وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " والصلاة نور " فمعناه إنها تمنع من المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به، وقيل معناه أن يكون آخرها نورا لصاحبها يوم القيامة وقيل إنها تكون نورا ظاهرا على وجهه يوم القيامة ويكون في الدنيا أيضا على وجهه البهاء بخلاف من لم يصل، والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " الصدقة برهان " فقال صاحب التجريد: معناه أنه يفزع إليها كما يفزع للبراهين، كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت له صدقاته براهين في جواب هذا السؤال فيقول: تصدقت به، وقال غيره: معناه أن الصدقة حجة على إيمان فاعلها لأن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها فمن تصدق استدل بصدقته على قوة إيمانه والله أعلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " والصبر ضياء " فمعناه الصبر المحبوب في الشرع وهو الصبر على طاعة الله تعالى والصبر عن معصيته والصبر أيضا على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا والمراد أن الصبر محمود لا يزال صاحبه مستضيئا به ومهتديا مستمرا على الصواب. قال إبراهيم الخواص: الصبر هو الثبات على الكتاب والسنة. وقيل الصبر هو الوقوف مع البلاء بحسن الأدب. وقال أبو علي الدقاق رحمه الله الصبر أن لا يعترض على المقدور فأما إظهار البلاء على وجه الشكوى فلا ينافي الصبر قال الله تعالى في حق أيوب عليه السلام: (إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب) مع إنه قال: " إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " والله أعلم.
وأما قوله: " والقرآن حجة لك أو عليك " فمعناه ظاهر أي تنتفع به إن تلوته وعملت به وإلا فهو عليك.
وقوله: " كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها " معناه أن كل إنسان يسعى لنفسه فمنهم من يبيعها لله بطاعته له فيعتقها من العذاب كما قال تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) ومن يبيعها للشيطان والهوى بإتباعها فيوبقها أي يهلكها اللهم وفقنا للعمل بطاعتك وجنبنا أن نوبق أنفسنا بمخالفتك.
تحريم الظلم
24 - " عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: " يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلتع بينكم محرما، فلا تظالموا. يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم. يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها. فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " رواه مسلم " .
......................................................
قوله: " إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما " قال بعض العلماء معناه لا ينبغي لي ولا يجوز علي كما قال تعالى: (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا) فالظلم محال في حق الله تعالى. قال بعضهم في هذا الحديث: لا يسوغ لأحد أن يسأل الله تعالى أن يحكم له على خصمه إلا بالحق لقوله سبحانه: " إني حرمت الظلم على نفسي " فهو سبحانه لا يظلم عباده فكيف يظن ظان أنه يظلم عباده لغيره.
وكذلك قال: " فلا تظالموا " المعنى المظلوم يقتص له من الظالم وحذفت إحدى التائين تخفيفا أصله فلا تتظالموا.
صفحة ٢٢