وكان من الخمسة الذين كانت لهم الدنيا بأسرها، وكان له وزراء، فاختار واحدا وأخرجه معه، وكان يسمى عماريسا لينظر إلى مملكته، وخرج في مائة ألف وثلاثة وثلاثين ألفا من الفرسان، ومائة ألف وثلاثة عشر ألفا من الرجالة، وكان يدخل في كل بلدة، وكانوا يعظمونه، وكان يختار من كل بلدة عشرة أنفس من حكمائها، حتى جاء إلى مكة، وكان معه أربعة آلاف رجل من العلماء والحكماء الذين اختارهم من بلدان مختلفة، فلم يتحرك أهل مكة ولم يعظموه، فغضب عليهم، ودعا عماريسا، وقال له: كيف شأن أهل هذه البلد الذين لم يهابوني ولم يهابوا عسكري، كيف شأنهم وأثرهم؟ فقال الوزير: أيها الملك إنهم قوم عربيون جاهلون لا يعرفون شيئا، وإن لهم بيتا يقال له كعبة، وإنهم معجبون بها، ويسجدون للطاغوت والأصنام دون الله، قال الملك: إنهم معجبون بهذا البيت؟ قال: نعم.
فنزل ببطحاء مكة مع عسكره، وتفكر في نفسه دون الوزير ودون الناس وعزم أن يأمر بهدم هذا البيت، وأن الذي يسمى كعبة يسمى خربة، وأن يقتل رجالهم ويسبي نساءهم وذراريهم، فأخذه الله بالصداع وفتح من عينيه وأذنيه وأنفه وفمه ماء منتنا، فلم يصبر أحد عنده طرفة عين من نتن الريح، فاستيقظ لذلك، وقال لوزيره: اجمع العلماء والأطباء، وشاورهم في أمري، فاجتمع الأطباء عنده، فلم يصبر أحد عنده طرفة عين من نتن الريح، ولم يمكنهم مداواته، فقال: قد جمعت الحكماء من بلدان مختلفة، ووقعت لي هذه العلة ولم يقم أحد في مداواتي؟! فقالوا بأجمعهم: إنا قوم أمرنا الدنيا، وهذا أمر سماوي، لا نستطيع رد أمر السماء.
قوله: «رد أمر السماء» :
كذا في رواية ابن عساكر، وفي الأصول: ردا من السماء.
صفحة ٩٧