والحكمة في تخصيص عدد الأربعين: أنه أول عدد له ربع عشر صحيح، فكما دل حديث الزكاة على تطهير ربع العشر للباقي، فكذلك العمل بربع عشر الأربعين، يخرج باقيها عن كونه غير معمول به، وقد كان بشر الحافي رضي الله عنه يقول: يا أهل الحديث، اعملوا من كل أربعين حديثا بحديث " واتفق الحفاظ " أي أكثرهم " على أنه ضعيف " هو ما يكون بعض رواته مردودا لعدم عدالته، أو لروايته عمن لم يره، أو سوء الحفظ، أو تهمة في العقيدة، أو عدم المعرفة بحال من يحدث عنه، أو غير ذلك مما هو مبين في كتب مصطلح الحديث. " وإن كثرت طرقه " جمع طريق. وهم الرواة عن الرواة عن الصحابي وإن سفلوا. يقال هذه رواية أبي هريرة من طريق البخاري مثلا، فالرواة طرق يتوصل بها إلى المتن، ولا يخلو طريق من طرق هذا الحديث من أن يكون فيه مجهول أو مشهور بالضعف، فوصف الحديث بالضعف أو غيره عن الصحة والحسن إنما هو باعتبار سنده، أي رجاله الذين رووه، فالحديث الذي اتصل إسناده، وكان رواته عدولا: حديث صحيح، والحديث الضعيف ما عدا ذلك، وهو أقسام كثيرة، كما أشار إلى ذلك كله صاحب البيقونية في مصطلح الحديث بقوله:
أولها الصحيح وهو ما اتصل ... إسناده، ولم يشذ أو يعل
يرويه عدل ضابط عن مثله ... معتمد في ضبطه ونقله
والحسن المعروف طرقا وغدت ... رجاله لا كالصحيح اشتهرت
وكل ما عن رتبة الحسن قصر ... فهو الضعيف وهو أقساما كثر
" في هذا الباب " أي باب الأربعينات " ما لا يحصى " الإحصاء في الأصل: العد بالحصى، والمقصود بذلك المبالغة في الكثرة، أي فله بهم أسوة و " الطوسي " قرية من قرى بخارى " الرباني " أي الذي أفيضت عليه المعارف الربانية، وربي الناس بعلمه، " سفيان " مثلث السين " النسائي " وفي نسخة النسوي بالواو وفتح النون والسين، نسبة إلى " نسا " بلد بخراسان قلبت ألفه واوا، كما يقال في النسبة إلى فتى: فتوى، ولكن الهمز في استعمال المحدثين أكثر وأشهر. " الآجري " بفتح الهمزة الممدودة وضم الجيم وشد الراء، نسبة إلى الآجر، وهو الطوب المحروق لبيعه أو عمله، كان عالما ثقة. " الأصفهاني " بالفاء والباء مع كسر الهمزة وفتحها، والفتح أفصح، نسبة إلى أصفهان بلدة من بلاد فارس، " والدارقطني " بفتح الراء، نسبة إلى دار القطن، محلة كبيرة ببغداد. " السلمي " بضم السين وفتح اللام، نسبة إلى سليم قبيلة مشهورة. " وأبو سعد " في نسخة: وأبو سعيد بالياء، وهو موافق لما في كتاب الأنساب للسمعاني، والذي في طبقات الحفاظ، وتاريخ الخطيب البغدادي، ومعجم البلدان: أبو سعد، بدون ياء، وهو الأصح: لأن الأنساب غير مصححة تصحيحا يعتمد عليه، " الماليني " نسبة إلى مالين، قرى مجتمعة من أعمال هراة، يقال لجميعها: مالين، كان ثقة متقنا، صنف وحدث ورحل إلى مصر فمات بها. " الصابوني " نسبة إلى عمل الصابون. " الأنصاري " وفي نسخة: زيادة الهروي، كان ثقة عارفا، توفي بهراة، " والبيهقي " نسبة إلى بيهق، قرية من ناحية نيسابور. " وقد استخرت الله " أي طلبت من الله أن يرشدني لما هو خير من الإقدام أو الإحجام، فإنه ربما كان مشغولا بما هو أهم من جمع الأربعين من العبادات، فإن الاستخارة كما تكون في الأمور المباحة تكون في الأمور المندوبة، لترجيح بعضها على بعض وكيفيتها أن تصلي ركعتين وتدعو بالدعاء المشهور الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ولا تتوقف هذه الاستخارة على نوم بل تتوجه إلى ما ينشرح له صدرك.
وفي الحديث الذي رواه الطبراني في الأوسط عن أنس: ما خاب من استخار ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد، " والأعلام " جمع على بفتحتين، وهو ما يهتدي به إلى الطريق من جبل أو غيره على حد قول الخنساء في أخيها صخر:
وإن صخرا لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
قوله: " في فضائل الأعمال " أي لأنه إن كان صحيحا في نفس الأمر، فقد أعطى حقه من العمل به. وإلا فلم يترتب على العمل به مفسدة تحليل ولا تحريم؛ وشرط جواز العمل به: أن لا يشتد ضعفه، بأن لا يخلو طريق من طرقه من كذاب أو متهم بالكذب، وأن يكون داخلا تحت: أصل كلي، كما إذا ورد حديث ضعيف بصلاة ركعتين بعد الزوال مثلا، فإنه يعمل به لدخوله تحت أصلي كلي؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر " . رواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة، أي خير شيء وضعه الله تعالى " ومع هذا " أي ما ذكر من جواز العمل به " الشاهد " أي السامع لما أقول، والخطاب للصحابة، ثم لمن بعدهم، وهلم جرا، فيجب التبليغ وجوب كفاية على أهل العلم، وكل من تعلم مسألة فهو من أهل العلم بها، فيجب عليه تعليمها لغيره. وإلا وقع في الإثم، إن لم يقم بها غيره، و " نضر " بفتح الضاد المعجمة، روى مخففا ومشددا، وهو الأكثر من النضارة، وهي حسن الوجه وبريقه، كما قال بعضهم: من كان من أهل الحديث فإنه ... ذو نضرة في وجهه نور سطع
صفحة ٤