...................................................... هذا حديث عظيم قد اشتمل على جميع وظائف الأعمال الظاهرة والباطنة، وعلوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه لما تضمنه من جمعه علم السنة فهو كالأم للسنة كما سميت الفاتحة أم القرآن لما تضمنته من جمعها معاني القرآن.
وفيه دليل على تحسين الثياب والهيئة والنظافة عند الدخول على العلماء والفضلاء والملوك فإن جبريل أتى معلما للناس بحاله ومقاله.
قوله: " لا يرى عليه أثر السفر " المشهور ضم الياء من يرى مبنيا لما لم يسم فاعله ورواه بعضهم بالنون المفتوحة وكلاهما صحيح.
قوله: " ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد " هكذا هو المشهور الصحيح ورواه النسائي بمعناه وقال: " فوضع يديه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم فارتفع الاحتمال الذي في لفظ كتاب مسلم فإنه قال فيه: " فوضع كفيه على فخذيه " وهو محتمل.
وقد استفيد من هذا الحديث أن الإسلام والإيمان حقيقتان متباينتان لغة وشرعا وهذا هو الأصل في الأسماء المختلفة وقد يتوسع فيهما الشرع فيطلق أحدهما على الآخر على سبيل التجوز.
قوله: " فعجبنا له يسأله ويصدقه " إنما تعجبوا من ذلك لأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف إلا من جهته وليس هذا السائل ممن عرف بلقاء النبي صلى الله عليه وسلم ولا بالسماع منه ثم هو قد سأل سؤال عارف محقق مصدق فتعجبوا من ذلك.
قوله: " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه " الإيمان بالله هو التصديق بأنه سبحانه موجود موصوف بصفات الجلال والكمال منزه عن صفات النقص وأنه واحد حق صمد فرد خالق جميع المخلوقات متصرف فيما يشاء ويفعل في ملكه ما يريد.
والإيمان بالملائكة هو التصديق بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهو بأمره يعملون.
والإيمان برسل الله هو التصديق أنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله تعالى أيدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم وأنهم بلغوا عن الله رسالاته وبينوا للمكلفين ما أمرهم الله به وأنه يجب احترامهم وأن لا يفرق بين أحد منهم.
والإيمان باليوم الآخر هو التصديق بيوم القيامة وما اشتمل عليه من الإعادة بعد الموت والحشر والنشر والحساب والميزان والصراط والجنة والنار وأنهما دار ثوابه وجزائه للمحسنين والمسيئين إلى غير ذلك مما صح من النقل.
والإيمان بالقدر هو التصديق بما تقدم ذكره وحاصله ما دل عليه قوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون) (إنا على كل شيء خلقناه بقدر) ونحو ذلك. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس: " واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وأن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف " .
ومذهب السلف وأئمة الخلف أن من صدق بهذه الأمور تصديقا جازما لا ريب فيه ولا تردد كان مؤمنا حقا سواء كان ذلك عن براهين قاطعة أو عن اعتقادات جازمة.
وقوله في الإحسان: " أن تعبد الله كأنك تراه " الخ حاصله راجع إلى إتقان العبادات ومراعاة حقوق الله تعالى ومراقبته واستحضار عظمته وجلالته حال العبادات .
قوله: " فأخبرني عن أماراتها " بفتح الهمزة، والأمارة العلامة، والأمة ههنا الجارية المستولدة، وربتها سيدتها وجاء في رواية بعلها، وقد روي أن أعرابيا سئل عن هذه الناقة قال: أنا بعلها ويسمى الزوج بعلا، وهو في الحديث ربتها بالتأنيث، واختلف في قوله: " أن تلد الأمة ربتها " فقيل المراد به أن يستولي المسلمون على بلاد الكفر فيكثر التسري فيكون ولد الأمة من سيدها بمنزلة سيدها لشرفه بأبيه وعلى هذا فالذي يكون من أشراط الساعة استيلاء المسلمين على المشركين وكثرة الفتوح والتسري، وقيل معناه أن تفسد أحوال الناس حتى يبيع السادة أمهات أولادهم ويكثر تردادهن في أيدي المشترين فربما اشتراها ولدها ولا يشعر بذلك فعلى هذا الذي يكون من أشراط الساعة غلبة الجهل بتحريم بيعهن، وقيل معناه أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة والسب.
صفحة ٧