قوله: " ولا يبع بعضكم على بيع بعض " معناه: أن يقول لمن اشترى سلعة في مدة الخيار أفسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله أو أجود بثمنه أو يكون المتبايعان قد تقرر الثمن بينهما وتراضيا به ولم يبق إلا العقد فيزيد عليه أو يعطيه بأنقص وهذا حرام بعد استقرار الثمن وأما قبل الرضى فليس بحرام. ومعنى " وكونوا عباد الله إخوانا " أي تعاملوا وتعاشروا معاملة الأخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال.
قوله: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره " والخذلان: ترك الإعانة والنصرة ومعناه: إذا استعان به في دفع ظالم أو نحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي.
قوله: " ولا يحقره " هو بالحاء المهملة والقاف أي لا يتكبر عليه ويستصغره قال القاضي عياض: ورواه بعضهم بضم الياء وبالخاء المعجمة وبالفاء أي لا يغدر بعهده ولا ينقض إيمانه والصواب المعروف هو الأول.
قوله صلى الله عليه وسلم: " التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات " وفي رواية " إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم " . معناه أن الأعمال الظاهرة لا تحصل التقوى وإنما بما يقع في القلب من عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته، ونظر الله تعالى أي رؤيته محيطة بكل شيء. ومعنى الحديث والله أعلم مجازاته ومحاسبته وإن الاعتبار في هذا كله بالقلب.
قوله: " بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم " فيه تحذير عظيم من ذلك لأن الله تعالى لم يحقره إذ خلقه ورزقه ثم أحسن تقويم خلقه وسخر ما في السموات وما في الأرض جميعا لأجله وإن كان له ولغيره فله من ذلك حصة ثم إن الله سبحانه سماه مسلما ومؤمنا وعبدا وبلغ من أمره إلى أن جعل الرسول منه إليه محمدا صلى الله عليه وسلم فمن حقر مسلما من المسلمين، فقد حقر ما عظم الله عز وجل وكافيه ذلك فإن من احتقار المسلم للمسلم أن لا يسلم عليه إذا مر ولا يرد عليه السلام إذا بدأ به، ومنها أن يراه دون أن يدخله الله الجنة أو يبعده من النار.
وأما ما ينقمه العاقل على الجاهل، والعدل على الفاسق، فليس ذلك احتقار للمسلم، بل لما اتصف به الجاهل من الجهل. والفاسق من الفسق. فمتى فارق ذلك راجعه إلى احتفاله به ورفع قدره.
فضل الاجتماع على تلاوة القرآن
وعلى الذكر
36 - " عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله له كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه " رواه مسلم بهذا اللفظ " .
......................................................
هذا حديث عظيم جامع لأنواع من العلوم والقواعد والآداب فيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة أو غير ذلك. ومعنى تنفيس الكربة إزالتها.
قوله: " من ستر مسلما " الستر عليه أن يستر زلاته والمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس معروفا بالفساد وهذا في ستر معصية وقعت وانقضت أما إذا علم معصيته وهو متلبس بها فيجب المبادرة بالإنكار عليه ومنعه منها فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إن لم يترتب على ذلك مفسدة فالمعروف بذلك لا يستر عليه لأن الستر على هذا يطمعه في الفساد والإيذاء وانتهاك المحرمات وجسارة غيره على مثل ذلك بل يستحب أن يرفعه إلى الإمام إن لم يخف من ذلك مفسدة وكذلك القول في جرح الرواة والشهود والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم فيجب تجريحهم عند الحاجة ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم، وليس هذا من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة الواجبة.
صفحة ٣١