقوع غيره، ولهذا لابد له من جواب. ويقال صرح الشيء إذا كشف عنه وأظهره، وصرح هو إذا انكشف. ومثله بين الشئ وبين هو، وفي المثل قد يبين الصبح لذى عينيت. وفعل بمعنى تفعل واسع، يقال وجهه بمعنى توجه، وقدم بمعنىتقدم، ونبه بمعنى تنبه، ونكب بمعنى تنكب. فيقول: لما ظهر الشر كل الظهور وصار بحيث لايستره شئ ولم يبق بيننا وبينهم سوى الصبر على الظلم الصريح. والمعنى أنهم لما تجاوز الأحوال المتشابكة، والأخذ بالإنصاف والمعدلة، إلى استعمال الظلم ورفع الحشمة، حينئذ جازيناهم بمثل ما ابتدءونا. وذكر العريان مثل لظهور الشر. وقد اشتمل هذا الكلام على تفسير البيت الذي يتلوه، وهو قوله:
ولم يبق سوى العدوا ... ن دناهم كما دانوا
العدوان والعداء والعدو: الظلم. وأما قوله دناهم كما دانوا، والأول ليس بجزاء، فهذا لميلهم إلى المطابقة والموافقة، وإخراج اللفظ في معرض صاحبه ليعلم أنه جزاؤه على حده وقدره، أو ابتداؤه. وعلى ذلك قوله تعالى: " يخادعون الله وهو خادعهم " و" الله يستهزئ بهم " وما أشبهه. وجواب لما صرح دناهم. وقوله في البيت التالي هو تفصيل لما أجمله قوله دناهم، لأنه فسر كيف كان ذلك الجزاء. والدين لفظة مشتركة في عدة معان: الجزاء، والعادة، والطاعة، والحساب. وهو ها هنا الجزاء. ويقولون: كما تدين تدان أي كما تصنع يصنع بك.
مشينا مشية الليث ... غدا والليث غضبان
كرر الليث ولم يأت بضميره تفخيمًا وتهويلًا، وهم يفعلون ذلك في أسماء الأجناس والأحلام. قال عدي:
لا أرى الموت بسبق الموت شيء ... نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
فيقول: سعينا إليهم مشية الأسد ابتكر وهو جائع، وكنى عن الجوع بالغضب لأنه يصحبه. وهذا التشبيه أخرج ما لا قوة له في التصور إلى ما له قوة فيه، ومن روى عدا على أن يكون من العدوان فليست روايته بحسنة، لأن الليث في أكثر أحواله ظالم عاد. والمشية: اسم الحالة التي يكون عليها الماشي في مشيه، والمشية
1 / 29