(كان في ضرورة العقل): أي أن العقل الذي في العقلاء من خلق الله تعالى ابتداء، وبه كمال النعماء كالشمس والنار والقمر والنجوم وسائر الأنوار حجة من العزيز الجبار، ونعمة يتوصل بها إليه، ورحمة يستدل بها عليه، يستصبح بنوره من ظلام الجهل من استصبح، ويستفتح به باب كل خير من استفتح.
واعلم أن العقل في اللغة مأخوذ من عقال البعير، وقد عقل الله الإنسان المكلف به من جميع القبائح التي كرهها له تعالى.
(الا سبيل له إلى علم كيفية الطاعة). أي لاطريق إلى كيفية الطاعة المشروعة التي لامدخل للعقل فيها، خلافا للباطنية ومن نحا نحوهم من الملحدة، والبراهمة، والفلاسفة، والعقل يحكم بصحتها على مانبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
(دون الخبر من عند المنعم بكيفية الطاعة). وهذا رد على البراهمة، ومن لايرى الوسائط ولايقول بها، وينفي أن يكون الله تعالى أرسل رسلا إلى المكلفين، وأوضح لمن نظر وتفكر في الأدلة واعتبر، وهي: العقل، والكتاب، والرسول، وإجماع من إجماعه حجة عليه وعلى غيره. (إذ لايكون الخبر من الله ملاقاة لله)، والعقل يمنع من ذلك، ولانعرض على ما يقوله كلام البراهمة في تجويز الخبر إلى الكل، ولنا في هذا عليهم حجة ليس هذا موضع ذكرها، لأنه لما ثبت أمر بشيء وجب على الآمر تبيينه للمأمور وإزاحة علته، ولايكون إلا بواحد مخصوص بأمر مخصوص، على صفة مخصوصة، ولو لم يكن كذلك لكان قوله تعالى: ?فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولاتكفرون? [البقرة: 152] ، يتناول من شكر الشاكر ما تفوه به، وإن خالف شكر غيره، لما منع العقل من المشافهة، وثبت ألابد من إيصال خبر مخصوص، إلى واحد من جنس المأمورين به، لأن ذلك أقرب إلى التصديق، وأوجب على التحقيق من أن يكون صاحب الخبر من غير جنس المخبر، ولايلزم على ذلك أن يقول المعترض: وما صح لجبريل وميكائيل وغيرهما من الملائكة عليهم السلام من الله في الخبر يصح لغيرهم من رسل الأمم، وقد بينا ذلك في كتاب (الرسالة).
صفحة ٤٦