(فهم من الناس في أذى وجهد، ومن الله سبحانه في كلءة وحفظ).
أذى الناس لهم قلة المبالاة بهم، والاحتقار لهم، والإغماض لحقهم، وليسوا بالناس الذين قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا على المثال الذي شبههم به، وهو: « الهمج الرعاع »، وهو ذباب الكنيف، بل صغير الحيوان، وقد أجهدوا أنفسهم في تذكيرهم ووعظهم، وفي الانتزاح عنهم والهرب منهم، والله عز وجل يكلؤهم ويحفظهم من سطوتهم، واستباح المحظور منهم، حتى يعلم أن ذلك زيادة فيما يدلهم عليه، ويكثر علمهم لديه، فهذا معنى قوله: (وهم من الله في كلاءة وحفظ).
ثم قال عليه السلام في وصفهم وقلة عددهم: (فهم الأقلون عددا، والأعظمون عند الله قدرا).
ثم قال عليه السلام: (ولن تخلو أمة من مغتال لها، مفرق لجماعتها، وآخر داع إلى هداها وصلاحها).
فداع إلى الهدى والصلاح، يجمع شمل الأمة بالوعظ والتذكير، والأمر والتحذير، والجد والتشمير، وداع بمايفرق هذه الجماعة، ويصد عن سبيل الطاعة، فداع الهدى والصلاح: (ممن نظر فاعتدلت فطرته، وصفت طبيعته).
هذا فيه تقديم وتأخير وإشارة وضمير، معناه ممن اعتدلت فطرته، أي: خلقه، وصفت طبيعته التي طبعه الله عليها، لما نظر بفكره، فوقع له بذلك النظر علم بأحواله التي طبعه الله عليها، وفطره من أصولها، وقدره بعد حصولها.
صفحة ٨٥