وفيه دليل على جواز سؤال المستفتي عن بعض ما يخفى عليه من الدليل إذا علم من حال المسؤول إنه لا يكره ذلك ولم يكن فيه سوء أدب وذكر العالم الدليل على بعض ما يخفى من المسائل. وقوله: " وأمر بالمعروف صدقة ونهي المنكر صدقة " إشارة إلى ثبوت حكم الصدقة في كل فرد من أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آكد منه في التسبيح وما ذكره بعده لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية وقد يتعين بخلاف الأذكار التي تقع نوافل، وأجر الفرائض أكثر من أجر النفل كما دل عليه قول عز وجل: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) رواه البخاري، قال بعض العلماء يزيد ثواب الفرض على ثواب النفل سبعين درجة واستأنس له بحديث.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " في بضع أحدكم صدقة " وهو بضم الباء ويطلق على الجماع وعلى الفرج نفسه وكلاهما يصح إرادته ها هنا، وقد تقدم أن المباحات تصير بالنيات طاعات فالجماع يكون عبادة إذا نوى به الإنسان قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف أو طلب ولد صالح أو إعفاف نفسه أو زوجته أو غير ذلك من المقاصد الصالحة.
وقولهم: " يا رسوا الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر " إلى آخره فيه جواز القياس وهو مذهب العلماء ولم يخالف فيه إلا أهل الظاهر، وأما المنقول عن التابعين ونحوهم من ذم القياس فليس المراد به القياس الذي يعهده الفقهاء المجتهدون، وهذا القياس هو قياس العكس واختلف الأصوليون في العمل به والحديث دليل لمن عمل به.
فضل الإصلاح بين الناس
والعدل بينهم وإعانتهم
26 - " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة. والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة " رواه البخاري ومسلم " .
......................................................
قوله: " سلامى " بضم السين المهملة وتخفيف اللام وهي المفاصل والأعضاء وقد ثبت في صحيح مسلم إنها ثلاثمائة وستون، قال القاضي عياض وأصله عظام الكف والأصابع والأرجل ثم استعمل في سائر عظام الجسد ومفاصله. قال بعض العلماء المراد صدقة ترهيب وترغيب لا إيجاب وإلزام.
قوله: " تعدل بين اثنين صدقة " أن يصلح بينهما بالعدل، وفي حديث آخر من رواية مسلم " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة وتهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة يجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى " أي يكفي من هذه الصدقات عن هذه الأعضاء ركعتان فإن الصلاة عمل لجميع أعضاء الجسد فإذا صلى فقد قام كل عضو بوظيفته والله أعلم.
البر حسن الخلق
27 - " عن النواس بن سمعان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس " رواه مسلم، وعن وابضة بن معبد رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جئت تسأل عن البر؟ قلت : نعم. قال: " استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك " حديث حسن رويناه في مسندي الإمامين أحمد بن حنبل والدارمي بإسناد حسن " .
......................................................
صفحة ٢٤